آخر الأخبار
The news is by your side.

العلمانية والقطيع 1 ــ 2

العلمانية والقطيع 1 ــ 2

بقلم: عثمان شبونة

* بعد أن جربنا حكمهم لثلاث عقود استماتوا فيها لتشويه صورة (الإسلام ــ المسلمين) وتفوقوا على القدامى والجدد في التلاعب بالدين والدوس على قيمه؛ هاهي حلقتهم تدور مرة أخرى للتجارة به؛ واستدرار عاطفة الحمقى والجهلاء باسمه.. أعني خراف الإسلامويين وتيوس الوهابية وبعض المغيبين الذين ظلوا ينوحون في اليومين الماضيين عبر وسائل التواصل خوفاً على الدين من العلمانية! جاء ذلك عقب اتفاق المبادئ المعلن بين رئيس وزراء السودان عبدالله حمدوك ورئيس الحركة الشعبية شمال عبدالعزيز الحلو؛ في إطار جهود إحلال السلام بالبلاد.. وقد وردت فقرة في الإتفاق تقول: (لكي يصبح السودان دولة ديمقراطية تكرس حقوق جميع المواطنين يجب أن يقوم الدستور على مبدأ فصل الدين عن الدولة.. الخ).

* لعلني معني بالعبارة الأخيرة فقط؛ ولذلك لا أهتم بما قبلها أو ما بعدها بخصوص الإتفاق؛ والذي يظل محل شد وجذب طبيعي بين مكونات البلاد.. فعبارة (فصل الدين عن الدولة) والتي تختصر في (العلمانية) هي المربط الداعي للتناطح ــ كيفما ما اتفق ــ بين الناس.. والعلمانية عندي تعني نظام وليس فوضى حسب قراءتي لها ولمشاربها المتعددة بكل ما تحمل من مرونة.. أي هي ليست إثم محض كما (ينبح) الغوغاء وأتباع التيار الإسلاموي والسلفي المتشدد.. ولا عجب إذا قلنا أن معظم هؤلاء مبرمجون على إتجاه الرفض ما بين كلمتي (فصل ــ والدين)! فما الذي سيحدث إذا انفصل الدين عن الدولة وليس المجتمع؟! لعل هذا السؤال يحتاج إلى بعض الرتوش.. لكن بافتراض الأسوأ: ما الذي ينقص الفرد منا إذا انفصل الجميع عن الدين وبقى وحده مثل حرف الألف؟! أيضيره توجه الآخر إذا كان هذا الآخر لا يجبره على فصل الدين عن ذاته أو مشاعره؟!

* إن دين الإسلام على وجه الخصوص ثابت؛ ليس طلاء تسهل إزاحته بأي عامل بشري.. مع ذلك يظل كل موهوم (مخموم) يشغِّل في جمجته ماكينة (حامي الدين) ثم يستسهل الصراخ بلا هدى في أيام حكومة الأزمات هذه؛ تارة باسم حماية الشريعة وأخرى باسم مناهضة العلمانية وأحياناً بلا سبب!!

(٢ — ٢)

* كثيرون يختزلون العلمانية كشرٍ مطلق على الدين؛ ومن هؤلاء بعض الذين نسميهم سلفيين؛ ولا نصيب لهم من مكارم وأخلاق السلف الحقيقيين سوى الإدعاء! تجدهم غرقى في خير الدول العلمانية بمختلف مشاربها؛ ينهلون من ميزاتها العلمية ويستخدمون كل مسخراتها الصناعية ويتمتعون برفاهيتها ونعيمها ثم يشتمونها بمنتهى (الإنفصام)! فلا هم صاروا قدوة بأي منجز علمي؛ أدبي؛ أخلاقي؛ ولا اعتلوا ركب التقدم في ما يخدم حياة الإنسان بالدين أو بغيره! بل منهم خلق لا يمثل إزهاق الأرواح كبيرة لديهم؛ لكنهم يصطفون للعدوان ويتحسسون محفوظاتهم و(سكاكينهم) كلما سمعوا عبارة (فصل الدين عن الدولة)! والسؤال الحاضر في دولتنا السودانية التي خرجت للتو من السيطرة المطلقة للحاكمين باسم الدين: متى كان للدين شأن بين الإسلامويين في سنوات اختطافهم للدولة السودانية؛ بخلاف توظيفه (للإجرام)؟! يفعلون ذلك غصباً عن سماحة الإسلام..! ألم يكن الدين مفصولاً تماماً عن نفوسهم فعلاً وقولاً؟! ناهيك عن دولتهم! فلماذا لم نشاهد الحملات التي تبتغي (وجه الله) لرد هؤلاء إلى الحق؛ كما نشاهدها اليوم ضد حكومة الأمر الواقع الراهنة؟!

* الحكومة الإنتقالية بكل ثقوبها وشخصياتها المرفوضة والإجرامية التي نطمح في رؤيتها (مكلبشة)؛ لو أنها استطاعت تحقيق السلام وحقن الدماء وحفظ الأمان للناس بالعلمانية أو بدونها؛ فإن ذلك يعد من محمودات المرحلة.. هذه الحكومة رغم قناطير فشلها ونكباتها إلّا انها علّمت بعض الجبناء شجاعة الجهر؛ بالحق أو بالباطل.. وقد كان الجهر بالحق في زمن عصابة المنافق عمر البشير عصياً بالنسبة للسلفيين وأمثالهم من القطعان المدعية للفضيلة.. كانوا أهش من الرماد في مواجهة ذلك الباطل الذي انتهي بالثورة.. لكنهم ــ عقب الثورة ــ يطلون بفِرية حماية بيضة الدين كلما حانت الفرصة.. وأي فرصة أفضل لفراغاتهم من الخوض في العلمانية وتجريمها وهم الذين لا يجرمون القتل والنهب والإغتصاب!! هاهم يطلون برؤوسهم المتخلفة التي إذا قرأت لا تفهم وإذا فهمت كابرت! وبينما الناس يخوضون في السيول والفيضانات والمآسي الجسام؛ نراهم يخوضون في ما لا يهِم المطحونين ويشغلوننا بتفاهاتهم..!

أعوذ بالله

المواكب

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.