آخر الأخبار
The news is by your side.

الصادق المهدي.. (بوخة) الخروج الأكبر.. هل تفوح رائحتها؟

الإمام الصادق المهدي.. (بوخة) الخروج الأكبر.. هل تفوح رائحتها؟

الخرطوم: عبدالناصر الحاج

في (26 يناير) من عام 2017 ( ذكرى تحرير الخرطوم)، عاد الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وزعيم طائفة الأنصار، من العاصمة المصرية القاهرة، إلى الخرطوم التي غادرها في العام 2014 مغاضباً إثر تعرضه بالنقد العنيف لقوات الدعم السريع، وهو ذات الأمر الذي أدى إلى حبسه في سجن كوبر وترتب عليه مطالقته للحوار الوطني الذي دعا له رئيس النظام البائد المخلوع عمر البشير. وكان ذلك يوماً مشهوداً حيث توافد أنصار المهدي من أطراف العاصمة ومختلف ولايات السودان، وتعرض بعضهم لمضايقات أمنية، خاصة الوفود القادمة من خارج الخرطوم. وشق الموكب طريقه لمنطقة ودنوباي في أمدرمان وسط الطبول والأهازيج، وأقيم احتفال في ساحة مسجد الهجرة، ووجه العديد من الأحزاب والكيانات السياسية نداءات لمنتسبيها للمشاركة في الاستقبال. وقتها كانت عودة المهدي تعني استمرار مهمته التي انتدب نفسه لها في الخارج، واستئنافها من الداخل، وهي توحيد القوى السياسية، ضمن هيكلة تتيح له القيادة، وضمن استراتيجية، تعتمد الحوار والتفاوض مع النظام وسيلة أساسية.

خروج ثانٍ
على الرغم من عودة الإمام التي أختير لها تاريخ تحرير الخرطوم التي تم تحريرها على يد جده محمد أحمد المهدي وشهد ذلك التاريخ مقتل غردون، وإعلان الدولة المهدية، وكان ذلك في عام 1885. إلا أن المهدي واجه تحديات كثيرة في توحيد قوى المعارضة حيث لم يكن بالإمكان أن تلتقي رؤية الإمام الداعية إلى حوار آخر مع أهل النظام أو تفكيك النظام عبر منهج الهبوط الناعم مع عدد من القوى السياسية المعارضة التي تتمسك بمبدأ إسقاط النظام وعدم الدخول في أية حوار معه. وقتها كان يرى عدد من المراقبين بأن عودة المهدي قد تمنح العمل المعارض قوة دفع إضافية وتزيل عدد من العوائق التي ساهمت في تفتيت وحدة المعارضة، وقد دون الكاتب والمحلل السياسي عبد الله رزق في (القدس العربي) سابقاً عدة ملاحظات حول هذا الأمر وقال أن عودة المهدي للخرطوم تأتي في ظروف بالغة التعقيد لتزامنها مع انتهاء اجتماع قوى نداء السودان الأخير في باريس، وانقسام في الرأي حول موضوعين أساسيين هما هيكلة التجمع والموقف من خارطة الطريق. وأضاف رزق إن عودة الصادق المهدي للبلاد، ضمن هذه الظروف تعني استمرار مهمته التي انتدب نفسه لها في الخارج، واستئنافها من الداخل، وهي توحيد القوى السياسية، ضمن هيكلة تتيح له القيادة، وضمن استراتيجية، تعتمد الحوار والتفاوض مع النظام وسيلة أساسية. ومضى رزق في تحليله بالقول أن وجود المهدي بالداخل، يمكنه من إدارة حوار مباشر مع النظام لإيجاد مخرج من مأزق خارطة الطريق والتنسيق مع الوساطة الأفريقية لإحياء دورها من جديد، بعد هبوط مؤقت في مستوى النشاط الجماهيري المعارض، وإعادة تجميع وتوحيد أطراف قوى نداء السودان، خاصة، حول موقف تفاوضي. لكن المهدي تحركفي اتجاهات عدة ولكنه في آخر المطاف طوى صفحات آماله العراض وغادر الخرطوم ليعود إليها مرة أخرى بعد أن بدأ الحراك الثوري تنطلق شرارته في عدة مدن سودانية.

عودة ثانية
في (19 ديسمبر) من العام 2018 بدأ السودانيون في تنظيم أنفسهم للثورة على نظام البشير، وبالفعل انطلقت المظاهرات في عدة مدن ، في الدمازين، وعطبرة، والقضارف ، والنهود، وأحرق المحتجون في عطبرة مقر حزب المؤتمر الوطني وكان المتظاهرون يهتفون (الشعب يريد إسقاط النظام). تزامناً مع تلك الظروف عاد المهدي مرة أخرى للخرطوم، بعدما أمضى نحو سنة في الخارج، ودعا في كلمة أمام آلاف من مؤيديه الذين كانوا في استقباله إلى انتقال ديمقراطي في البلاد. وقال المهدي أمام الحشد -الذي قدرته وكالة رويترز للأنباء حينها، بنحو سبعة آلاف شخص- في أحد ميادين مدينة أم درمان إن “النظام فشل، وهناك ترد اقتصادي، وتهاوت قيمة العملة الوطنية”. وردد المحتشدون شعارات “الشعب يريد نظاما جديدا”، و”لا للحرب.. نعم للسلام”. وتحدث المهدي عن رؤيته للانتقال السياسي فقال “نرى أن روشتة الحل أن ندعو لمذكرة للخلاص الوطني يوقع عليها جميع أبناء الوطن وممثلو الأحزاب والمجتمع المدني”. وأضاف أن الجميع عليهم أن يلتزموا في هذه المذكرة “بوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية وإطلاق الحريات العامة وتكوين حكومة انتقالية برئاسة وفاقية تكون مهمتها إصلاح الاقتصاد والعدالة الانتقالية وعقد مؤتمر دستوري قومي لتفصيل استحقاقات السلام الشامل وكفالة حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي .

الحرية والتغيير
كغيره من القوى السياسية المعارضة، شارك حزب الأمة القومي برئاسة المهدي في صياغة إعلان الحرية والتغيير والذي وقعت عليه غالبية قوى المعارضة بمختلف تكويناتها، وأصبح الإعلان الذي دعا صراحة دون إلتفاف إلى رحيل النظام، بمثابة الوثيقة التاريخية التي أجمع عليها الثوار وقادت حراكهم الثوري إلى أن نجح في إسقاط البشير في 11 أبريل بعدما أعلنت القوات المسلحة انحيازها لخيار الجماهير. شارك حزب الأمة بفاعلية داخل التحالف على الرغم من أن المهدي كان منذ البداية قد استهجن الحراك الثوري بمقولته المشهورة بأنها مجرد (بوخة مرقة). ووسط تجاذبات كثيرة كانت للمهدي آراء تسير عكس الإرادة الثورية، فهو لم يكن مؤيداً لمنهج التصعيد الثوري ضد المجلس العسكري الانتقالي والذي اتسمت فترته بتشاكسات كثيرة مع قوى الحرية والتغيير، ولم يكن متحمساً لاستمرار اعتصام ميدان القيادة العامة بعدما سقط البشير، وقد سجلت له الذاكرة الجماهيرية مواقف عدة نالت حظها من الاستهجان من قبل الثوار، مثال تصريحاته الداعية لرفع خيمة الانصار من اعتصام القيادة العامة قُبيل المجزرة بيوم واحد، وكذلك دعوته للحشد في صلاة العيد في مسجد الأنصار مقابل دعوة الثوار للاحتشاد في صلاة العيد في ميدان القيادة العامة- أي قبل أن تحدث المجزرة.

الخروج من الحرية والتغيير
وخلال الفترة الماضية التي أعقبت تشكيل الحكومة الانتقالية بموجب الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، كان المهدي دائم النقد والتقريع لمواقف القوى السياسية المتطرفة في خطها الثوري وتتخذه منهاجاً لاستكمال أهداف الثورة السودانية، وظل المهدى ينادي بضرورة إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير، إلى أن وصل به الحال إلى تعليق نشاطه بها ودعوته لتحالف بديل تحت عنوان العقد الاجتماعي الجديد. وقد تسرب إلى عدد من الوكالات الإخبارية أنباء تفيد بأن رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان التقى على نحو محكم بالسرية فجر الخميس الماضي, رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي. وأفادت مصادر إعلامية خاصة ان اللقاء تم بسرايا “المهدي” بضاحية الملازمين في أم درمان. بالمقابل, كشفت مصادر من داخل قوى الحرية والتغيير, إن المهدي يمضي في اتجاه تحالف جديد, يستند على بعض القوى السياسية في الحرية والتغيير, إضافة إلى منظمات اجتماعية- لم تحددها المصادر, وبعض الحركات المسلحة . في غضون ذلك أفادت مصادر متطابقة بان اللقاء ربما ناقش موقف الحزب الأخير وتجميد أنشطته بالائتلاف الحاكم. في غضون ذلك قالت مصادر أخرى قريبة من الحزب ان اللقاء يأخذ “بعداً” اجتماعيا أكثر من “هو سياسي”. وانفض اجتماع مساء الخميس, بين حزبي الأمة القومي والمجلس المركزي للحرية والتغيير دون الوصول الى اتفاق. وأكد الطرفان حسب بيان مشترك ان الوضع الراهن في غاية الخطورة بما يتطلب “تقييم و إصلاح مسيرة قوى إعلان الحرية والتغيير وهياكل الحكم الإنتقالي في اطار استكمال مهام المرحله الانتقالية”.

خروج
ويرى عدد من المراقبين بأن المهدي يبدو أنه توصل إلى استحالة الاستمرار في تحالف الحرية والتغيير وقررالخروج الأكبر، وأن الأنباء المسربة عن لقائه بالبرهان إنما هي تمهيد للخروج الأكبر من التحالف، مقابل الاجتهاد في خلق حاضنة سياسية جديدة للحكومة الانتقالية، وأن المهدى استفاد من حالة الانقسامات التي تشهدها قوى الثورة نفسها، حيث يشهد تجمع المهنيين – رأس الرمح في الثورة- حالة من الانقسام الحاد بسبب تغيير سكرتاريته القديمة، وكذلك تشهد الجبهة الثورية حالة من الانقسام بسبب تصريحات منسوبة للقائد مني أركو مناوي، فضلاً عن أن هناك تباينات واسعة ما بين رؤية قوى الاجماع التي يقودها الحزب الشيوعي وبعض الكيانات الأخرى، سواء داخل قوى الاجماع نفسها، أو داخل تجمع الاتحاديين، أو بداخل كتلة نداء السودان، وهو الأمر الذي حفز المهدي للانقضاض على التحالف الذي انجز مرحلة السقوط.

الجريدة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.