آخر الأخبار
The news is by your side.

التحرير الجزئي لـ(الوقود ـ سعر الصرف) .. آخر العلاج الكي

التحرير الجزئي لـ(الوقود ـ سعر الصرف) .. آخر العلاج الكي

الخرطوم: عماد النظيف
يبدو أن الحكومة الانتقالية بدأت فعلياً في تطبيق روشتة صندوق النقد الدولي التي تدعو إلى تحرير سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية وإلغاء دعم الوقود بشكل تدريجي ضمن توصيات الإصلاح الاقتصاد المتردي، وهذا ما ظهر جلياً عندما أعلنت بالسماح لبعض الشركات باستيراد وتوزيع البنزين و(الجازولين) بالسعر التجاري، مع التوسع في محطات الوقود التجاري، بينما تشهد طلمبات الوقود المدعوم ازدحام وتكدس السيارات أمامها، في ذات الاتجاه طالب وزير المالية بضرورة تعويم سعر الصرف، لكن ثمة تحذيرات من عواقب اقتصادية جراء تحرير سعر الصرف، باعتبار أن معدل التضخم سيرتفع إلى مستويات عالية.
* شروط التعويم
فيما يذهب التحليل الاقتصادي إلى أن ثمة تعهدات قدمت للحصول على الدعم الفني والمالي من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي خلال لقاءات رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك ووزير ماليته إبراهيم البدوي بمسؤولي تلك المؤسسات، لكن يضع صندوق النقد الدولي تحرير العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية شرطاً، وهذا ما أكده الباحث الاقتصادي مجيب الرحمن حسن مدني لـ(آخر لحظة)، إذ يقول إن التعويم شرط رئيسي من قبل البنك الدولي لتطبيق سياساته (تلقي الدعم الفني والمالي)، ولكن الدول دائماً تطبق الشروط وفقاً للتركبية الاقتصادية للبلد المعني.. فمثلاً ما تم تطبيقه في رواندا لا يمكن تطبيقه بذات السمات في السودان، وإن اتفقت الشروط على الأرض، ويبرر من ناحية أكاديمية قائلاً: تحرير سعر الصرف في النظرية الاقتصادية يوقف الارتفاع السريع للعمولات، ولكن بالنظر للحالة الراهنة والوضع الاقتصادي المتردي في الأجل القصير، لا يحل المشكلة، بل يعمل على تضخمها وتحميل المواطن فوق طاقته نتيجة لارتفاع الأسعار واستمرار المضاربة بالدولار من قبل التجار، نتيجة لعدم توفر المخزون الإستراتيجي المناسب من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي، ضعف الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي، إضافة إلى ذلك استمرار العزلة الدولية للسودان، وبالتأكيد نعم كما قلت، ولكن في الأجل الطويل فنتائج مثل هذه السياسات نحتاج لأعوام لجني ثمارها، فعلى الدولة دعم القطاعات الإنتاجية الحقيقية لسد الفجوة الكبيرة في ميزان مدفوعاتها.
* رفض واسع
رغم رفض الشارع السوداني والقوى السياسية (قحت)، للتحرير الاقتصادي وتحذيرات الخبراء الاقتصاديين من المآلات والآثار الجانبية المترتبة على التحرير الاقتصادي (تعويم الجنيه)، على الشرائح الضعيفة في البلاد، إذ يعيش أكثر من نصف السودانيين تحت خط الفقر بأقل من دولارين في اليوم بحسب إحصائيات رسمية، غير أن الحكومة ماضية في تنفيذ سياسيات صندوق النقد الدولي، ضاربة بكل المخاطر أعلاه أرض الحائط، وأعلن وزير الطاقة والتعدين عادل علي إبراهيم الأربعاء الماضي ، قراراً مفاجئاً قضى بالسماح لبعض الشركات باستيراد وتوزيع البنزين و(الجازولين) بالسعر التجاري، وحدد خطاب صادر عن الوزير سعر لتر الجازولين بـ(23) جنيهاً، ليصل سعر جالون البنزين إلى (103) جنيهات بدلاً من (24) جنيهاً سعر الجالون الحالي، وأصدرت في وقت سابق تعرفة تجارية للبنزين، قضت ببيع الجالون بـ(126) جنيهاً بدلا من (28) جنيهاً للجالون، في هذا الجزئية قال الخبير المصرفي د.لؤي عبد المنعم إن تجربة الوقود التجاري (جازولين، بنزين) لن تنجح، لأن التهريب سوف يستمر وفق السعر التجاري ولن تحول دون ظهور الصفوف مجدداً، والمتضرر هو المواطن من ارتفاع الأسعار وقلة الوقود.
* مستويات قياسية
وطالب وزير المالية والتخطيط إبراهيم البدوي مرارا وتكرارا ، بضرورة تعويم سعر الصرف لقطاع الصادر، حيث قفز سعر الدولار الأمريكي إلى مستويات قياسية، إذ بلغ (108) جنيهات في السوق السوداء، وسط مخاوف من ارتفاعات جديدة للعملة الأمريكية خلال الأيام المقبلة، وقال البدوي إن (هناك تعدداً في أسعار الصرف وهو من أخطر التشوهات، وعلينا أن نبقي الدولار الجمركي كما هو)، وعبّر عن وجهة نظر من زاوية اقتصادية تؤكد على أنه (في حالة وجود اقتصاد يهيمن عليه السوق الموازي، فإنه من الصعوبة تحديد سعر صرف معين، وادعو إلى تعويم سعر الصرف للقطاع الخاص من أجل استيعاب السوق الموازي، وشرح أن (هناك تجارب سابقة فاشلة كان سببها وجود حزمة غير موفقة من ضبط النفقات الحكومية)، وقال وزير المالية البدوي إن ما يدعو إليه يتمثل في (ضبط الإنفاق والعجز في الموازنة والمقدر حالياً بحوالي 3.5%، وهذه حدود آمنة، وإذا تمكنّا من ترشيد الدعم، ومن تحصين الموازنة والاقتصاد الكلي، فستكون نتائج تعويم سعر الصرف هو التوازن في سعر العملة)، ودفع البدوي عن الآثار المترتبة على تحرير سعر الصرف قائلاً: سيعطي تحفيزاً كبيراً جداً للإنتاج والصادرات عن طريق القنوات الرسمية وهذه مهمة جداً تحويلات المغتربين، وهذه أول ما تحدث ستغير طبيعة الرصيد الرأسمالي في الاقتصاد وتجعله كله داخل في الاقتصاد الرسمي، وبعد ذلك يمكن تسخير القطاع الخاص بصورة رسمية لاستيراد السلع الإستراتيجية ولتوفير المدخلات لكل شيء، وأنا كحكومة أنتبه للمستقبل ولمؤسسات الإنتاج ولتطوير البنيات التحتية وللتعليم وللصحة وهذا ما تفعله الحكومات الحديثة.
* تحسين الميزان التجاري
بالعودة لـ(الخبير المصرفي لؤي عبد المنعم) حول تحرير سعر الصرف واشتراطات صندوق الدولي، يؤكد لـ(آخر لحظة) أن تنفيذ اشتراطات صندوق النقد الأجنبي ليس شرطاً تنفيذ الروشتة دفعة واحدة، بمعنى أن إعادة هيكلة الدعم الحكومي للسلع الأساسية من عيني إلى نقدي أفضل من الإلغاء التدريجي للدعم والذي سوف يتسبب في الإضرار بالشرائح الفقيرة وحتى المتوسطة الدخل في ظل الانخفاض المتواصل في قيمة العملة الوطنية.. وعليه يعتبر الاستمرار في التعويم هو الخيار الأمثل لتقليل الفارق بين السعرين الرسمي والموازي، لتحقيق قدر من الاستقرار وتحسين وضع الميزان التجاري، وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي بناءً على خطط وبرامج إستراتيجية. التعويم المدار لو أحسن توظيفه سيقود تدريجياً للتعويم الكامل والذي لا يتطلب احتياطيات نقدية كبيرة، ولكن يشترط فيه الحد من الاستيراد غير الضروري والمضاربة على الدولار خارج الحاجة إلى الاستيراد.. السودان تأخر كثيراً في الانتقال من سعر الصرف الثابت إلى سعر الصرف المدار، حيث تم تغير نظام سعر الصرف في نوفمبر 2017 عوضاً عن 2011 عقب الانفصال بعد استنزاف الاحتياطيات من العملات الأجنبية.. وقد سبقتنا عدة دول استفادت من سياسة التعويم في مقدمتها الصين والهند وكازخستان التي سعت عبر التعويم لتخفيض قيمة عملتها بهدف زيادة قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية وبالتالي زيادة صادراتها، ويضيف محدثي من الطبيعي أن يرافق ذلك بعض الصعوبات والآثار مثال على ذلك في بداية التعويم خسرت كازخستان (6%) من احتياطياتها النقدية بالعملة الأجنبية، لكن بعد مرور عام ارتفعت الاحتياطيات بنسبة (13%).. البرازيل اتجهت نحو التعويم في العام 1999 ومرت بخمس سنوات عجاف عانى منها الفقراء وارتفعت أسعار السلع المستوردة وزاد التضخم، لكن في العام 2004 استقر سعر الصرف.. ومن التجارب الحديثة في 2015 تجربة الأرجنتين والمغرب وماليزيا، حيث تمكنت الأرجنتين من الصمود ومخالفة كل التوقعات التي راهنت على هبوط العملة المحلية البيزو من (9.8) إلى (14.5) أو (15) مقابل الدولار، بينما الانخفاض الفعلي لم يتجاوز (27%) في الأشهر الأولى، ثم ارتفعت قيمة العملة المحلية تدريجياً، كذلك المغرب نجحت في التعويم وساعدها في ذلك تحويلات المغتربين التي تزيد على (10) مليارات دولار سنوياً، وأيضاً ماليزيا نجحت بفعل قدرتها التنافسية العالية في الأسواق الخارجية بوصفها أحد النمور الآسيوية. ومن التجارب الناجحة أيضاً تجربة مصر ونيجيريا في 2016.. حيث اتجهت مصر للتعويم المدار بدءاً في نوفمبر 2016 وقد انخفضت قيمة عملتها بعد قرار التعويم من (8.8) إلى (18) جنيهاً مقابل الدولار ولكنها اتبعت سياسة إصلاحية ركزت فيها على الجهاز المصرفي بهدف زيادة تحويلات المغتربين فقامت بزيادة الفائدة على الودائع حوالي (300) نقطة، بنسبة (3%)، فأصبحت الفائدة على الودائع بنسبة (14.75%) والاقتراض بنسبة (15.75%)، وبالفعل نجحت السياسة وارتفعت الاحتياطيات خلال سنة من (19.5) مليار دولار إلى (44) ملياراً، ساعدها في ذلك قروض صندوق النقد والودائع الخليجية التي استثمرت في مشاريع البنية التحتية والمشاريع العقارية (العاصمة الإدارية)، مما ساهم بدوره في جذب الاستثمارات الأجنبية.
نيجيريا أيضاً فقدت (50%) من قيمة عملتها عقب تنفيذ سياسة التعويم ولكن سرعان ما انخفض الفارق بين السعر الرسمي والموازي إلى (10%) خلال عام.. حتى الدول التي لم توفق في سياسة التعويم أو لم يحالفها الحظ مثل السودان وفنزويلا، فإن السبب الرئيسي يعود إلى العقوبات الاقتصادية على صادراتها وحظر التعامل المصرفي بالدرجة الأولى.
* الحد من تهريب الذهب
ونصح لؤي الحكومة الانتقالية لمواجهة المشكلات قائلاً: ينبغي أن نبدأ بالحد من الاستيراد غير الضروري، مع تكثيف الحملات الأمنية على تجار العملة لتعزيز قيمة العملة الوطنية تدريجياً، مع استقطاب تحويلات المغتربين عبر حوافز مجزية (إعفاءات جمركية وتخفيضات ضريبية وتمويل عقاري بالدولار)، إلى جانب إصدار منتجات مصرفية لتعزيز السيولة وحشد الموارد للتوسع في الإنتاج الزراعي وزيادة تمويل الصادر، مع وضع حد لظاهرة تهريب السلع وفي مقدمتها الذهب.. وكنت قد اقترحت إطلاق منتج مصرفي هو الجنيه الذهبي الادخاري في فبراير 2018، وهو محصور التداول داخل المصارف ومن شأنه أن يحد من المضاربة على الدولار خارج الحاجة إلى الاستيراد ويحفظ رؤوس أموال المشروعات الصغيرة والمتوسطة من التآكل عبر الاستثمار فيه من جانب الأفراد والشركات وحتى البنوك، عوضاً عن المضاربة في الدولار لإطفاء خسائر التمويل الطويل والمتوسط الأجل بسبب التضخم المتواصل، إلى جانب كونه يسهم في زيادة الاحتياطيات من الذهب عبر احتكار بنك السودان لشراء وبيع وتصدير وصك الذهب وبيعه عبر نوافذ في الفروع الرئيسية للمصارف.

 

آخر لحظة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.