آخر الأخبار
The news is by your side.

محمد عبد القادر كرف: تولت سنين الصبا الوارفات ولم تبق إلا العجاف المسنة

محمد عبد القادر كرف: تولت سنين الصبا الوارفات ولم تبق إلا العجاف المسنة

بقلم: عبد الله علي إبراهيم

كانت ليلة أول أمس هي ليلة سهرت فيها مع الشاعر محمد عبد القادر كرف (1915-1989) المعلم المعهدي المريخابي القامة. فكنت أريد أن أحشي لقصيدة تاج السر الحسن “أسيا وأفريقيا” في الموضع الذي ذكر فيه معركة ديان بيان فو التي كسر فيها الوطنيون الفيتناميين بقيادة هوشي منه جيش المستعمرين الفرنسيين عام 1954. وأردت تحشية هذا الذكر بإيراد خبر قصيدة لكرف عن هوشي منه سمعتها من محمد المهدي المجذوب وابن عمي عبد الله الشيخ البشير. ولم أعد أذكر منها غير أن قافيتها هي “منه” من “هوشي منه”. وأوسعت النت طولاً وعرضاً بحثاً بلا نتيجة. ثم وجدت في المادة الشحيحة عن الشاعر متعة عزتني عن خيبتي الأساسية.

وأول ما لفت نظري قول في سيرته إنه من قرية “الكرفاب” بلد خؤولتي الإزيرقاب. ولم أسمع له ذكراً وسطهم ولا من صفيه عبد الله الشيخ البشير الذي هو من تلك الناحية.

وعرفت عن “شعراء الكتيبة” التي انتسب لها علماً فوق ما استفدته من الشاعر المجذوب وكان أول من كلمني عنهم. وهي جماعة شعراء أكثرها من تتلمذ على الشيخ الطيب السراج. وكانت تجتمع في مكتبة حسن بدري بأم رمان. ووصف أحدهم أشعارهم بالإخوانيات من هجاء ومراسلات على طريقة “العباسيين المتأخرين ويسود لغتهم الحوشي (الغريب)، والسخرية، وذم الزمان”. وزاد بأن جوهر شعرهم “الاكتئاب من روح العصر السياسي ومحاولة الهروب للخلوة والبرية”. واذكر هذه الصفة من أحاديثي مع المجذوب. فقال إن “شعراء الكتيبة”، وهكذا عرفوا، كانوا قد عادوا من حقل السياسة بخيبة فجنحوا إلى نهش بعضه البعض في الهجاء المليح.

مما جد علي من علم عن كرف أنه هو من كتب الأبيات المنقوشة على قبر عميد الفن الحاج سرور بأسمرا بأريتريا. وهذا ما جاء في قولهم عن معاوية حسن يسن في الجزء الأول من كتبه عن فن الغناء والموسيقي:

أصبحت أول ما صدحت مغردا

باسم الديار وكنت أبرع من شدا

ولك الروائع من أغانيك التي

مازال يسرى في النفوس لها صدى

يا باعث الفن الأصيل تحية

من شاطئ النيلين يغمرها الندى

تغشى ثراك وتستهل غمامة

تهمي وتسقى بالدموع المرقدا

وذكر الشاعر صديق مدثر تلمذته على يد كرف في لقاء له بالسودانيين في الرياض. وقال إنه كان يرعى ملكة الشعر فيمن توسم فيهم الملكة. واستغربت أن صديق لم يذكر رواية مشهورة عن كرف وأغنيته الذائعة “يا ضنين الوعد”. فالمروي عنها عن الكابلي أن كرف لقي الكابلي وأنبه قائلاً إنك يا كابلي وصديق تحدثان امراً في اللغة. فقال له ما تأخذه علينا. قال: تقولون يا “ضنين الوعد” وصحتها “يا ضنيناً بالوعد”. وخرجها على حد الفعل المتعدي وغير المتعدي. ولم يدخل التخريج رأسي.

أما ما علق مني عن كرف منذ سمعت قصيدته عن هوشي منه أنه وعر القوافي. وربما هذا لأنه لزّام ما لا يلزم فيها في دلالة تبحره في علم العربية. فرثاه عبد الله الطيب قائلاً:

سقت قبرك الغيمة المرجحنة

يا كرف الخير والموت سنة

واستعاد عبد الله الطيب هنا قولاً قديماً لكرف عنه التزم فيه بحرفي روي وهما النون والتاء المربوطة:

عطفت فلم ألو عنك الأعنة

وكم ليَ من حَنّة بعد حنة

تولت سنين الصبا الوارفات

ولم تبق إلا العجاف المسنة

فليتني في النصف (هل هي المنصفون؟) الرباب (أصحاب أو الجماعة من عشرة؟)

أغير وحولي الطبول المرنّة

فذرني والمقرفين الغواة

أولي الضغن والعتكات المصنّة

عسى الله يحسر من كيدهم

ويرمي أنوف العبدّى الأقنة

فهم مذ أصابوا الحياة

خساس النفوس ومذ هم أجنة

كان رحمه الله حجة في اللغة غريداً بها. أشجاني القدر القليل عنه في النت ليلاً بطوله.

كرف الخير

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.