آخر الأخبار
The news is by your side.

الثورة السودانية (الحل في الحل) … بقلم: عثمان جلال

الثورة السودانية (الحل في الحل) … بقلم: عثمان جلال

(1)
ثمة حالة من التباين بين الثورة التي تؤدي إلى تغيير بنيوي وعميق في حركة المجتمع ومؤسساته وترتقي به إلى أنماط سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة، وبين حالة الضجر والسخط والهوجة على أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية محددة، والتي غالبا ما تنحو إلى أشكال هبات وانتفاضات وقومات قصيرة النفس تنتهي إلى مساومات ومحاصصات فوقية لاقتسام السلطة بين النخب البرجوازية، والطبقة السياسية البرجوازية (كالحكومة الانتقالية الحالية في السودان). أو ترتكس هذه الهبات والانتفاضات إلى إعادة إنتاج الجهاز الفكري والسياسي والسلوك الاستبدادي لبنية النظام القديم بأشكال واطر جديدة.
(2)
فالثورة ينبغي التعاطي معها في بعدها التاريخي وعمق الوعي الاجتماعي وتفاعلها مع الميراث الثقافي والفكري للمجتمع الذي تنهض فيه
وكذلك تتجلى أهمية دور القيادة الكارزمية والمثقف العضوي في صناعة الثورة وغرس منجزاتها وهواديها وثقافتها في بنية المؤسسات، وحفز المجتمع لحراسة وصيانة مكتسبات الثورة
(3).
كما تعلمون فإن مفهوم القيادة السياسية المعاصر تطور إلى ما يعرف بالقيادة الجماعية والمؤسسية ويتجلى ذلك في الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع الحي.
(4)
ان كان ذلك كذلك فإن إسقاط هذه المفاهيم والقيم الثورية على مسارات الثورة السودانية، منذ لحظة الانتصار التاريخي، إلى توقيع الوثيقة الدستورية، وتصميم برنامج الفترة الانتقالية، ثم تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي يتضح لنا أن تحالف قوى الحرية والتغيير وهو الكيان الذي احتكر الثورة السودانية، واحتكر أيضا إدارة وقيادة مهام وبرامج المرحلة الانتقالية يفتقر إلى القيادة الكارزمية الملهمة، ويفتقر إلى القيادة المؤسسية الجماعية، ويفتقر إلى المثقف العضوي الذي يلهم الثورة بالقيم العرفانية والثقافية والفكرية، بل فإن هذا الكيان السياسي يفتقر إلى التجانس والوحدة بين كياناته السياسية المتناشزة فكريا وايديولوجيا،وكذلك يفتقر إلى التناغم والوحدة في هيكله التنظيمي القيادي الاعلى، علاوة على ضعف قدراته النظرية ومهاراته في القيادة والحكم، والأخطر سيطرة وهيمنة التيارات اليسارية الجزافية على هذا التنظيم الهش، وتغلغلها في مؤسسات الدولة بزرائعية تفكيك نظام الإنقاذ، مما يعني أدلجة الثورة السودانية، وستكون النتيجة إعادة إنتاج لنماذج الثورات الروسية والكوبية والإيرانية اي (استبدال استبداد باستبداد)، واستمرار الدورة السياسية الخبيثة التي مازت الحالة السودانية منذ أبكار الاستقلال الوطني (نظام ديمقراطي، انقلاب عسكري، ثورة شعبية) انها عبقرية الإخفاق
(5)
يتضح لكل مراقب سياسي حصيف ومن خلال تقييم أداء حكومة المرحلة الانتقالية الحالية أن النتائج التي لا تنكرها العين هي فشل قوى الحرية والتغيير في إدارة الملفات السياسية والاقتصادية، وفشلها في حشد طاقات المجتمع السوداني وقواه السياسية الوطنية نحو قيم وهوادي الثورة تحصينا لها من غاشيات الثورة المضادة وكذلك يتضح لنا اخفاقها في ادارة ملفات السلام والوفاق الوطني واستقطاب الدعم الخارجي لإنجاح مهام التحول الديمقراطي.
(6)
ولكن السؤال الاستراتيجي ما الحل لانتشال الثورة السودانية من وهدتها الحالية؟؟
نادى البعض ونتيجة للشرخ الوطني ونكاية في قوى الحرية والتغيير بضرورة استدعاء المؤسسة العسكرية للتدخل واستلام السلطة وادارة المرحلة الانتقالية وهذا ضرب من ضروب الكسل الفكري وحالة (القابلية التاريخية للاستحمار )، ان ضمان وحدة وتماسك المؤسسة العسكرية السودانية يتطلب أن تكون جزء من معادلة الشراكة (وليست الكل) في إدارة المرحلة الانتقالية حتى يتحقق الانتقال الديمقراطي المستدام.
(7)
وكذلك فإن بعض المراقبين يرون أن الأجواء السياسية مؤاتية لانقلاب عسكري تقوده شريحة قيادية وسطى داخل المؤسسة العسكري وهذا السيناريو يعني دخول السودان مباشرة في أتون الحرب الأهلية والتفكك والانهيار الشامل بكل تأثيراته الخطيرة والماحقة على منظومة الأمن الإقليمي والدولي.
(8)
والبعض يرى ضرورة إعلان المكون المدني للثورة السودانية بالفشل ويطلب من المكون العسكري استلام السلطة وإدارة المرحلة الانتقالية وهذا يعني تحرير شهادة موت سريري للثورة السودانية.
(9)
في اعتقادي ان الحل للأزمة الوطنية الماثلة يكمن باختصار (في الحل) اي حل الحكومة الانتقالية الحالية، وإدارة حوار وطني شامل بين كل القوى السياسية السودانية المدنية والمسلحة (من أقصى اليمين لأقصى اليسار حوارا وطنيا لا يستثني أحدا، حتى حزب المؤتمر الوطني في ثوبه الفكري والسياسي الجديد( طالما اعترف بالثورة والتغيير ورفع شعار المعارضة الإيجابية البناءة والتي تعني المشاركة في صيانة مشروع الثورة السودانية حتى تستوي شعاراتها، حرية وسلام وعادلة، وطالما اقر بمبدأ المحاسبة لكل من ثبتت إدانته في أي جناية)، وكذلك ينبغي أن يمتد هذا الحوار الوطني العميق ليشمل كل مؤسسات المجتمع السوداني المدني والاهلي والديني الصوفي، وذلك للتوافق من جديد على (ميثاق العبور الوطني) اي تحديد مهام وبرنامج الانتقال الوطني، وأجاله الزمنية، والصيغة الدستورية، والاطر المؤسسية، التشريعية والتنفيذية الأمثل، وتحديد المواصفات الأكاديمية والمهنية والمهارات الفنية للكفاءات الوطنية المنوط بها إدارة المرحلة الانتقالية، على أن ينحصر دور القوى السياسية والمجتمعية الوطنية في التعبئة والحشد والاسناد الفكري والمادي حتى تستوي المرحلة الانتقالية، سلاما ووفاقا وطنيا، وبسطا للثقافة الديمقراطية، وتحولا ديمقراطيا مستداما يسر الناظرين

فهل هنالك حل غير الحل؟؟

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.