آخر الأخبار
The news is by your side.

 تأملات رمضانية…في الآية 21 من سورة المائدة

 تأملات رمضانية…في الآية 21 من سورة المائدة

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 21 من سورة المائدة: “يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ”.

هذا القول هو على لسان موسى عليه السلام لقومه بعد أن خلصهم من ظلم فرعون فخرجوا من مصر لايعلمون الى أين يتجهون.

اختلف المفسرون في تحديد موقع هذه الأرض، بعضهم قال انها منطقة طور سيناء، وبعضهم اعتقد أنها تعني أريحا، وآخرون ذهبوا الى أنها تعني بلاد الشام، وأعتقد بوجاهة الرأي الأول للأسباب التالية:

1 – الأرض الوحيدة التي وصفها الله تعالى في كتابه الكريم بالمقدسة هي منطقة الطور، وحددها بوادي طوى في سيناء: “إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى” [طه:12]، وقدسيتها لأنها المنطقة التي كلم الله فيها موسى لأول مرة.

2 – لا يمكن أن تكون أنها أريحا، فهي منطقة أمطرها الله بعذاب مدمر، عقابا وإهلاكا.

3 – أما الاعتقاد أنها بلاد الشام أو جزء منها (فلسطين) فمستبعد، لأن الشام ذكرها الله بمسمى المباركة وليس المقدسة مرتين “وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” [الأنبياء:71]، والثانية: “الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ” [الإسراء:1]، والمقدس مختلف عن المبارك، فالتقديس هو التشريف بالانتماء الى الله، أما المباركة فهي حلول الخير برحمة من الله.

4 – كان آل يعقوب من البدو وليسوا حضرا، بدليل قول يوسف عليه السلام: “وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ” [يوسف:100] فيما كانت منطقة فلسطين زراعية حضرية، منطقة سيناء الرعوية هي الأقرب لطبيعتهم ليعودوا إليها بعد تركهم أرض مصر التي لم يعتبروها موطنهم رغم مكوثهم طويلا فيها.

5 – المنطقة التي كان يقطنها بنو اسرائيل في مصر كانت محددة وليسوا منتشرين موزعين، لإبقائهم تحت هيمنة فرعون وقانونه الظالم بحقهم، والمنطقة الأقرب والأكثر اتصالا كانت منطقة مدين الواقعة في شمال الجزيرة العربية ولم تكن فلسطين، بدليل لجوء موسى إليها بعد قتله مصريا، وقضائه فيها عشرة أعوام قبل بعثته، لذلك فالأولى أن تكون هجرته ببني اسرائيل الى منطقة يعرف سبيلها ويحول بينه وبينها بحر، وليس الى فلسطين البعيدة التي كانت طريقها مختلفة وهي برية عبر غزة ولا حاجة فيها لقطع البحر.

6 – لقد وعد الله بني اسرائيل عند خروجهم أن يورثهم أرض فرعون: فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ . كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ” [الشعراء:57-59]، فالأولى أن يسكنهم مؤقتا أرضا قريبة، وليس في أرض الشام البعيدة، لكي يعيدهم الى التي أورثهم إياها، بعد أغراق أهلها، لكنهم حينما رفضوا دخول الأرض المقدسة (طور سيناء) إلا أن يخرج الله أهلها منها أولا، حرمهم الله من الإثنتين، فكتب عليهم التيه أربعين عاما.

ثم انه تعالى، ولتكرار عصيانهم وتحريفهم لكتابه وقتلهم الأنبياء لعنهم، وكتب عليهم الذلة الى يوم الدين، فكيف يكافئ الله من لعنه!؟

نخلص في النتيجة أنه ليس هنالك من أساس لقصة أرض الميعاد، وكل ما ذكر حولها هي مجرد أساطير من أحلام وتمنيات، اختلقها وأضافها للتوراة أحبار الملعونين، فالله تعالى خلق الأرض للناس جميعا، وفيها متسع لهم، ولما كان حرّم على نفسه الظلم، فلا يمكن أن يسمح للبشر بظلم بعضهم، فكيف يمنح الحق لقوم باحتلال أرض قوم آخرين وتقتيلهم وطردهم منها!؟.

والله العادل الذي كتب على نفسه الرحمة، وأنزل كتبه رحمة للعالمين، هل يعقل أنه أنزل في التوراة (حسب زعمهم): “أنا أطردهم من أمام بني إسرائيل. إنما اقسمها بالقرعة لإسرائيل ملكا كما أمرتك. والآن اقسم هذه الأرض ملكا للتسعة الأسباط ونصف سبط منسى” [سفر يشوع: 13].

وهل حقا أن إله العفو والمغفرة القائل في كتابه العزيز: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ” [النور:22]، والذي دعا في الإنجيل الى التسامح والمحبة حتى للعدو، يشرّع في التوراة الإبادة الجماعية: “وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف” [يشوع:6:21].

ألا يناقض ذلك قوله في القرآن: “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” [المائدة:32].

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.