آخر الأخبار
The news is by your side.

مالالا، زهرة البشتون … بقلم: حسّان النّاصِر

مالالا، زهرة البشتون … بقلم: حسّان النّاصِر

 

دائما في عطلة نهاية الاسبوع أحاول ان استغرق في بعض الأمور التي تكسر الروتين اليومي للاسبوع، ولا أهتم بقضاء عطلة الخميس خارج شقتي وهذا أمر اعتدت عليه منذ ان كنت في الخرطوم، وامتدت أيضا بعد الانتقال الى الدوحة، وبالتأكيد من وجهة نظري أن افضل شئ يمكن أن يكسر الروتين الاكاديمي و الانشغال السياسي و الكتابة وغيرها هو دوواين الشعر و الاستماع الي القصائد، وأعتقد أنني استفدت من هذه العادة في تطوير مخيلتي، ولكن عند القدوم الى الدوحة والالتحاق ببرنامج علم الاجتماع و الانثروبولوجيا اتجهت نوعا ما الى المواد البصرية، اما لوحات او فلام سينمائية أو معمارية بعض المدن.

أحاول دائما الاهتمام بمعمارية المدن كحالة من تكشف الذات و الأنا الانسانية، فما بين المعمار وبين النفس امتداد و تداخلات غريبة و المدينة في ذهني دائما حالة يمكن ان نصل الى عمقها عبر انعكاسها على حركة الفكر و المجتمع و السياسة ايضا، فهذا الاتصال كثيرا ما كان محور حديثي و كتاباتي الاكاديمية (حبيسة ملفات جهاز اللاب توب )، مؤخرا ازداد اهتمامي بالسياق الاسيوي وبالتحديد وسط آسيا، لذلك دائما ما اتجه الى قراءة الهند و باكستان و غيرها من هذه الدول، و اهتم بطبيعة النشاط و التأثير الذي يقوم به الاشخاص داخل الحيز المديني ونحوه ، وقد تكون باكستان هي نموذج جيد لدراسة ما خصوصا انها الدولة التي تعد اكثر تناقضا بين جارتين لها (طنين) عالمي مختلف، فلا هي الهند ولا هي افغانستان.

قد تكون الشخصية الابرز خلال عشر سنوات واخذت حيز اجتماعي وتأثير كبير في باكستان هي (مالالا) ابرز النساء اللائي اثرن في مجريات المجتمع الباكستاني هي و(بناظير بوتو) رئيسة وزراء باكستان التي اغتليت قبل عدة اعوام.

أفضل ما يمكن كشفه عن الشخص هو الحوار لذلك اختار برامج الحوار مع الشخصيات القادمة من هذه السياقات،وبالتأكيد اختار برامج الحوار التي قدمت اما امام جمهور أمريكي و محاوره امريكي،وهنا لا أحد ينكر قدرة شركة (Netflix) على انتاج مثل هذه البرامج،وأظن ايضا ان برنامج David Letterman والذي يحمل اسم My Next Guest Needs No Introduction هو من أفضل البرامج الحوارية التي تغوص في عمق الشخصيات وتقدمها من خلال كشف تأثيرها وتأثرها بنشاطها المعرفي و حيزها الاجتماعي.

في حلقة( مالالا) ما شدني هو كيف ان مالالا استطاعت ان تعمل على ابراز مشاكل مجتمعها المحلي وتقرأه وفق ظاهرة اجتماعية من غير النزعة الاورمريكية التي تصور هذه السياقات أنها سياقات متوحشة و متخلفة وهو ما برز في ثلاث مواقف اساسية، وهي: حول مدينة نيويورك،و الثاني حول موقفها من مسألة ان تكون هناك رئيسة وزراء لدولة اسلامية و الثاني الموقف من طالبان.

فالموقف الاول عندما ذكر ليها دفيد اننا كسكان نيويورك نظن انها اعظم مدينة في العالم،حينها ردت مالالا ماذا تقصد بأعظم؟ كان رد ديفيد يحتوي علي انا متضخمة،فقال:لان هناك امور عظيمة تحدث فيها،لم يكن رد مالالا كأي رد متوقع لم تقل له نعم،بل قالت له ان هناك أمور عظيمة تحدث في مدن أخرى ايضا.

الموقف الثالث في مكتبة اكسفورد عندما تناولو مسألة رئاسة وزراء المرأة لدولة اسلامية،كان ديفيد ايضا متغطرس في طرحه،فلقد قال لها هل تظنين انه سيحدث ان تكون امرأة رئيسة وزراء لدولة مسلمة،كان ردد مالالا انها ستعمل على ان تكون هناك رؤوساء وزراء ليس للدول الاسلامية وحسب لكن في كل دول العالم ايضا،وان هذا امر لا يتعلق بالدول الاسلامية وانما بكل دولة و الولايات المتحدة أيضا،أليس كذلك. هنا قال ديفيد انه لم يكن ينتبه للأمر وضحك.

الموقف الثالث حول طالبان وفي مسألة منعهم للتعليم،استخدم ديفيد الموقف الاوربي الذي يسقط التحليل النفسي المباشر و اشبه بحالة انا استعمارية،لكن مالالا في موقفها ردت هذه المسألة ليس لموقف اوربي من طالبان بل الى مسألة القوة الاجتماعية و الاقتصادية بمعني أكثر ان مالالا ردت الظاهرة الي اصلها الاقتصادي وحللتها و عممتها على سياقات اجتماعية حتى في الولايات المتحدة.

اخيرا موقفها النقدي من الثقافة البشتونية فهي لم تنفيها بل قالت انها ملتزمة بجزء من تقاليدها ولكنها تقف ضد جزء منها بسبب انها تسبب في مشاكل اجتماعية وتحرم فئات من حقوقهم،انه موقف يذكرني بموقف صبا محمود ايضا النقدي ولكن بطريقة مختلفة.

حقا كانت مالالا مدهشة ولكن اصابني بعض الاحباط من النظر الي السياق السوداني،ولا اريد الحديث عنه لانني لا اريد ان اقوم بالتقليل من نضالات النساء في السودان ولكني اتحدث على نموذج مثلها، فآلاء صلاح ان كانت نموذج سوداني خرج للعالم مثل مالالا الا انها لن تصل الى ما تقوم به مالالا لان مالالا لم تظهر للعالم كمجرد امرأة من سياق العالم الثالث وانما كرائدة ومقاتلة حقيقة تدافع عن مجتمعها وعن حق التعليم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.