آخر الأخبار
The news is by your side.

56 عاما العتّالة مع الكلّاب والمخلاية ! (1)

56 عاما العتّالة مع الكلّاب والمخلاية ! (1)

بورتسودان: صالح احمد صالح

منذ ثمانينيات القرن الماضي ونحن صغار على اطراف ميناء الانوار بورتسودان، نستيقظ على العتّالة، وهم يحملون شيء من الخيش والكلّاب لمن لا يعرفه شيء معمول من الحديد الصلب معوج من الاعلى حاد يغرس في الجوال ويسحبه العامل ليضعه على ظهره، فيسهل له المهمة مع السرعة .. يتسابقون في البكور على اللواري مع صلاة الفجر الى الرصيف ايام كان يطلقون عليها المرابط والمخازن، والغرابيل ،والمحلج والمزاورية ،وترب هدل ومخازن الامارات ،وابو حشيش سلبونا الحبوب الزيتية “الديتية” كما يحلو نطقها عندهم .

بعد ان كبرنا ودخلنا وسطهم ونحن طلاب شاهدنا الكثير مما كنا نجهله من تفاصيل في حياتهم وعملهم ونشاطهم وهمتهم وواقعهم بعدها سارٌ من غير تعمق واغلبها محزن في حياتهم، ومعاشهم ،ومستقبلهم ومصيرهم اشياء لم تكن في الحسبان أو تخطرعلةبالهم، سوى شغلهم الشاغل في كيف يحصلون على قوت يومهم ،ولأبنائهم ،لم يضايقهم الغد ولا مستقبلهم الذي ربما احسنو الظن فيه ولم يعتقدوا سيهزمهم هكذا . كانوا يراهنون بثقة على تحديهم للصعاب وتضحياتهم والمضي قدما، والوعد والوفاء أن يعملوا بجد من اجل الابناء والاحفاد وامرهم من قبل او بعد لله.

يتناولون الافطار باكرا وينطلقون بكل همة وينادون صاحب المطعم او الكشك ( قيد) يعني سجل وهو قد قيد في دفتره صفحات وصفحات بخط سميك، وعلى اليومية ان تتأبط الجرورة دفاترها هنا وهناك في الحي ،السوق، الرصيف.

في مارس من العام 1965 رفض العمال الاستغلال ،ونظام السخرة من اصحاب الاعمال والمخدمين فاضربوا ،الى ان اطلقت عليهم الشرطة النار واستشهد منهم عدد فيما جرح العشرات ومن ابرز من لقي حتفهم في ذلك اليوم :عثمان حامد ادريس، حامد موسي مندر، محمد نور محمد همد، إدريس آدم أحمد، محمد سعيد . وانتهى المشهد كالعادة بالشجب والادانة ،واللجان والوعد. والوعيد بالتحقيق ،ولم يبق شيء من سيرة هؤلاء سوى النصب التذكاري الذي بالقرب من شارع امانةالحكومة غربا عند المدخل اليها ،والذي تعرض لتشويه عدة مرات بحجة هذا مجنون وهذا معتوه ،مسرحيات سخفية لا يملها البعض من صغار العقول ،وسيخدمها انتهازي السياسة ظانين انهم يحققون انتصارا.

جاء عهد العتمة الاكبر 89 فانتقلوا من ظلام الى ظلمات فوقها ظلمات من الاهمال والاستغلال الأسوأ لثلاثة عقود، ولم تغفر او تشفع لهم تضحياتهم وصبرهم. وعطاءهم .

وبعد ان تبدى لنا تبدد الظلام هاهم عرضة للمخاطر والهلاك مجددا، والتحديث يخنقهم بلا رؤية ولاابداء حسن نية، واغلال التقاعد القسري والاختياري غيّب أغلبهم فطواهم النسيان ومنهم من ينتظر،نظام الباش ريس والريس والقبيلة والكوتات فأس اخر يبعدهم من الراحة والحلول .. السياسة والدولة التي لاتنتهي أولوياتها ليست في ذيلية قائمتها من شاكلتهم ،ولم ولن تصلهم في القريب، لا صحة لا تعليم لا تحسين بيئة عمل ، هذه شعارات واوراق يطول عمرها بحجم نقاشها وارشيفها.

تمر مناسبة ذكرى انتفاضة 18 مارس لعمال الشحن والتفريغ ، لا هاشتاقات لاشيتا يطمن لا تخليد يبعث الامل ،تغرب شمسها بذات الهدوء الذي يودعنا به الرعيل الاول من الاباء والاعمام والاجداد .
وبهذه المناسبة سنقف عند محطات كثيرة ومثيرة ومؤلمة علها تبث في القلوب الرحمة والشفقة والاهتمام فيلحق من ينتظر شيئا من العدالة ليخبر ويفرِح اويُريح السابقون في مرقدهم .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.