آخر الأخبار
The news is by your side.

نازك الملائكة – رؤية إنسانية متجددة (٧)

نازك الملائكة – رؤية إنسانية متجددة (٧)

بقلم: سعد محمد عبدالله

المتفق عليه؛ أن الشاعرة نازك الملائكة قد تمكنت من ربط حزام الأمان ودق حصن الشعر المنيع والتموضع في أمكنة مائزة وسط أسماء ساطعة من شعراء عصرها والسابقيين حائزة علي ثمرات شجرة شعر يانع ومزدهر أثار شغف القراء وحيرة الكثير من الشعراء مع تدفق سيل من النقد المبرر بحالة صدمة النُقاد بعد إندلاع ثورة الشعر الحر.

والشعر الحر أو المُرسل فتح نوافذ جديدة لجدلية الثورة الثقافية والتجديد الشعري موطداً حوار إنساني عميق بحيث جعل مراكز الإستنارة ومجالس المثقفيين تضيق وتتسع بحدة تجاذب وتنافر الأراء وتباين التصورات النقدية لهذه اللونية الجديدة في ثورتها علي المألوف من عروض الشعر التقليدي، ونجد عند مطالعة كتاب “الشعر الحر – أسسه وقواعده” للكاتب البديع والمثقف العضوي مصطفى حركات أنه قد قدم شرح واضح ومبسط لأهم الأسس والقواعد والقوالب الشعرية المميزة للونية الشعر الحر.

فهذا الشرح العميق والمبسط يسهل عملية إستفهام الشعر المُرسل الذي أحدث نقلة ضوئية رهيبة في الحركة الشعرية، وهناك أيضا كُتاب كثر طبعوا بصماتهم بحبر نوراني مثل الكاتب الرفيع والرائع مصطفى عليوي الذي سطر كتاب “جينوم الشعر العمودي والحر”، ونطالع أيضاً ما خطه الناقد والمثقف المستنيير أحمد فهمي في كتابه بعنوان “قصيدة التفعيلة وسماتها المستحدثة”.

وهنالك عدة كُتاب ونُقاد وضعوا رسالاتهم الأدبية الراقية والرفيعة حول قضية الشعر الحر في العصر الجديد الذي أنتج الشاعرة نازك الملائكة كواحدة من الأيقونات الذهبية في فضاءات الثقافة وحِوارية الثورة التجديدية مع إنبلاج ضوء شمس الشعر المُرسل علي العالم المعاصر، وهنا نقرأ إقتباسً من مقدمة كتاب “قضايا الشعر المعاصر” للشاعرة نازك الملائكة تقول الشاعرة نازك الملائكة: كانت لحركة الشعر الحر ظروف معرقلة تضع في وجهها العقبات وتجعل سبيلها وعراً.

بعض تلك الظروف عام يتعلق بطبيعة الحركات الجديدة إجمالاً، وبعضها خاص بالشعر الحر نفسه. أما الظروف العامة فتكمن في أن الشعر الحر، شأنه شأن أية حركة جديدة في ميادين الفكر والحضارة، قد بدأ لدناً، حيياً، متردداً، مدركاً أنه لا بد أن يحتوي علي فجاجة البداية، فلا بد له من ذلك، لأنه، علي كل حال “تجربة”، ولن يعفيه إخلاصه وتحمسه من أن يزل أحياناً ويتخبط، ذلك أن مثل هذه الحركات الأدبية التي تنبع فجأة؛ بمقتضي ظروف بيئية وزمنية، لا بد أن تمُر بسنيين طويلة، قبل أن تستكمل أسباب النضج؛ وتملك جذوراً مستقرة؛ وتلين لها أداتها، وليس من المعقول أن تولد ناضجة، وأن تبدو عيوبها كلما إبتعدنا عنها و أوغلنا في الزمن باختياراتنا الجديدة ونضج ثقافاتنا وإتساع آفاقنا.

وأما الظروف الخاصة تكمن في كون الشعر الحر حركة جديدة جابهها الجمهور العربي أول مرة في هذا العصر، نقول هذا؛ ونحن علي علم بما يذهب إليه بعض الباحثيين الأفاضل من أنها تجد جذورها في الموشحات الأندلسية، وفي البند الذي أبدعه شعراء العراق في القرنيين الماضيين أو قبلها بزمن يسيير. أما الموشحات الأندلسية فان المشهور والمحفوظ منها يقوم علي أساس المقطوعة، ويحافظ علي طول ثابت للأشطر، وحتى إذا تساهل بعض التساهل في الطول، فان ذلك يجري في حدود معينة تجعل الموشح أبعد ما يكون عن الشعر الحر، وإنما الشعر الحر شعر تفعيلة، بينما بقى الموشح شعراً شطرياً.

إننا نحتاج للمزيد من الإنقماس في بحور الشعر بشتى أنواعها وأشكالها والتبحر أكثر فأكثر في عمائق تاريخ الحركة الحركة الأدبية غض النظر عن إختلاف الزمكان، ونحتاج للإطلاع بحصافة علي منجزات الأدباء الذين أوقدوا شموع الثقافة في جوف العتمة الكونية وإستبصار مكامن الضوء في ذلك المنتج الأدبي الرفيع، وفي كتاب الشاعرة نازك الملائكة “قضايا الشعر المعاصر” نجد ثمرات ناضجة مقطوفة بعناية من دوح المعارف؛ إنها مغذية للفكر والحضارة، وعند قرأة ذلك الكتاب الشيق؛ تشدك العبارات الرشيقة والأفكار النيرة للعبور بين تلك السطور والنفاذ إلي عوالم الشعر الحر.

وبالقرأة تتدثر العقلية المعاصرة بالقيم المنسوجة من مستخلصات الحركة الشعرية التجديدية ومصانع الإبداع، وكلما أوغلنا في الإطلاع، تشبعنا بتلك التوهجات الشعرية، وتعلمنا تذوق مضامين الشعر، وتعتبر الشاعرة نازك الملائكة واحدة من السيدات المثقفات والمنفتحات علي الحضارات الإنسانية، وكانت من النساء اللائي حاججن أقطاب الإستنارة بأبلغ الكلمات الشعرية بما حوته أشعارها من نداءت السلام والمحبة والدفاع عن حقوق وحريات المرأة والطفل والكادحيين المكافحيين في الحياة؛ لذلك أصبحت الشاعرة الأحب للشعوب والأنضر في منابر الثقافة وسوح الجامعات؛ فتجربة الشاعرة نازك الملائكة تمثل ومضة رؤية إنسانية جديدة للشعر المعاصر، وينبغي التوقف عندها في كل وقت وحين، وما زلنا عند أعتاب بوابتها؛ لم نتقدم خطوة، لكن أمامنا متسع الوقت للتدرج والمرور نحو تلك الدوحة الشعرية الفريدة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.