آخر الأخبار
The news is by your side.

فيما إذا هلك، من هو المرشح لخلافة أفورقي؟

فيما إذا هلك، من هو المرشح لخلافة أفورقي؟

 بقلم: حامد سلمان

طبيعة الدولة البوليسية أو دولة العصابة التي أرساها أفورقي خلال ما يقرب من ثلاثين عاما من حكم إرتريا تتجسد اليوم بأوضح صورها في الإرتباك وعدم اليقين وانتشار الأخبار المتضاربة حول موته، كما تتجسد في المعضلة الكبرى التي ستواجه البلاد حول خلافته على رئاسة الدولة بعد وفاته إن حدثت. وهي الحتمية الوحيدة أكيدة الحدوث إن عاجلا أو آجلا.

هذا التحليل هو عبارة عن فرضيات لما يمكن أن يحدث بشأن خلافة أفورقي لو مات خلال العام الحالي 2020م، بمعنى لو صح خبر وفاته المتداول هذه الأيام. حيث أن موته بعد سنتين أو ثلاث تختلف عن موته خلال هذا العام، ومرد هذا الإختلاف هو أن أفورقي لم يقطع شوطا كبيرا في تمكين ابنه أبرهام من كل الملفات المتعلقة بإدارة الدولة من بعده لأسباب كثيرة أهمها غروره المفرط وعدم تقبله لفكرة احتمالات الموت المفاجئ بالإضافة إلى حقيقة خوفه من ردات الفعل بين جنرالاته في حالة تجاوزهم وأقدم على خطوة متسرعة تضع ابنه في خانة الوريث لرئاسة الدولة كإعلانه نائبا للرئيس أو رئيس الحكومات المحلية، لو عاش أفورقي فترة أطول، سنتين أو ثلاث مثلا، فإنه سوف يقوم بترتيب كل الأوضاع لصالح ابنه بتمكينه من كل ملفات إدارة الدولة على ذات النمط الذي أدارها به هو نفسه خلال العقود التي قضاها في السلطة

لكن إذا مات أفورقي في الفترة القليلة القادمة فإن حظوظ ابنه ابرهام بخلافته تكاد تكون صفرا كبيرا، ولا يمكنه أن يحلم بوضعه على الكرسي بالبراشوت. لأسباب كثيرة يصعب حصرها في هذه العجالة.

وبحكم طبيعة الدولة البوليسية أو دولة العصابة التي أرساها أفورقي خلال فترة حكمه فإنه سيترك البلاد على قارعة الطريق، بلا مؤسسات يمكن أن تنتقل بالبلاد إلى مرحلة ما بعد أفورقي، لو كان هناك برلمان مثلا، كان بإمكانه تحمل مسؤولية ترتيبات مرحلة الإنتقال حتى تتمكن البلاد من الوقوف على قدميها وصولا إلى انتخاب أو تكليف حكومة تخرج البلاد من عنق الزجاجة إلى حالة من الإستقرار والإطمئنان النسبي وتكون على الأقل مقبولة لدى الشعب ولديها قدر معقول من المسؤولية الوطنية، وبغياب مؤسسات كهذه في إرتريا في هذه المرحلة، نجد أن لدينا شخصيتين تتسم كل منها بنوع ما من أنواع الشرعية “الدستورية” لخلافة أفورقي على رئاسة الدولة، وبالمقابل لدينا جهتان تمثلان مراكز النفوذ والقوة لفرض إحدى الشخصيتين أو تجاهلهما بالكامل وفرض الأمر الواقع بالإنقلاب على كل الترتيبات الحالية.

الشخصية الأولى المرشحة لخلافة أفورقي من الناحية الشرعية البحتة هو الأمين العام لحزب الجبهة الشعبية ” الحزب الحاكم” وهو في هذه الحالة السيد الأمين محمد سعيد، فإذا اعتبرنا أن الحزب الحاكم في إرتريا هو الجبهة الشعبية فإن منصب رئيس اللجنة التنفيذية للحزب الحاكم هو من يشغل رئيس الدولة وقد ظل أسياس أفورقي يحكم إرتريا على هذا الأساس، أي باعتباره رئيسا للحزب الحاكم، وفي حالة شغور منصب رئيس اللجنة التنفيذية للحزب الحاكم يكون الشخص الثاني في الحزب” الأمين العام” هو رئيس اللجنة التنفيذية وبالتالي يكون هو رئيس الدولة.

الشخصية الثانية وفي الواقع الأكثر ترجيحا لخلافة أفورقي هو رئيس الحكومات المحلية السيد ولديميكائيل أبرها، ومعروف أن منصب رئيس الحكومات المحلية في إرتريا يترتب عليه تسيير شؤون الدولة في حالة غياب الرئيس لأي سبب، بمعنى أن السيد ولديميكائيل أبرها هو في حكم نائب الرئيس وبالتالي يرجح أن يتم إعلانه رئيسا للبلاد في حالة شغور المنصب بوفاة أفورقي.

أما مراكز النفوذ والقوة التي ستكون لها الكلمة الأخيرة والقول الفصل في ترجيح هذا الخيار أو ذاك فهي:

1- جهاز الأمن الوطني الذي يترأسه السيد أبرها كاسا
2- قوات الدفاع الإرترية التي يمثلها وزير الدفاع المكلف الجنرال فليبوس ولديوهانس.

ما يسمى بجهاز الأمن الوطني في إرتريا بمختلف فروعه السرية والعلنية وفي مختلف المراحل كان هو اليد اليمنى لإسياس أفورقي حتى قبل التحرير، كان كل شيئ تقريبا في إرتريا يتم التحكم فيه من خلال هذا الجهاز وقد تمكن أفورقي من إحكام قبضته على كل مفاصل الدولة الإرترية من خلال هذا الجهاز، ومعروف أن الميزانية المخصصة لهذا الجهاز هي ميزانية هائلة، فما يصرفه هذا الجهاز أكبر بكثير مما يصرف في ست وزارات إرترية مجتمعة بما في ذلك وزارة الدفاع، ومعلوم بأن الجيش الإرتري يعيش حالة أقرب إلى المجاعة في حين أن ميزانية الدولة كلها مسخرة للتجسس وتنفيذ العمليات القذرة داخل إرتريا وخارجها. ويمكن القول بأن اليد العليا لفرض أي شيئ أو خيار في مرحلة ما بعد إسياس هي في يد هذا الجهاز. ولكن المشكلة الكبرى والخوف الأكبر من سطوة وانتصار هذا الجهاز يكمن في حقيقة أن الكادر الأمني القيادي لهذا الجهاز مؤسس على عقيدة التعصب القومي، وهو الحاضنة التي فرخت العناصر القيادية لحركة أجازيان العنصرية القومية، وتعتبر بعض قيادات هذا الجهاز هي المحرك الرئيسي بل هي القيادات السرية لحركة الأجازيان التي تعمل على شرعنة قتل وإبادة أو تهجير كل مجموعات السكان الأصليين لإرتريا لإفساح المجال أمام إعلان إرتريا دولة قومية خالصة لقومية التجراي.

وتأتي وزارة الدفاع وقائدها الجنرال فليبوس في المرحلة الثانية من حيث امتلاك أدوات السيطرة والقوة لفرض أي خيارات في مرحلة ما بعد أفورقي.

نحن إذا أمام خيارات مفتوحة في إرتريا ما بعد أفورقي، ولا يمكن الجزم بأن أيا منها سيكون هو الإحتمال الأرجح.

يمكن لأي خيار أن يكون مقبولا إذا تم التوصل إليه نتيجة لمناقشات ومشاورات بين مختلف الأطراف المعنية في اللحظة التأريخية الحاسمة يمكن أن تفضي إلى توافق على صيغة معقولة تضمن الإنتقال السلس للسلطة كما تضمن البناء والتطوير لما يتم التوافق حوله للخروج بإرتريا من فوهة النيران التي تركها فيها أفورقي إلى بر الأمان.

الإحتمالات الأكثر ترجيحا في حالة هلاك أفورقي يمكن أن تكون على النحو التالي:

– أن تفشل مراكز النفوذ المذكورة أعلاه (جهاز الأمن الوطني و وزارة الدفاع) في التوافق على صيغة أو توليفة ما لتسيير المرحلة الإنتقالية بعد أفورقي أو حاولت إحداهما فرض أجنداتها على الطرف الآخر، مما يعني أن النزاع بين الجهتين سيتحول إلى صراع دموي بين قوتين تملكان ما يكفي من قوة النيران لتحويل إرتريا إلى كومة بركان.
– أن تفشل مراكز القوة والنفوذ المذكورة على التوافق حول مرشح لخلافة أفورقي من الشخصيات التي تملك الشرعية لخلافته ( الأمين محمد سعيد أو ولديميكائيل أبرها)
– أن تحاول إحدى مراكز النفوذ تنفيذ ( انقلاب عسكري) من خلال فرض مرشح من جانبها من خارج القائمة المرجحة قانونيا لخلافة أفورقي، كأن يقوم وزير الدفاع، مثلا، بإعلان نفسه من طرف واحد رئيسا للبلاد أو أن يقوم وزير الدفاع بإعلان تنصيب شخصية مدنية من بين القيادات التأريخية للجبهة الشعبية (مثلا: رمضان محمد نور) سعيا وراء التأييد الشعبي من شريحة كبيرة من المجتمع يمكن أن ترى بارقة أمل في خطوة كهذه، أو أن يحاول جهاز الأمن فرض شخصية من بين قياداته لخلافة أفورقي أو أن يحاول تنصيب شخصية من القيادات التأريخية للتنظيم لحسابات معينة.

من الحقائق التي لا يمكن أن يتجادل حولها عاقلان أن الجبهة الشعبية تحولت منذ عشرات السنين من تنظيم سياسي وعسكري قوي إلى مجرد أوراق في حقيبة بالية تحوم في يد السيد حقوص كشة يفتحها ويغلقها بأوامر مباشرة من أفورقي وجهاز أمنه. بمعنى آخر أنه لا وجود لما يسمى بتنظيم الجبهة الشعبية وفق الأسس التنظيمية المعروفة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن آخر مؤتمر تنظيمي عقده هذا التنظيم ” الراحل” كان عام 1994م (قبل ربع قرن) ولم يتبق من هذا التنظيم إلا بعض من ذكريات أليمة وهيكل عظمي لتنظيم كان يوما ولكنه انتهى نهاية محزنة، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن استخدام الهيكل العظمي لهذا التنظيم لتحقيق أهداف سياسية معينة وتسجيل نقاط أو كسب موقف معين.
وعلى هذا فإن السيد الأمين محمد سعيد يستحق أن يتم إعلانه وتنصيبه رئيسا لدولة إرتريا خلفا لأسياس أفورقي.

الدولة الإرترية هي الأخرى ينطبق عليها ما ينطبق على التنظيم الذي يحكمها، هيكل عظمي لدولة مستقلة، وكلاهما ( الدولة والتنظيم الحاكم) هما من تركة أفورقي ويوم الإمتحان يكرم المرء أو يهان.

الجهتان اللتان كان يفترض أن يكون لهما الحضور الطاغي والتأثير الحاسم في مشهد الترتيبات لمرحلة ما بعد أفورقي هما بلا منازع: الشعب الإرتري المناضل و المعارضة الإرترية “الباسلة”، لكنهما بكل أسف يتغيبان عن مشهد الترتيبات للمرحلة المقبلة لأسباب كثيرة لا فائدة من تفصيلها في هذا الوقت الضائع، غير أن الحقيقة المؤكدة هي أن دورهما لا يمكن التعويض عنه أو استبداله بأي حال من الأحوال وحتما سيلحقان بالركب في الوقت المناسب بل وسيقودان المسيرة إلى محطتها الأخيرة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.