آخر الأخبار
The news is by your side.

الفرز الاجتماعي في مرحلة التحرر الوطني … بقلم: جورج حدادين

الفرز الاجتماعي في مرحلة التحرر الوطني … بقلم: جورج حدادين

في مرحلة التحرر الوطني، التحرر من الاحتلال أو الاستعمار المباشر أو غير المباشر، أو كسر

التبعية للمركز الرأسمالي العالمي المهيمن، تتمايز القوى الاجتماعية فيما بينها بناء على

مصالحها وأيدولوجية وجذرية في هذا الصراع، ومدى قدرتها على الاستمرار في الصراع مع

المركز حتى النهاية، وهذا التمايز يستند إلى الاستعداد والقدرة على السير في طريق التحرر

الوطني والتحرر الاجتماعي حتى الإنجاز النهائي للمهمات المطروحة على جدول أعمال النضال:

تحديد العناصر المحددة لعملية الفرز.

• سمة المرحلة ومهماتها والقدرة على حمل مشروع المرحلة، وليس الرغبة الثورية أو

الاصلاحية.

• أهمية الوعي الإيديولوجي، كعنصر فاعل في تفجير الطاقات الشعبية، التي هي شرط

الرئيس لإنجاز مهمات المرحلة.

ففي دول المركز، الدول الرأسمالية، تقوم الأحزاب ممثلة مصالح الطبقات والشرائح الاجتماعية

بمهمة الدفاع عن مصالح الطبقة أو الشريحة التي تمثلها حصرا، حيث الطبقات والشرائح

الاجتماعية متمايزة ومصالحها متبلورة ( الطبقة تتألف من شرائح متمايزة المصالح فيما بينها)،

في حين أن القوى الاجتماعية في الدول التابعة، دول المحيط، تمثل مصالح الوطن والمجتمع و/

أو الأمة، ومهمتها تحديدا، تنحصر في هذه المرحلة بالذات، في انجاز مهمات مرحلة التحرر

الوطني، المرتبطة بمهمات التحرر الاجتماعي، والتي تتمثل في تحرير الإرادة السياسية، تحرير

المقدرات الوطنية والثروات الطبيعية، بناء الاقتصاد الوطني المنتج، تحقيق الاستقلال الوطني

الناجز، تحقيق وحدة الأمة، والقضاء على التخلف والفقر والمرض والجهل، والقضاء على

الاستغلال والظلم الاجتماعي الداخلي كشرط لبناء الوحدة الوطنية وتحصينها.

في مجرى الصراع مع قوى الهيمنة والاستعباد والاستعمار والتبعية، ونتيجة لشراسة هذا

الصراع وتعقده، تتمايز تدريجيا مواقف ومنطلقات تلك القوى، بالرغم من كونها جميعا قد انطلقت

في بدء المسيرة من الأهداف الوطنية المشتركة، والمتمثلة بإنجاز مهمات التحرر والاستقلال،

فطرف من هذه القوى ونتيجة المصالح الانانية الضيقة، والنفس القصير، يتوقف عن الصراع في

محطة معينة، ويبدأ بتبرير موقفه هذا “بالعقلانية” والموضوعية” و”اختلال موازين القوى”، وأن

الناس “لا تستطيع أن تتحمل أكثر”، وأن الوقت قد حان “لتجربة وسائل جديده”… الخ، ومنها، أي

من هذه القوى، من يتواءم مع شروط العدو الداخلي والخارجي، تحت شعار خذ وطالب، أو تحت

حجة التحالف مع الشيطان للحصول على “الحقوق” وألمثلة على الصعيد العربي لا تعد ولا

تحصى.

وتبقى قوى من هذا الطيف الواسع، تؤمن بالطاقة الكامنة في الشعب ، وتؤمن بالحقوق

الوطنية المقدسة، وتؤمن بأن موازين القوى الراهن ليس بدائم، وتؤمن بأن قوى الهيمنة

والاستعمار لا تستطيع ان تغتصب التاريخ بالقوة، ألاّ لفترة محدودة، ولا تستطيع ان تتعالى على

فعل التاريخ الى ما لا نهاية، ولا تستطيع فرض قوانين الفوضى داخل السوق والمجتمعات لفترة

طويلة، بدون أن تخلق ازماتها المتدرجة نحو نفيها الفزيولوجي النهائي.

ففي المحصلة، تأخذ عملية التمايز والفرز بين القوى الاجتماعية المختلفة، وممثليها المعلنين أو

المستترين، مجراها الطبيعي والحتمي، ويبدأ التمايز والانفصال داخل صفوف حركة التحرر

الواحدة، بين قوى ثورية وقوى اصلاحية، وتحديدا في الدول التابعة، على قاعدة العوامل

المحدّدة التالية:

• الموقف من التحرر الاجتماعي أي الموقف من “علاقات الإنتاج” داخل المجتمع، وهي منظومة

تشمل شكل ملكية وسائل الانتاج،وعلاقات الانتاج الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، تنتج علاقات

صراعية تناحرية داخل المجتمع، تتمحور حول كيفية توزيع الثروة المنتجة في المجتمع، بين من

يملك وسائل الانتاج والسلطة ولا ينتج، وبين من يبيع قوة عمله وينتج، ولكنه لا يملك.

بينما تنتج الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، علاقات انسانية متمحورة حول الإنسان

واحتياجاته المادية والروحية، حيث يخدم النشاط الاجتماعي الذي ينتج الثروة الوطنية، حصرا

احتياجات الانسان وبيئته، وعليه فأن الذي يميز قوى التغيير الحقيقية( الثورية ) ، عن القوى

الإصلاحية، مدى العمل الجاد المبذول من أجل تغيير علاقات الانتاج ( وليس تغيير علاقات توزيع

الانتاج)، وتحديدا شكل ملكية وسائل الانتاج، وتحويلها الى ملكية اجتماعية، منتجة لثروة وطنية

يعاد انتاجها في خطط تنموية وطنية حقيقية،

• الموقف من علاقة التبعية لمراكز رأس المال العالمية، كونه العامل المحدد للتطور اللاحق

للمجتمعات والدول التابعة، وشرطية كسر التبعية، هي المقدمة الحقيقية والمدخل الوحيد

لتحقيق الاستقلال الناجز.

• الموقف من قوى التبعية المحلية، تعتمد قوى المركز في انفاذ مصالحها واهدافها وغاياتها

على تكريس سلطة شريحة صغيرة (طغمة مالية وبيروقراطية مدنية وعسكرية، كمبرادور

“سماسرة”، كبار ملاك الاراضي، وكبار التجار) على كافة شرائح الشعب الأخرى، وفرض هيمنة

على ثروات ومقدرات الوطن في الدول التابعة لصالح الشركات العملاقة متعدية القوميات.

• الموقف من قوانين التطور والصراع، حددت الدراسات العلمية، وتحديدا علم الاجتماع، قوانين

تطور المجتمعات، حيث اكتشفت بأن التطور لا يتم بطريقة عشوائية وفوضوية، بل يخضع لقوانين

علمية، على غرار القوانين التي اكتشفت في العلوم الطبيعية: الكيمياء والفيزياء والاحياء والكون

والفضاء الخ. وليس صدفة أن اكتشاف القوانين الاجتماعية جاء لاحقا لاكتشاف قوانين العلوم

الطبيعية، بعد مرحلة التنوير، وسيادة قدرة العقل على تطويع الطبيعة لصالح البشرية. العنصر

المحدد لطبيعة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية هو وسيلة الإنتاج، والتمايز والفرز الطبقي بين

صفوف الشعب تتحدد بدرجة تطور وسائل الإنتاج، والصراع داخل المجتمع ومع الخارج يتم على

ارضية السيطرة على الثروات والموارد الطبيعية، والثروة المنتجة، وطريقة توزيع هذه الثروة.

الصراع حول هذه القضايا، يخلق مستويات مختلفة من التناقضات، وأطراف متعددة للصراع،

فهناك التناقض التناحري، الذي يفرض نفي طرفا للطرف الآخر، في قضايا الاستعمار والتبعية

تخضع لقانون الصراع التناحري، في حين أن التناقض بين أطراف حركات التحرر الوطني

والقومي والعالمي، هي تناقضات ثانوية تحل بالحوار والطرق السلمية. في الخلط بين هذه

التناقضات تقود في النتيجة الى دمار في مسار التحرر، وتقود بعض قوى التحرر إلى الارتماء

في أحضان معسكر العدو. الاصطفاف الواضح في هذا الصراع هو بين معسكرين بينين، معسكر

الاعداء: مراكز رأس المال العالمي و قوى التبعية والحركة الصهيونية، ومعسكر التحرر

(الأصدقاء) الذي يتشكل من: كافة قوى التحرر الوطني والقومي والعالمي.

• الموقف من الأيديولوجيا: الأيديولوجية، جزء من الوعي الاجتماعي، تتحدد بظروف حياة

المجتمع، وهي نسق من الآراء والأفكار والنظريات السياسية والحقوقية والدينية والاخلاقية

والجمالية والفلسفية. الإيديولوجيا هي القوة القادرة على حشد الجماهير وشحنها، والايدولوجيا

النهضوية التقدمية هي شرطا لتفجير الطاقات الشعبية الهائلة المختزنة، وتوظيفها في إنجاز

مهمة التحرر والاستقلال، وإحداث التنمية الحقيقية.

• الموقف من الإبداع والابتكار: من اشد الأمور تعقيدا، في مراحل الصراع حول التحرر

والاستقلال، هي في استنباط وابداع وسائل وأساليب نضال ملائمة لكل مرحلة، و

خاصة في مراحل تختل فيها موازين القوى تماما لصالح معسكر الاعداء، سواء كان على الصعيد

المحلي أو على الصعيد العالمي. أن مقتل حركات التحرر يكمن في الركون الى ردات الفعل،

وليس الاستباق بالفعل، ورفع شعارات وإعلان مواقف دون انتاج آليات، وهيمنة الكسل الفكري

وحجز الابداع، وحجز مقاعد قيادية أبدية لصالح ما يسمى بالقيادة التاريخية الملهمة، التي تنتج

عقما، لا يسمح بولادة قيادات شابة تضطلع بمهمة التجديد. يمكن تلخيص بعض مظاهر الخلل

لدى هذه القوى بما يلي:

أولا- في تخليها عن المبادرة، في استنباط الوسائل والأساليب الملائمة لكل مرحلة من مراحل

النضال، واتباع نهج ردات الفعل على فعل معسكر الأعداء، التي تكون عادة محسوبة ومتوقعة

من قبله، خاصة وأن عملية تدجين قد حصلت لبعض قوى التحرر، مرت ضمن مسار معد ومرسوم

مسبقا.

ثانيا- خلل في العلاقة مع جماهيرها، حيث تصبح النظرة الاستعمالية في العلاقة مع الجماهير

مقتلا، تتطور جدليا الى علاقة تواطئ بين الطرفين، حيث تصبح نظرة الجماهير الى هذه القوى،

أنها قوى خدمية، وليس قوى تمثل أهدافها وطموحاتها ومصالحها، لفتح الطريق أمام التطور

والتقدم والرقي والغد الأفضل، تماما كما هو واقع الحال حيال نظرة جماهير شعبنا الى المجلس

النيابي كمؤسسة خدمية، وليس مؤسسة تمثل طموحه وغاياته واهدافه. وهذه المعادلة في

العلاقة تقود أيضا الى عزلتها، أي القوى، عن العناصر الشابة في المجتمع، مما يؤدي الى

شيخوخة هذه القوى وفنائها.

ثالثا- سذاجة في ادارة الصراع، فبينما يمتلك معسكر الاعداء قوى مادية وعسكرية طاغية،

اضافة الى جرعة عالية من عدم الأخلاق والإنسانية، وقدرة فائقة على تزييف الوعي الفردي

والجمعي للمجتمعات، نتيجة امتلاكة ماكنة اعلامية هائلة، قادرة على صناعة رأي عام حول

موضوعاته الباطلة، في الصراع ضد هكذا عدو يتطلب من قوى التحرر، قدرة فائقة من الذكاء،

وايمان لا يتزعزع بالاهداف والغايات والطموح، وثقافة تاريخية عميقة.

” كلكم للوطن والوطن لكم”

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.