آخر الأخبار
The news is by your side.

حول اعتقال الأمين العام للمؤتمر الشعبي  … بقلم: عبدالحليم عباس

حول اعتقال الأمين العام للمؤتمر الشعبي  … بقلم: عبدالحليم عباس

شكليا، ما كانت تعرف سابقا بالجبهة الإسلامية متورطة في انقلاب عسكري على نظام ديمقراطي، و هذا يجعل مثول قادتها و أعضاء فيها للمساءلة القانونية أمر طبيعي. و اعتقال الأمين العام للمؤتمر الشعبي السيد علي الحاج جاء في هذا الإطار.
هل هُناك غرض سياسي انتقامي وراء هذا الاعتقال ؟ الإجابة هي نعم بكل تأكيد. و ذلك واضح لا يحتاج الى تدليل، فحتى الآن على الأقل، و على حد علمي، هناك أعضاء في مجلس قيادة الثورة، أي من العسكر الذين نفذوا الانقلاب لم يتم حتى اصدار أوامر قبض بشأنهم، و قائد الانقلاب نفسه عمر البشير لم تتم محاكمته حتى الآن بتهمة الانقلاب. فلماذا يُعتقل شخص مدني رئيس حزب معارض و يُترك الأعضاء العسكريين ؟ صحيح أن فكرة و تخطيط الانقلاب و حتى تنفيذه هي من عمل الجبهة الإسلامية، كما ظل قادة الشعبي يتبجحون على الدوام، و لكن أي اتهام منطقي في القضية يجب أن يبدأ بالعسكر على الأقل.
و لكن علي أية حال فإن وجود دوافع سياسية وراء قضية ما، لا يعني أنها بلا معنى، أو أنها باطلة. إن حجة الكيد السياسي أو الانتقام و تصفية الحسابات السياسية و الايديولوجية مهما كانت صحيحة فهي لا تفيد بشيء في نفي التهمة أو ابطال القضية.
قوى الحرية و التغيير كتحالف سياسي حاكم ليست مسئولة عن هذه القضية، على الأقل ليس بشكل مباشر. ففي النهاية هُناك مواطنون ذهبوا الى القضاء و فتحوا هذا الملف. حزب المؤتمر الشعبي له أن يسلك المسار القانوني نفسه في مواجهة هذه الدعوى، و لا معنى لكلامه عن الاستهداف السياسي، ففي النهاية هذا استهداف قانوني و مشروع، نظريا على الأقل، و يتوسل أدوات قانونية. كذلك لا معنى لتحميل تحالف قوى الحرية و التغيير مسئولية هذه القضية، لأن التحالف لا يُمكنه منع النشطاء من فتح بلاغات جنائية سواء أكانوا أعضاء تحت مظلة هذا التحالف أو مواطنين من خارجه.
هذا بالنسبة للشق الشكلي و القانوني. أما على الصعيد السياسي فإن هذه الخطوة هي خطوة خاطئة و كارثية و قد تكون لها تداعيات خطيرة في المرحلة المقبلة. هُناك بالطبع توجه اقصائي في الساحة تجاه الإسلاميين بمختلف أطيافهم و تكويناتهم ، بالنسبة لهذا التوجه و الذي لا يريد أي شكل من أشكال التوافق مع الاسلاميين و لا حتى على صعيد القضايا الوطنية الكلية، فليس هُناك جديد في الأمر: الإسلاميين الى الجحيم، و الوحدة الوطنية (اذا كانت تشمل الاسلاميين) فإلي الجحيم هي أيضا. و هذا التوجه يعتقد أن بإمكانه حل مشكلات السودان و بناء الدولة و إدارتها بدون حاجة أي شكل من أشكال التوافق و التعاون مع أي إسلامي، انه يعتقد ببساطة أن لا حاجة لذلك، و أنه بمجرد إقصاء الاسلاميين سنتحل تلقائيا جميع المشكلات و سيكون كل شيء على ما يُرام. و هذا مجرد وهم و خطأ في الواقع.
هناك توجه آخر في الساحة يرى أهمية التوافق الوطني، و حزب المؤتمر الشعبي بقيادة علي الحاج هو جزء من هذا التوجه، و هو توجه يضم قوى وطنية أخرى و بعض من قوى الحرية و التغيير. و بالنسبة لهذا التوجه فإن اعتقال الأمين العام لأكبر حزب إسلامي في الساحة حاليا هو بمثابة ضربة قاضية لأي آمال في هذا الصدد. ستزداد حدة التوتر و الاستقطاب في الساحة، سيتطرف الإسلاميون في معاداة السلطة القائمة، و من غير المستبعد أن يؤيدوا أي انقلاب عسكري ضد هذه الحكومة، هذا إن لم يبادر البعض منهم بالمشاركة في انقلاب عسكري. و في أي صراع قادم بين العسكر و قوى الثورة، فقد يجد العسكر سندا و حليفا مستعدا لمد يد العون و المؤازرة. و على أقل تقدير سيتقارب الإسلاميون في الوطني و الشعبي و في التيارات الاسلامية السلفية الأخرى و هذا خط مغاير للخط الذي يتبناه المؤتمر الشعبي بقيادة علي الحاج، و الذي أكد قبل أيام بأنه غير معنى بوحدة الإسلاميين بقدر ما هو معنى بقضية الوطن، و أنه يراهن على الروابط الإنسانية بين أفراد و مكونات الشعب السوداني و ليس الروابط الايديولوجية أو العقائدية. خطوة اعتقال الأمين العام ستدفع بالأمور في اتجاه مغاير للذي كان يسير فيه المؤتمر الشعبي الذي أعلن انفتاحه على القوى الوطنية بمختلف أطيافها، و الذي برغم عدم رضاه عن تشكيل السلطة الحالية إلا أنه يدعو للعمل المشترك على الأقل على القضايا الوطنية. هذا كله سيصبح غير ممكن في ظل حالة الاستقطاب و التوتر التي خلقها اعتقال الأمين العام.
صحيح في النهاية أن المؤتمر الشعبي مطالب بالاستمرار في دعم القضايا الوطنية مهما أحاط به الاستهداف و الاستفزاز، و عليه أن يدفع ضريبة مشاركة قياداته في الانقاذ صبرا و تحملا و تعاليا على الصغائر في سبيل الوطن، و لكن إن أخطأ المؤتمر الشعبي و انجر الى الصراع الصفري و العمل ضد قوى الحرية و التغيير مهما كلف الأمر، فإن الشعبي سيكون مخطئ و خاسر بالتأكيد، و لكن هذا الخطأ لن يضُر الشعبي وحده، و سيمتد ليؤثر على الاستقرار في السودان ككل، و لهذا السبب لا يجب أن يحدث.
إن الوضح السياسي الحالي هش؛ العسكر هم الحاكم الفعلي، و قوى الحرية و التغيير في الواجهة تتحمل المسئولية أمام الثوار و الشعب، و أي فشل للحكومة قد يستثمره العسكر في الانقلاب على هذه الحكومة. وهناك مشكلة أكبر و هي مشكلة الانتقال الى الحكم الديمقراطي: هل سيسلم العسكر السلطة و هم يعلمون أن مصيرهم سيكون السجون المشانق بسبب مجزرة الاعتصام و جرائم أُخرى ؟ لقد عبر قائد قوات الدعم السريع عن اعتقاده قبل أيام بأن لولا قواته لتم شنقه ضحى ، فهل سيكون مستعدا لتسليم نفسه بعد عام أو عامين ؟ إذا لم تحدث تسوية سياسية شاملة فإن الانتقال الى وضع ديمقراطي هو أمر أشبه بالمستحيل. إن حدة الصراع بين الإسلاميين و اليسار أو قوى الحرية و التغيير سيؤكد هذه الاستحالة.
هناك أيضا مشكلة السلام في ظل حكومة ضعيفة، و جيش بلا سند شعبي و بلا معنويات، و حركات مسلحة بعضها ذو توجه انفصالي واضح، و في أفضل الأحوال قد نصل لاتفاق سلام لاقتسام السلطة في الأقاليم مع جيوش متعددة داخل الدولة، و ذلك سيكرس حكما دكتاتوريا في مناطق الحرب الحالية، فقادة الحركة الشعبية في النيل الأزرق و جبال النوبة سيحكمون هذه المناطق حكم عسكري استبدادي شبيه بحكم الحركة الشعبية لجنوب السودان، و هو ما ينذر عمليا بانفصال هذه الأجزاء من السودان في ظل دولة ضعيفة يحكمها عساكر و أحزاب ضعيفة بلا شرعية شعبية، و في وضع اقتصادي آيل الى الانهيار. مع كل هذه المعطيات فإن آخر ما تحتاجه الحكومة الحالية هو جبهة استقطاب جديدة داخلية.
الإسلاميون انقلبوا على الديمقراطية، و هذه حرب على الدولة حسب توصيف البلاغ المفتوح ضد علي الحاج. و الحركة الشعبية التي ينتمي لها عقار و الحلو و ياسر عرمان قد حاربت الجيش السوداني و الدولة السودانية في عهد نميري و في عهد الديمقراطية، فهل من الحكمة مقاضاة قادتها بتهمة الحرب ضد الدولة ؟ لقد كانت تسقط المدن السودانية في عهد الديمقراطية، المدينة تلو الأخرى فما هو التوصيف السياسي و القانوني لفتح بلاغ مثلا في السيد عبدالعزيز الحلو أو ياسر عمران بتهمة الحرب ضد الدولة ؟ الحكومة تتفاوض معهم الآن من أجل الوصول الى سلام و انهاء الحرب، هذه هي الاولوية الآن. فهل يجب على الإسلاميين أن يحملوا السلاح لكي يدرك الناس أن هناك ما هو أهم من فتح البلاغات الجنائية بتهمة الانقلاب ؟
لو كان المؤتمر الشعبي حركة مسلحة مثل العدل و المساواة، فسيكون واضحا للجميع خطأ اعتقال قائد حركة تحمل السلاح. ففي النهاية لن يصب ذلك في مصلحة السلام. و لكن العقلية السائدة حتى الآن بعد الثورة هي أن من لا يحمل السلاح فلا أهمية له. فهل يريد البعض أن يصبح المؤتمر الشعبي حركة مسلحة لكي يذهبوا و يتفاوضوا معه في العواصم الخارجية على التسوية السياسية ؟ ألا يُمكن أن تأتي التسوية بدون سلاح و حروب و دماء ؟
تحياتي للجميع، و لكل من تواصل أو سأل في الفترة السابقة. لقد كنت بحاجة للابتعاد عن التفاعل اليومي و ما زلت. و للذين يسألون أقول ليس هناك أي شيء كبير أو عظيم أقوم به، حتى أنني أشعر في بعض الأوقات بالملل و الفراغ، و لكني أقول لنفسي لا يُمكن أن أعود الى الكتابة و التفاعل هروبا من الملل و الفراغ، سيكون ذلك تسولا للمعنى بشكل بائس.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.