آخر الأخبار
The news is by your side.

رحلة ابن نطوطة! .. قصة قصيرة

رحلة ابن نطوطة! .. قصة قصيرة

بقلم: د. سيد شعبان

يقال: حين يظلم الليل يأخذ في تحريك رأسه حيث تتعارك فيها ألف فكرة وفكرة؛ يشتهي سيارة وحسابا ممغنطا في حافظة سرية؛ يحلم بامرأة فاتنة تعيد إليه الزمن الذي ارتحل دون أن يدخر منه بقية؛ ينظر في مرآته وقد علاها الغبش؛ يدور مصباح حجرته كأنما به مس من الجن؛ يخيل إليه أن الزلازل تضرب في سخرية جدران حجرته المتهالكة، يحدث نفسه: حين تشرق شمس النهار سأرتدي ذلك الثوب الجديد؛ ليس جديدا على أية حال فقد ساومت بائع المستعمل؛ مؤكد أن حافظتي حين تمتليء بالنقود ستجري ورائي الفاتنات ممن تتكدس بهن الممرات الخلفية في شوارع المحروسة.

أدار يده في جيبه فأخرج قصاصة من ورق أصفر، ربما تركها واحد ممن مر عليهم ذلك الثوب ففي تلك الأماكن يباع كل شيء؛ حتى لقد غدا ابن نطوطة ذلك لقبه الذي لازمه؛ له رجل واحدة يتقافز بعصاه أو بالأحرى أشبه بلاعب سيرك عجوز؛ يشخص ببصره فتتراقص العمارات وما فيها من غواية يسيل لها لعابه، يدرك أن الوهم يسكن جسده العليل.

من حارة لزقاق لسكة تتلوى كالأفعى يخرج حاملا حقيبة تتدلى من رقبته أشبه بالمخلاة، بعضهم يهبه أرغفة خبز أو بضعة نقود، يرتعد الأطفال حين تظهر منه تلك الأسنان النحاسية؛ تخافه النسوة اللائي يتبخترن في زينة حفل ما بعد منتصف ليل شتوي؛ خشية أن تلد واحدة منهن شبيها له.

داعب خياله الذي اتسع حين تكون الأوهام غذاء الباحثين عن كسرة خبز تصنعها أياد معروقة بطين بلاد حرقتها شمس الظهيرة ؛ يقود سحابة ومن ثم يلقي بأحجار على سكان حارته الذين تندروا عليه في الغدوة والرواح، أدرك أنه عاجز، مؤكد أنه سيسقط سريعا، سمع بذلك الرجل الذي طار؛ عند باب الحارة حكواتي يقص كل ليلة حكاية؛ أبوزيد الهلالي ودياب بن غانم، في الحارة أسرار لم يعثر لها على مفتاح؛ يقولون إن علي بابا ترك مغارته مشرعة الأبواب، وجاء من يبيع الماء في حارة السقايين؛ حتى هذا صار ثمنه يفوق طاقة ابن نطوطة.

ظل يدور ويلف حين عرف بأن سيدنا الولي يسكن سردابا سيخرج منه صاحب الزمان، يعطيهم الخبز محشوا بالفريك ملفوفا في ورق عليه أحاجي كدية زار.

مفتاح كبير في عمق النهر تخفيه جنية حمراء شعرها يسرح مع الريح.

يدركون أن حيله وألاعيبه تفوق الحصر؛ تمر وحجر، حروف من نار تخرج من جوف ثعبان يتراقص في عين الشمس.

تباهى بعرجته بعدما نفر منها، يحسدونه أن كان ذا مخلاة بها ياقوت ومرجان.

يخرج منها ثعبانا أصفر فيتبعه بعصاه؛ يهبونه الفول النابت وحب العزيز؛ تلوح في الأعالي عصاه، يحمله الجن فوق بساط أخضر؛ فالولاية في تلك الحارة خرقة ومخلاة تتدلى ومسبحة تتراص حباتها ومن ثم تتراقص بين أصابع ذات عقد.

مولد وزفة ومقام ودراويش يحملون الجريد الأخضر؛ يتفل في أباريق يتبرك بها المجاذيب؛ مقعد خشبي يحمل ورجل خشبية تتطوح.

يهتفون بأحواله ويتناقلون كراماته؛ من عجزهم يسطو ومن ضعفهم يقوى، وللجرح شفاء بأصابع ولى الزمان وصاحب البركة التى حلت حيث أقام.

بضعة أرغفة وشربة ماء من جوف النهر، تسبح فيها بطونهم ومن ثم يحلو له أن يثمل من أنينهم.

يمتد زمن الحرافيش في حارته المنكودة؛ تطيح عصي الفتوات بأعمار الصغار، يتشبث ابن نطوطة بعربات قطار المناشي؛ يعج برجال يسرح في بطونهم المرض، صغار فاتهم خبز اليوم المغموس بالجوع، يتفحص وجوه الراحلين إلى بوابة المتولي تلك التي غرد فيها السوس وسكنتها العناكب.

يتسلل إلى أذنه ذلك الصوت المسروق من حناجر قتلها الخوف؛ في يوم ما ترتدي تلك الحارة ثياب العيد.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.