آخر الأخبار
The news is by your side.

غول الذهب تحقيق : علي ميرغني – إنعام آدم

غول الذهب تحقيق : علي ميرغني – إنعام آدم

قد لا يدرك المواطن العام حجم مواردنا الطبيعية وخاصة معدن الذهب النفيس. واليوم نطرح قضية نعتبرها قضية رأي عام يجب علاجها اليوم قبل الغد، لأنها تتعلق بعدة ملفات واستمرار هذه الممارسة يجعل مناخ الاستثمار في بلادنا طارداً رغم جودة قوانين الاستثمار.

قصتنا التي تشبه الأفلام الهندية التي تتحدث عن الفساد المؤسسي الذي له قوة عين عصابات المافيا. لكنها حدثت فعلاً في سودان العهد البائد.

في العام  2011 ،وقَّعت حكومة جمهورية السودان ممثلة في وزارة المعادن اتفاقاً مع شركة الألماس السورية حصلت بموجبه على امتياز تعدين الذهب في المربع ( جي 12) بولاية القضارف بمساحة قدرها 500كيلومتر مربعاً تقريباً.

مع منح مواطني المنقطة حق التعدين الأهلي في مساحة 35كيلومتراً تقريباً داخل  المساحة المخصصة  للشركة السورية.

الشركة السورية قامت بإحضار فرق جيولوجية تركية وروسية لإجراء عمليات الاستكشاف بطرق علمية متقدمة توطئة للبدء الفعلي في عمليات التنقيب واستخراج الذهب واستخلاصه. بالطبع دفعت كل الرسوم الاتحادية.

كما قامت بإنشاء شركة أخرى للتعدين بالشراكة مع المعدنين من مواطني المنطقة أسمتها “كنوز”للتعدين.

لكن الشركة السورية “الألماس”تفاجأت بعد أن أجرت عمليات الاستكشاف بتعدي شركتين سودانيتين وبعض الأفراد وقيامهم بالتعدين في مساحة ثلاثة كيلومترات داخل المساحة التي منحتها لها وزارة التعدين

شكاوى بلا صدى

قامت شركة الألماس بمخاطبة وزارة التعدين عدة مرات لوقف هذا التعدي وحفظ حقها الذي حصلت عليه باتفاقية قانونية ودفعت فيه الرسوم المقررة، فضلاً عن قيامها باستيراد مصفاة ذهب في المربع المعني.

وفي يناير 2013خاطبت شركة الألماس وزير المعادن الاتحادي طلبت تدخله العاجل لحل المشكلة قبل تفاقمها. وبالفعل وقعت إحدى موظفات الوزارة على استلام الشكوى المعنية.

لكن لم يطرأ جديد في الأمر وظلت شركة الألماس تخاطب الوزارة بصورة أقرب للشهرية تطلب حل الأمر. وفي 12من شهر يناير 2014اضطرت شركة الألماس لرفع الأمر لوزير الاستثمار وأطلعته على ملف التعدي على المربع المخصص لها. وكيف أن شركة “أ.ر”المملوكة لبعض السودانيين  توسعت في التعدي على المساحة المخصصة لشركة الألماس بدون أن تجد أي إجراء يردعها من جانب وزارة المعادن.

وأوضحت شركة الألماس أن استمرار الوضع قد يجبرها على رفع الأمر للقضاء الشيء الذي سيعرض حكومة السودان لدفع تعويضات كان يمكن تفاديها.

رد …الاستثمار

وأولت وزارة الاستثمار الموضوع أهميته، وبعد يومين فقط خاطب مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الاستثمار وقتها، وزير المعادن أحمد محمد صادق الكاروري، بنفس الخصوص وطلب منه التدخل والنظر في طلب شركة الألماس للتعدين بعين الاعتبار واقترح عليه “الإيعاز”لمن يرى الجلوس مع شركة الألماس بغية حل الإشكال و(تمكين الشركة من مواصلة عملها).

شاهد من أهلها

 

وبتاريخ يونيو 2014رفعت الهيئة العامة للبحوث الجيولوجية تقريرها الخاص بشكوى شركة الألماس من وجود مصنع (شركة أبورقية) والمعدنين الأهليين داخل المساحة المخصصة لها.

وقال التقرير أن (شركة أبورقية) أقامت مصنعها داخل المنطقة الممنوحة  لها داخل مربع شركة الألماس. التي تضررت من عدم التزام شركة ( كنوز) بحصر المعدنين التقليديين. وأيضاً تضررت من شركة (أبو رقية) لجهة قيام الإخيرة بترحيل خام “كرتة” الذهب.”

وخلص قرار اللجنة إلى الإبقاء على مصنع (شركة أبو رقية) بموقعه الحالي. مع إلزام شركة أبو رقية بمعالجة الكرتة الموجودة (حالياً) فقط.. يقصد وقت صدور التقرير بتأريخ 30يونيو 2014.

إخراج شركة أبو رقية للتنمية المحدودة من العمل بالمواقع الممنوحة لها بعد معالجة الكرتة الموجودة “حالياً أيضاً.

وتعويض شركة الألماس بالمثل عن الموقع المخصص لمصنع (شركة أبو رقية) إذا اتضح إن هناك ضرراً وقع عليها في عمليات الاستكشاف.

التقرير صدر بنسخ إلى والي القضارف، وزير التخطيط العمراني بالولاية، معتمد البطانة ومدير المكتب الفرعي القضارف.

الإرهاب…

 

رنين الذهب أطاح بالقانون، وقام بعض الأشخاص بالتعدي على آليات شركة “الألماس”وكسروا بعضها فيما أصابوا بعض الجيولوجيين الأجانب الذين استجلبتهم الشركة لوضع خرط لمناطق الذهب، وأيضاً قاموا بإتلاف الخنادق والحفريات الاستكشافية  التي أقامها هؤلاء الجيولوجيون.

وبالفعل قام المستشار الأمني للشركة برفع تقرير أمني للشركة حدد فيه المواطنين الذين قاموا بتحريض الأهالي توطئة لفتح بلاغ ضدهم لدى النيابة المختصة.

وبعد أقل من شهرين قام مجهولون بتكسير زجاج إحدى البوكلينات التابعة لشركة الألماس واعتدوا على الجيولوجيين بالحجارة فأصابوا بعضهم بجروح قطعية في رؤوسهم وقال مدير الموقع أن الأهالي تعدوا على منطقة (وادي الكتر) ونهبوا الذهب الموجود هناك رغم وجود شرطة أمن التعدين بالموقع ووصف الوضع بأنه خطير ولا يسكت عنه في ظل عدم حدوث جديد في البلاغات التي سبق أن رفعتها الشركة.

دليل على التعدي

 

من جانبها أصدرت وزارة التخطيط العمراني والمرافق العامة كروكياً يوضح مربع التعدين 12جي بجهة وادي بشارة قالت فيه إن  تعدي شركة أبو رقية بلغ 26فداناً داخل المربع المعني.

الغريب في الأمر أن وزارة البنى التحتية والتنمية العمرانية أرسلت  خطاباً بتاريخ  15نوفمبر 2018معنوناً إلى وكيل نيابة محلية البطانة، ومعه نسخة من خطاب بتاريخ 27مايو 2015معه كروكيات شركة الألماس  الخاص ببلاغ من شرطة الصباغ. الكروكي أوضح وجود تعدٍ على مواقع شركة الألماس.

الشركة الغول

 

أخذنا الوثائق التي حصلنا عليها من إدارة شركة الألماس للتعدين وذهبنا إلى جهة الاختصاص، وزارة المعادن. دخلنا الدار من بابها. أخطرناهم بإننا حضرنا نستفسر عن شكوى تقدمت بها شركة تعدين من ظلم ترى إنه وقع عليها من الوزارة. لم يسألونا عن اسم الشركة، بل طلبوا منا إخبار الشركة بالحضور للوزارة وعرض مظلمتهم. صراحة تفاءلنا خيراً

رفض وزاري

 

. أجرينا اتصالاً هاتفياً بمسئول الإعلام بوزارة المعادن محمد بشير من أجل تحديد مواعيد لمقابلة وكيل الوزارة د.عباد الشيخ حول . القضية. وفي اليوم الثاني جاء رد مسئول الإعلام على لسان مدير مكتب الوكيل  بأن الأخير يرفض مقابلة الصحيفة ،وقال إذا كان المستثمر متضرراً فعليه الحضور بنفسه لمقابلة الوكيل، ووجهتنا الوزارة بالذهاب إلى الشركة السودانية للموارد المعدنية لمقابلة مديرها المكلف الصادق إبراهيم..

وهنا يبرز سؤال مهم. بل عدة أسئلة، أليس وزارة المعادن جهة رقابية مناط بها التدخل في مثل هذه الحالات ؟ ولماذا الذهاب إلى شركة التعدين ؟ بل كيف أصلاً تقوم شركة قطاع عام بالفصل بين شركات القطاع الخاص؟  أليس يمكن أن تحدث المفارقة المخلة بالقانون وأن يصبح فيك الخصام وأنت الخصم والحكم.

الصلح خير

 

وفي مطلع مارس الماضي أرسلت الشركة خطاباً لوزارة المعادن  أرودت فيه تفاصيل ما حدث لها في المربع جي 12وعرضت فيه شروطاً كحل وسط، أبرزها تمديد الاتفاقية لخمس سنوات بدون رسوم في مساحة 227كيلومتراً مربعاً. وتعويضها عن ما فاتها من كسب وضرر لحق بآلياتها  وأن يكون التعويض في شكل مربعات جديدة بالتنسيق مع الوزارة. وتقنين التعدين الأهلي بإخلاء مناطق الشركة وإرجاعهم لمربع شركة كنوز فيه

لكن كانت المفاجأة صدور خطاب من الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة بتأريخ سبعة إبريل ـ قبيل أربعة أيام من سقوط حكم البشير ـيفيد شركة الألماس للتعدين بوقف أعمال الاستكشاف بعد انتهاء فترة العقد، ومنع مباشرة أية أعمال فنية داخل المربع جي 12ويأمرها بتسليم التقارير الفنية والنتائج المتحصل عليها  خلال فترة أسبوعين

الذهاب إلى التحكيم

 

وبعد مخاطبات لأكثر من سبع سنوات، وتوريد معدات ومصفاة ذهب كلفت عدة ملايين من الدولارات، وتكلفة التركيب واستقدام خبراء ومهندسين جيولوجيين أتراك وروس، وجدت إدارة شركة الألماس إنها مجبرة للاتجاه لرفع دعوى تحكيم ضد حكومة جمهورية السودان ممثلة في وزارة المعادن.

إثبات جدية

 

إلا أن انتظار شركة الألماس طوال ثماني سنوات تقريباً بدون الشروع في التنقيب طرح سؤالاً لماذا الصبر على تعطيل أعمالهم طوال هذه الفترة التي تعني بالضرورة على أقل تقدير تجميد رأس مال يبلغ عدة ملايين الدولارات. مما قد يفسر بعدم جدية. لكن مدير عام الشركة، الدكتور عبد السلام طالب، يبرر ذلك بأنهم ظلوا يخاطبون الجهات المختصة لتمكينهم من مواصلة أعمال الاستكشاف والتنقيب، طوال هذه الفترة بدون طائل. واعتبر أن جدية الشركة في العمل تثبتها دفعهم لكل الرسوم واستيراد آليات حفر ومعدات استكشاف الذهب يبلغ ثمنها عدة ملايين الدولارات فضلاً عن إحضار خبراء جيولوجيا أتراك ومن دولة روسيا بغرض تنفيذ أعمال الدراسات الجيولوجية، ويختم قوله

“كيف تنفق الشركة كل هذه الأموال ولا تكون جادة في العمل بالسودان”

وفعلاً قدمت لنا الشركة وثائق رسمية من الجمارك تثبت استيراد هذه المعدات. وأيضاً إيصالات مالية توضح تسديد الشركة لكافة الرسوم، مع خطابات من الجهات الرسمية بالسماح لخبراء أجانب بالسفر إلى موقع عمل الشركة بالبطانة.

قصة عرقلة عمل شركة الألماس للتعدين يكشف عن حجم الضرر الاقتصادي الذي عانت منه بلادنا في ظل النظام السابق، ويؤكد أن قوانين الاستثمار وحدها لا تكفي ويجب حماية هذه القوانين بمؤسسات قوية تحفظ للمستثمرين حقوقهم المالية حتى لا تصبح بلادنا طاردة للممستثمرين وبالطبع مع حماية مواردنا الطبيعية من اي إهدار محلي أو أجنبي.

 

المصدر: التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.