آخر الأخبار
The news is by your side.

هكذا تنهار الدول … بقلم: د. النور حمد

هكذا تنهار الدول … بقلم: د. النور حمد

من يتأمل المشهد السياسي الراهن ويربط بينها وبين الأحوال العامة للبلاد، عبر العقود الستة ونيف الماضية، يشاهد بوضوح كيف أن الدولة السودانية تتآكل، وتغذ السير بصورةٍ حثيثةٍ، نحو الانهيار. ولا جدال، البتة، في أن أكبر قدر من التآكل والانحدار صوب الهاوية، قد جرى في ظل حكم الإنقاذ الغاشم. فقد كان حكمًا تأسس منذ البدء، على الجهل الموبق بطبيعة السودان والسودانيين. كما تأسس على الرعونة، وعلى بداوات لأنفسٍ كزة، تجانفت عن الحق وعن الخير والفضيلة. وهو فوق ذلك، كان حكمًا بلا خطة، وكان فاسدًا وعنيفًا، لم يكتف بتخريب البنى السياسية والإدارية والخدمية والوأد الممنهج لمبادرات المجتمع المدني، وإنما أعمل معاوله هدما للنفوس فأحدث فيها خرابًا فظيعًا. الأحداث العنيفة التي توالت في غضون الأسبوعين الأخيرين، تقريبًا، في كل من دارفور، وكسلا، وكادوقلي، ومستشفى أمدرمان، لهي من أبلغ الدلائل على هذا التخريب المريع الذي طال النفوس. فقد وقفت وراء كل هذه الحوادث المؤسفة أيادي أقوام لا خلاق لهم. أقوام ذاقوا طعم السلطة، وطعم الوجاهة الزائفة، واعتادوا على نهب المال العام، فصعب على نفوسهم الفطام.

في هذه اللحظة المفصلية التي نمر بها الآن، وبعد هذه الثورة العظيمة، التي مثلت تطلعًا غير مسبوق نحو الحق والعدل والأمن المجتمع والنهضة الشاملة، لا يقع اللوم على الإنقاذيين وحدهم. وإنما يقع على من يديرون هذه الفترة الانتقالية، بهذا القدر من اللامبالاة والتراخي، والصمت المريب. فالإنقاذيون أصلا لم يكونوا ليفعلوا غير ما يجري منهم الآن من أعمال بالغة الخسة. فهم قد صُمموا ليكونوا على هذه الصورة، ولسوف لن يتغيروا في المدى المنظور. غير أنهم لم يكونوا ليسيروا في التخريب، بمثل هذه الوتيرة المتسارعة، وهذه الجرأة لولا أنهم تأكدوا بأن من يتولون أمر الدولة الآن بلا وعيٍ دولتيٍّ، وبلا عزيمة، وبلا شعور بالمخاطر. ولربما عرف الإنقاذيون أن بعضًا ممن بيدهم الأمر، يستثمرون معهم في هذه الألاعيب الخطرة، كل وفقًا لأجندته قصيرة النظر.

الأحداث المتسلسلة التي حدثت في مختلف الولايات، إضافةً إلى خروج السيد الصادق المهدي من قوى الحرية والتغيير، ألى جانب الشروخ التي حدثت في محادثات السلام في جوبا، تدل كلها أن بعضا من نخبنا السياسية لا ترى أبعد من أنفها. بل هي لا تهتم بغير مصالحها المباشرة التي أعمت أعينها عن رؤية المخاطر الماحقة التي يمكن أن تنجم من مثل هذا الشقاق . وإذا أضفنا إلى ذلك الصمت الحكومي تجاه ما يحدث، والتراخي الشرطي، وغياب الجهاز العدلي، وعدم إطلاع الناس على ما جرى للمتسببين في هذه الأحداث، واكتفاء الإعلام بنقل مراسيم التوقيع على اتفاقيات الصلح بين الأهالي المتحاربين فإن صورة سقوط هيبة الدولة وانحلال عزيمة من يقومون على أمرها، يصبح أمرا شديد الوضوح. من يقرأ التاريخ يجد أن ما يجري الآن هو مطابق لكل الحالات التي عادة ما تسبق انهيار الدول. كان الإنقاذيون يخيفون الناس من الثورة، بمصير العراق وسوريا وليبيا، غير أنهم الآن هم الذين يقودون البلاد إلى تلك المصائر ولا يجدون من يردعهم. بل، ويساعدهم في ذلك بغفلةٍ عجيبةٍ، وربما بغرض، بعض من الطيف السياسي؛ ممن هم في سدة الحاكم، وممن انشقوا عن حاضنته السياسية.

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.