آخر الأخبار
The news is by your side.

رداً على الاستاذ امجد هاشم .. الرأسمالية ليست جنة

رداً على الاستاذ امجد هاشم .. الرأسمالية ليست جنة

بقلم: محمد حيدر احمد

نشر الاستاذ امجد هاشم مقالاً دافع فيه عن النهج الرأسمالي مستدلاً بتجربة البرازيل ومدافعاً عن خطة الدكتور ابراهيم البدوي و في نفس الوقت مهاجماً موقف قوى الحرية والتغيير متجنياً و مختزلاً هذا التحالف في  الاحزاب اليسارية كما وصفها وسأبدا بمناقشة اطروحاته نقطة نقطة حتى تتضح الصورة . توضيحاً للحقائق فإن البرازيل اعتمدت النهج الرأسمالي منذ البداية ولم يكن ذلك في الالفينات كما ذكر المقال وارتبطت بمؤسسات بريتون وودز منذ انشائها بُعَيْد الحرب العالمية الثانية ، وأزمة البرازيل الاقتصادية كانت نتاج تطبيقها للنهج الرأسمالي المتوحش حتى وصل بها الحال إلى ان يستحوذ 10٪ من السكان على أكثر من 90٪ من موارد البلاد وازدادت ازمتها شدة حين خضعت لروشتة صندوق النقد الدولي كاملة في اواخر الثمانينات و أوائل التسعينات ففرضت التقشف وتقليل الإنفاق الحكومي و الخصخصة و حررت سعر الصرف لعملتها ففقد الكريزو كامل قيمته تقريباً فاضطرت إلى تبديل العملة إلى الريال مع خصم الاصفار ( كما فعل النظام البائد في السودان) ، ولكن ذلك لم يشفع للبرازيل ليتعافى اقتصادها بل استمر في التراجع وازدادت الفوارق الطبقية إتساعاً و انتشرت الجريمة و توسع نطاق الفقر ، استمرت البرازيل في الاقتراض من الصندوق حتى وصل الدين الخارجي للبلاد معدلاً يفوق بكثير المعدلات المقبولة عالمياً.
ما حدث بعد ذلك : في بداية عهد الرئيس لولا دا سيلفا في بداية ٢٠٠٣ كانت البرازيل على اتفاق مسبق مع الصندوق على قرض قيمته ٣٠ مليار دولار و كان المتبقي من القرض ٢٧ مليار – سلمت للحكومة الجديدة على دفعات – واستفادت منها البلاد في تنفيذ عدد من المشاريع.
ويبقى السؤال من هو الذي تسبب في الانهيار الكارثي للاقتصاد البرازيلي؟ انه النهج الرأسمالي الفاسد والارتهان للمؤسسات الدولية وشركاتها العابرة للقارات وهو النهج الذي جعل امر البلاد في يد قلة قليلة تستحوذ على موارد البلاد فيما يرزح معظم الشعب تحت الفقر والجهل والجريمة والعطالة في بلاد حباها الله بامكانيات مهولة قلَّما توفرت لغيرها .
والسؤال الثاني المرتبط بالأول : ما هي الطريقة التي عالجت بها البرازيل ازمتها؟ نجافي الحقيقة إذا كان الجواب بأن تطبيق روشتة صندوق النقد الدولي هو سبب العلاج و نكون محقين تماماً إذا أجبنا بأن تطبيق الروشتة الاشتراكية ( العدالة الاجتماعية) كانت هي الترياق لمعالجة اختلالات الاقتصاد البرازيلي والسبب في اجتياز الازمة وكان هذا مرتبط بالارادة السياسية إذ أن برنامج المساعدات الاجتماعية المباشرة تم ربطه ببرامج تعليمية و صحية إلزامية وكانت المساعدات تعطى للأم لضمان صرفها في ما خصصت له ، وتزامن تقديم المساعدات بإلزام البنوك بتقديم تمويل أصغر بضمان الدولة لقطاعات الإنتاج الصغيرة مثل المنسوجات اليدوية وصناعة الاجبان والزراعة التشاركية و غيرها من المشاريع ذات الطابع الاشتراكي ، وكل هذا البرنامج صحبه حملة ضخمة ضد الفساد مع اتجاه الدولة لسن قوانين تشجع الاستثمار ( اعفاءات على مدخلات الإنتاج وحيازات وقروض بآجال طويلة واصلاح هيكلي في كامل القطاع المصرفي) وفي نفس الوقت فرضت ضرائب كبيرة على أرباح اعمالهم وألزمت المستثمرين الأجانب والمحليين بمساهمات اجتماعية ضرورية في المناطق المحيطة بمجال استثمارهم الجغرافي .
إذن و بالذات في تجربة البرازيل فإن النهج الرأسمالي أثبت أنه لا يصلح للشعوب والمجتمعات في البلدان النامية بل يصلح معها النهج الاشتراكي المهتم بتحقيق العدالة الاجتماعية أولاً وقبل كل شيء وينظر للإنسان باعتباره إنسانا وليس آلة أو ترس في ماكينة الرأسمال وبإمكانك وإمكان القارئ الكريم إلى الرجوع إلى كتاب الرئيس لولا دا سيلفا الموسوم ( الجوع صفر ) حيث ترجمه ولخصه الدكتور محمد عبدالله الريح حتى ترى نهج الرئيس دا سيلفا الاشتراكي بوضوح .
أما احتجاجك بأن البرازيل طبقت برنامج التقشف وتخفيض الإنفاق الحكومي وحررت العملة في الالفينات فاسمح لي بأن اقول لك ان حديثك هنا مجافي للحقيقة تماماً حيث أن هذه البرامج كما ذكرت لك سابقا كانت مطبقه منذ الثمانينات وهي من اسباب وقوع الكارثة الاقتصادية للبرازيل  .
نعم – لم يقم الرئيس دا سيلفا بإيقاف تطبيق هذه البرامج مباشرة لأسباب تتعلق بالارتباط الطويل بها ولكنه خفف من حِدَّتِها عن طريق البرامج الاشتراكية التي طبقها بالتزامن مع التزامه المشروط والمحدود باشتراطات صندوق النقد .
ويبقى سؤال أخير / هل الاقتصاد السوداني مثل الاقتصاد البرازيلي؟ بالتأكيد لا – لأن الاقتصاد البرازيلي اقتصاد راسخ وقديم ومتعدد ويتميز بديناميكية عالية منذ أكثر من قرن من الزمان وكانت ازمة القروض في الثمانينات والتسعينات هي ازمة طارئة على الاقتصاد البرازيلي فرضها ارتباطه بسياسات صندوق النقد الدولي، على عكس الاقتصاد السوداني الذي لا زال يتلمس خطواته الأولى كاقتصاد منظم لأنه وبرغم الموارد الكبيره التي حبانا الله بها إلا اننا لم نحسن استغلالها حتى الآن .
فطالما كان لكل بلد خصوصيته و خصوصية تجربته فيبقى من غير المنصف المقارنة بين اقتصاديات البرازيل و السودان و يبقى من غير المنطقي نقل نفس التجربة بالكربون .
نقطة اخيرة : هل فعلاً توقفت حلول أحزاب البعث والشيوعي والناصري عند نقطة التأميم والمصادرة ؟ أولاً القول بأن هذه الأحزاب تسيطر على القرار الاقتصادي لقوى الحرية والتغيير هو قول معيب تنقصه الدقة ويعتريه الغرض ، إذ ان قوى الحرية والتغيير هي تحالف واسع جداً فيه غالب المكونات التي تعبر عن الشعب السوداني و قواه الحية من أحزاب وكيانات وتجمعات مهنية و تكتلات مدنية ومنظمات وطنية و شخصيات وطنية، وقوى الحرية والتغيير نالت تفويض شعبي غير مسبوق واكتسبت شرعيتها من الجماهير التي قدمتها لقيادة البلاد في الفترة الإنتقالية و لتنفيذ برنامج الحرية والتغيير المتوافق عليه شعبياً .
ثانياً : قوى الحرية والتغيير لا تطرح التأميم و المصادرة كخيار إقتصادي بل تطرح استرداد واستعادة ما تمت مصادرته من ممتلكات الشعب السوداني ومراجعة عقود الاذعان التي رهن بها نظام الجبهة الاسلامية الرأسمالي المتوحش موارد البلاد لفئة قليلة من المنسوبين له و المحسوبين عليه وهذا قانون سمي قانون إزالة التمكين تم التوافق عليه و لقي قبولاً شعبياً كبيراً  – ان مصطلحات تأميم ومصادرة لم ترد في أي من وثائق قوى الحرية والتغيير ولا في لقاءات المتحدثين باسمها و زج هذه المصطلحات هنا يشوبه الغرض .
طرحت قوى الحرية والتغيير برامج متكاملة ابتداءاً من البرنامج الاسعافي والبديل الوطني و اكدت الثقه في الاقتصاد السوداني وفي قدرة الإنسان السوداني على قيادة النهضة الاقتصادية بدون الارتهان للمؤسسات الدولية وفي نفس الوقت لم ترفض التعاون مع هذه المؤسسات ولم تدعوا للانغلاق بل دعت للاستعانة والاستفادة بالاصدقاء وتجاربهم مع ضرورة التعامل باستقلالية كاملة في هذا الشأن وفي تقديري ليس في هذا ما يَعِيب .
تتحدث قوى الحرية والتغيير عن اهمية عودة الدولة لاداء وظيفتها الاجتماعية بتاهيل مرافق القطاع العام لحشد موارد النقد الاجنبي وترشيده والسيطرة عليه ودعم الانتاج الحقيقي لزيادة الانتاجية وتحقيق التوازن بين القطاعات، والتنمية المتوازنة جغرافيا واجتماعيا، وتوفير وتركيز السلع الاساسية والخدمات الضرورية..
و نتحدث في ذات الحين ووفقاً للتجربة ، عن الاثار المدمرة لوصفة الصندوق بتحرير الاسعار و تحرير العملة الوطنية ( تجاوز الاسعار للمستويات ، تآكل المدخرات ، زيادة التكلفة ، انكماش الاقتصاد الكلي ومعدل النمو ، زيادة حدة الفقر ، البطالة ، واستمرار تدهور القوة الشرائية….. بهدف تنمية القوي الطفيلية، زيادة الاستيراد والاستهلاك علي حساب الانتاج والتصدير..
أما بالنسبة لإصرارنا على قيام المؤتمر الاقتصادي فهو دليل حرص على إشراك كل قطاعات المجتمع في إتخاذ القرار بما يخص مستقبل البلاد و طريقها الاقتصادي وقيام المؤتمر وقراراته بلا شك سيكون أفضل من رهن مستقبل البلاد لرأي شخص واحد مهما كانت كفاءته و التي هي ليست محل تشكيك ، ومن يرفض قيام المؤتمر و إشراك الشعب وقواه الحية في اتخاذ القرار فهو بلا شك دكتاتور أو صاحب غرض .

*عضو اللجنة الاقتصادية لحزب البعث العربي الاشتراكي

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.