آخر الأخبار
The news is by your side.

كيف يتخلق/يتشكل فكر وبرامج الاحزاب؟

كيف يتخلق/يتشكل فكر وبرامج الاحزاب؟

بقلم: د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال

لقد تعلمت من مسيرتى وخبرتى فى علم الادارة وخصوصا فى علوم الجودة،  التكاليف، الادارة المالية، لاستراتيجية والتسويق مبادئ مهمة ..ويستفاد منها فى كافة مناحى الحياة، ولقد كتبت مقالات عديدة ذلك.

ومعظمها يدور حول محورين:

= الاول: ماهى متطلبات العميل/الزبون/الناخب

Customer Requirements

= الثانى: ارضاء العميل ..وهى المهمة التى يعمل من اجلها الجميع حكومة/ شركات/منظمات ربحية وغير ربحية/احزاب …الخ
Customer Satisfaction

ارضاء العميل هدف اساسى واستراتيجى يعمل الجميع للوصول اليه بوسائل واليات منهجية وعلمية فى الغالب ..

ولنبدأ بالسؤال المهم ..عن البداية العملية لمعرفة احتياجات العمل ومن ثم العمل لتلبية تلك الاحتياجات وصولا الى رضاء العميل / الزبون/ الناخب ..فى مجتمع تشتد فيه المنافسة بشكل يكاد يكاد يكون كل ثانية، فى زمن تسيطر عليه ثورة التكنولوجيا والاتصالات..

واكبر فشل تواجهه الحكومات/ الاحزاب/ الشركات ..والمنظومات الربحية وغير الربحية ..هو عندما يقوم منهجها/اداؤها على الافتراضات
Assumptions

واحتكارية الفهم ..ومن ثم يكون الخطأ فى تقديم: سلعة/ خدمة/ برامج يرفضه الزبون/العميل/ الناخب واحيانا قد يسخر ويتندر منه ..ويرى البعض فى ان المشكلة ليس فى الخدمة / السلعة/ البرنامج وانما فى طريقة التسويق ..ويدور جدل ونقاش طويل وعقيم دون مراعاة لادارة الزمن

Time management

والزمن احد الموارد الهامة جدا بل يشكل العمود الفقرى للموارد كافة والعامل الحاسم فى المنافسة فى سوق السلع/ الخدمات/الانتخابات
Time is money

واهمال ادارة الزمن يعد من ابرز اسباب تخلف مجتمعنا السودانى..

* كيف نبدأ:

قبل مرحلة اختيار وتصميم السلعة/الخدمة/البرنامج، يجب اجراء بحوث التسويق وايضا استطلاع الاراء واعمال الكثير من الاليات العلمية والمنهجية لمعرفة ماذا يريد الناس وكيف ..

وبعد تحليل analysis علمى لتلك البيانات ..يمكننا ان نبدأ الاجابة او التنبوء بالزبون/ العميل/ العضو/ الناخب المحتمل

Identify your potential customers

وماذا يريد وكيف؟

ومن ثم نصمم السلعة/الخدمة / البرامج
الموجهة لارضاؤهم .

ونجرى عدة اختبارات علمية حتى لحظة الوصول الى التصميم الاولى الذى يرضى العميل/ الزبون/ الناخب..

وهنا اريد ان اركز على نقطة جوهرية تناولها رواد علم الجودة واكدوا فيها بان الجودة ابدا لا تعنى التفتيش Inspection والتدقيق ما بعد مرحلة انتاج السلعة / الخدمة/ البرامج .. بل تبدأ من مرحلة البحث عن احتياجات العميل ومن ثم التصميم بجودة يرتضيها العميل ويقدرها
Built-In Quality

وبتطبيق ذلك على الاحزاب نرى ان الفكر الحزبي ومن ثم الرؤية والبرنامج الانتخابي يجب ان يشمل جميع اصحاب المصلحة وليس فقط عضوية الحزب ..
فان الناخب هو الذى يحدد البرنامج الذى يحكم البلاد والياته ويختار ما بين تلك البرامج ..

نعم ولزمن طويل ظل شعبنا يهتم بالرموز ويدلى باصواته الى الرموز والقيادات بغض النظر عن تمحيص رؤيتها وبرنامجها وذلك لعدة اسباب لا اريد ان اتطرق اليها فى ذلك المقال لانها تحتاج مدادا كثيرا سوف استعرضه لاحقا..
لقد ظللنا وقتا طويلا يذهب فيه “الصوت الانتخابي” فى بلادنا الى القبيلة والرمز والقيادات المقدسة والثورية…الخ !!

ولكن هنالك مستجدات جديدة ابرزها ثورة التكنولوجيا والاتصالات وتأثيرها الكبير على الشباب ..وايضا الضائقة الاقتصادية والكوارث ..والصراع على الموارد ..
كل اعلاها الى وحقائق اخرى عديدة، احدث تغييرا عظيما فى متطلبات الناس
Customer Requirements

وحتى فى وسائلهم وانماطهم ..وعاداتهم ..على سبيل المثال لا الحصر لم يعد الكثيرين “يقرأون” واصبح الزمن ” محدودا” وانتشرت وسائل التواصل /التفاعل الاجتماعى.. وانا الان اكتب لكم من قرية متاخمة لحدود اذربيجان مع جورجيا واتابع عن كثب مكاتب قيادات الاحزاب والحكومة فى السودان!!
وحتى انماط واوقات الطعام تغيرت وسادت انماط ال
Take Away
على الماشى ..
وقد اشتكى لى صديق بانه لا يجد الوقت لقراءة القران رغم محبته لذلك!

وتناقص بشكل واضح الولاء للقيادات والرموز والاحزاب ..وفى بريطانيا على سبيل المثال يظل الناس على ديدنهم فى تشجيع فرق كرة القدم ..ولكن يختلف الامر فى الولاء للاحزاب ..فالناخب البريطانى يمنح صوته للحزب/البرامج الذى يرى فيه مصلحته، وقد لا يمنح نفس الحزب صوته فى الانتخابات المحلية/البلدية او الانتخابات العامة التى تليها..
ان الاقتصاد ..وحاجات الناس الاساسية من مسكن ومعيشة وامن وصحة وتعليم وماء نقى …الخ اصبحت المحرك الاساسى لهم ..وفى راى انها سوف تصبح فى السنوات القادمة هى الحكم والفيصل فى المنافسة الانتخابية فى بلادنا..
بجدية وعلمية ومنهجية الاحزاب فى برامجها التى يقتنع بها الناس ..
وهنا ارجع لمقولة ظللت ارددها كثيرا وهى ان ” السياسة فن ادارة الميزانية” عبر مختصين/خبراء فى كافة المجالات والحقول ..وبالواضح: من اين نأتى بالموارد وكيفية وقنوات الانفاق؟

لم يعد المواطن يعبأ بفكر ومقولات المودودى، سيد قطب، كارل ماركس، ميشيل عفلق، عبدالناصر، الشريف حسين الهندى، الازهرى، محمد جلال هاشم …وغيرها من الكتابات التى تدور حول قضايا يراها الناس لا تنعكس مباشرة على معاشهم وعلى الكهرباء والوقود ومياه شرب للانسان والحيوان ..

لا تقول لهم: ان الاسلام هو الحل ..او الشيوعية هى الحل ..او مأثورات عن الاشتراكية والعدالة الاجتماعية!!

يريدون ان يعرفوا على سبيل المثال لا الحصر ماهى رؤية احزابنا لكيفية السلام وكيفية التعامل مع المليشيات المسلحة، وقضايا مياه الشرب، ومرض جرب الحيوانات والانسان، ومياه السيول والفيضانات التى تهدم المساكن ..والتقاوى، والملاريا والتعليم والخبز ..الخ من قضايا يومية تشغل الناس حسب متطلباتهم وجغرافيتهم
فمثلا سكان العاصمة يشتكون من صفوف الخبز والغاز والوقود وانقطاع التيار الكهربائي ..بينما سكان مناطق فى شرق السكان يشتكون من انتشار مرض الجرب بين الانسان والحيوان..وسكان منطقة فى الشمال يشتكون من لسعات العقارب وعدم وجود ترياق لها فى الشفخانة!! واخرين فى الغرب يشتكون من انعدام مياه الشرب الصالحة للانسان والحيوان ..

فهل سوف نرى مؤسسات حزبية سودانية ينبع فكرها ومن ثم رسالتها وبرامجها للتوجه لحل تلك القضايا ومن ثم الانطلاق الى افاق ارحب ..
والاحزاب فى اصلها معارضة ( حكومة ظل) او حاكمة . يكون لها برنامج تفصيلى ومن ثم خارطة طريق لتطبيقه ..ولا تتعامل فقط بردود الافعال ..او “رزق اليوم باليوم” ..وترديد مقولات زعماؤها الموتى والأحياء منهم ..

لقد ان الاوان لتشكيل / خلق مؤسسات حزبية متكاملة فكرا وتنظيما وتمويلا وتتجه بوضوح رؤية الى تلبية احتياجات الناخبين ..

فان احزابنا معظمها تقوم على “الوصاية” وادعاء معرفة
” الحقيقة” وبالتالى تصمم فكرها وبرامجها من هذا المنطلق ..

لانها “اعلم” من الناخب بمصلحته ..ومن ثم يكون تواصلها مع الناخب احادى ..وتنزل اليه برامجها وفكرها وتسهب فى الشرح و ” الاقناع” بانه “الافضل” للوطن والمواطن وبان فيه الحل الناجع لكل المعضلات الوطنية!!!؟؟

وفى رؤيتى ان فكر ورؤى الاحزاب لا بد ان تتشكل / تتخلق عبر تواصل دائم مع الناخب / العضو المحتمل للحزب وكافة الذين يتعلق بهم الامر
Stakeholders

عبر تغذية مستمرة على كافة المستويات الافقية والرأسية

Continuous Feedback

وبالتالى يتخذ فكر وبرامج المؤسسات الحزبية المرونة الكافية للمتغيرات ويكون فى حركة “ديناميك” متواصلة تهدف الى مواكبة المتغيرات فى متطلبات العميل/ الناخب ..

وان الفكر والبرامج عملية Process متواصلة لا يتوقف ابدا تجويدها ومواكبتها لمتطلبات الحداثة والتجديد
( Continual improvement process )

وان من اسباب تدهور احوال البلاد والعباد فى السودان عدم مواكبة العلم والحداثة والتوقع فى اطر جامدة …وبالتالى لا يوجد اى نظم System تقودها مؤسسات، وهذا هو السبب الرئيسي فى تخلفنا عن العالم والحداثة ..رغم اننا بلد يفيض بالموارد الطبيعية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.