آخر الأخبار
The news is by your side.

من فض الاعتصام؟ صباحية الأشلاء والدماء.. للقصة بقية .. الحلقة الثانية

من فض الاعتصام؟ صباحية الأشلاء والدماء.. للقصة بقية .. الحلقة الثانية

الخرطوم: علي الدالي

* مشاهد بطولية لشهداء قبل مفارقتهم الحياة

* ماذا قال الشهيد وليد عبد الرحمن لضابط حاول إقناعهم بإزالة المتاريس؟

من الذي فض الاعتصام؟ سؤال سيبقى حتى بعد إعلان نتائج التحقيق
أحد الناجين من معركة فض الاعتصام: (…) هكذا تعاملت القوات مع الثوار بعد اعتقالهم

سحابة تجمعت ثم بكت بحرقة بللت دموعها كل أرض الاعتصام أمام القيادة العامة.. تهاوت الخيام من شدة الرياح التي كانت تنطلق بقوة في تلك الليلة تنذر الثوار بصباح يوم كئيب ولم يكن أحد يكترث إلى تلك الإنذارات.. كانت الحياة داخل الميدان تسير بشكل طبيعي ولم تمنع الأمطار التي كانت تهطل بغزارة حُراس المتاريس من القيام بواجبهم في حماية الثوار داخل الميدان ولم تمنع أيضاً سكان جمهورية أعلى النفق من الطرق بقوة على حديد السكة الحديد، بكت سماء الميدان على فراق الأحبة من الشهداء والمصابين والجرحى.

شاهد عيان يحكي قصة شهيد أصيب بطلق ناري قبل أن يسلم الروح الطاهرة وتصعد إلى بارئها حين كان في اللحظات الأخيرة له في الحياة الدنيا يحاكي البطل عبد الفضيل ألماظ، وأصابته الطلقة على بعد أمتار من النصب التذكاري لألماظ المنصوب على تقاطع وزارة الصحة. يقول شهود العيان إن الشهيد قاوم الآلام والموت وهو يسرع نحو (الترس) عند مدخل الميدان الغربي ويتكئ في إغماضة الموت الأخيرة فوق (الترس).
وتلك قصة أخرى لشهيد آخر لما بلغت التراق وقبل أن تلتف الساق بالساق أخرج الشهيد هاتفه الذكي من جيبه وحرك كاميرته على صفحته بفيسبوك ليسجل للتاريخ جزءا من تفاصيل ما حدث في آخر دقائق من حياته لما ظن أنه مفارق الحياة لا محالة، لكنه قرر أن تظل شهادته حاضرة تحكي ما حدث يوم الاثنين الأسود في الثالث من يونيو 29 رمضان. هذه قصة نقلت تفاصيلها قناة الجزيرة مباشر وتداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي. وقبل أن ينفض الجمع كان التاريخ يسجل ثبات الثوار العُزل في مقابلة آلة الموت وهم يهتفون: (الترس دا ما بنشال.. الترس وراهو رجال) ويصيح آخرون: (جايين لشنو جايين للموت.. الموت بي جاي ومعاهو الجنة.. الجنة تمام ومافي كلام).

ولم تكن تلك المشاهد داخل الميدان ببعيدة عن تلك التي حدثت في معركة ذات المتاريس أيام عيد الفطر عندما تصدى الشهيد وليد عبد الرحمن لضابط يتبع لأحد القوات النظامية طلب منهم فتح المتاريس فقال له: (نحنا عندنا ناس ماتوا وما بنفتح الشارع انتو أشتغلوا شغلكم ونحن بنشتغل شغلنا)، ثم أصابه في اليوم التالي من حديثه طلق ناري ربما قصدته هو دون زملائه بجوار متاريس حي المزاد، فكانت حادثة استشهاد وليد دافعا لشباب الحي أن يتمسكوا بمتاريسهم حتى بعد التوجيه من قوى الحرية والتغيير بفتح الطرق، فتلك الحادثة خلفت غضبا كبيرا في الحي، فقد كان وليد أحد أيقونات الثورة في المزاد يحرك شبابها وهو أحد حُراس المتاريس في ميدان القيادة العامة.
أحد الناجين من معركة فض الاعتصام قال لـ(الجريدة) إن القوات المعتدية وبعد أن أفلحت في عملية إفراغ الميدان من الثوار أرغمت المعتقلين لديها بنظافة بعض الشوارع وإزالة المتاريس من على جنبات الميدان ثم نقلت بعضهم إلى أقسام الشرطة في الشمالي والشرقي بدفارات تتبع لشرطة الاحتياطي المركزي أو كذلك ظنها لكن إدارة تلك الأقسام رفضت استلامهم ما دفع تلك القوات إلى إطلاق سراحهم دون مواجهتهم بأي تهمة رغم تعرضهم للإذلال والضرب من قبل الذين اقتادوهم إلى مخافر الشرطة.

وسياط (العنج) تلهب ظهور الثوار بينما تتلقى صدورهم العارية الذخيرة الحية قامت مجموعة من القوة المعتدية على المعتصمين سلمياً أمام القيادة العامة بتنفيذ حملة اعتقالات على الثوار، فاعتقلت المصابين والجرحى والكنداكات وجمعتهم تحت نفق كوبري الحديد بشارع النيل حسبما أظهرت بعض الصور التي تداولها ناشطون بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي فمئات الثوار استلقوا على الأرض وأياديهم فوق ظهورهم وسياط الجلادين تلهب أجسادهم من الرأس وحتى الرجلين بينما يئن الجرحى والمصابون من شدة الآلام، ولا أحد يستطيع أن يقرب ناحيتهم لأن الجنود المدججين بالأسلحة كانت تحرسهم وترسل عبارات مستفزة تزيد من معاناتهم وغضبهم.

في تلك اللحظات كانت مجموعة أخرى تقتحم بعض المستشفيات مثل مستشفى المعلم ورويال كير وتعتدي على الأطباء والجرحى والمصابين، فكانت الفوضى وحدها هي سيدة الموقف في ذاك اليوم الدامي.. صرخات الفتيات واستغاثات الجرحى والمصابين ولا شيء غير التعامل بعنف مع من نجا من الموت المجاني في ذاك الصباح الرمضاني الساخن.. القادة يشكون من تعرض قواتهم لاستفزازات وقواتهم تقتل بدم بارد وتشهر البندقية على المواطنين العزل بلا وازع ديني أو ضمير أو أخلاق، إنه يوم الموت وكانوا يتبارون في جمع الغنائم فبعد الفراغ من المعركة يأخدون الأموال من جيوب الشهداء، وكذلك الهواتف الذكية غالية الثمن وينهبون من الخيام كل ما غلا ثمنه وخف وزنه ثم يحرقون الخيام وكل شيء لا يمكن حمله يخلفونه وراءهم أكواما من الرماد والنيران المشتعلة والدخان المتصاعد في سماء الخرطوم.

الحريق الذي شب في كل أنحاء البلاد وفي قلوب أمهات الشهداء وآبائهم وأسرهم وعوائلهم لم يمنع رئيس المجلس العسكري الانتقالي من الظهور وتلاوة بيان أشعل المزيد من النيران على قلوب الثوار، وهو يعلن إلغاء كل ما تم الاتفاق عليه مع قوى الحرية والتغيير وإيقاف التفاوض معها وتكوين حكومة مهام وطنية والدعوة لانتخابات مبكرة خلال تسعة أشهر من تاريخ البيان، بيد أن قوى الحرية والتغيير استلت سيف الشعب (سيف السادس المنصور من أبريل) وأعلنت العصيان المدني في كل البلاد والثوار الذين لم يتجاوزوا الآلام بعد قرروا أن يصلوا فجر الخلاص حاضر، وقاموا بإغلاق كل الطرق في الخرطوم قبل أن تشرق شمس العيد فدخلت البلاد في مرحلة جيدة دخت دماء في شرايين الثورة، رغم تدقف دماء الشهداء الطاهرة على أرض الميدان.

أغلقت الطرق وشُلت الحياة إلا من مواكب العسكر وبعض الكناتين الصغيرة بينما استمر الموت في الطرقات وداخل البيوت.. إنهم يطلقون النار على كل من يعترض طريقهم فسقطت كذبة أن المقصود كان منطقة كولومبيا وليس الاعتصام حيث لا يعقل أن تتمدد مساحات منطقة كولومبيا التي ترقد على مساحة 200 متر تحت جسر القوات المسلحة لتعم كل أرجاء العاصمة والولايات، فالمداهمات والملاحقات التي نفذها العسكر لم تستثنِ إلا مناطق صغيرة في العاصمة ومدن الولايات الكبرى. نعم استمر إطلاق الرصاص الحي حتى داخل الأحياء المأهولة بالسكان أثناء مطاردات الثوار في الشوارع والأزقة، ولم يكن في تلك الأحياء كولومبيا أخرى ولا مخالفون أو متفلتين متسلحين دخلوا تلك الأحياء، لم يكن داخل هذه الأحياء غير ثائر أعزل لا يحمل في يده شيء غير التلويح بعلامة النصر وإطلاق حنجرته للهتاف (مدنياووو)، ثم يسقط شهيداً أو جريحاً يتم إسعافه إلى أقرب مشفى بسبب هتافه السلمي أو إغلاقه لطريق احتجاجاً على فض الاعتصام وقتل رفقاء نضاله من الحرية والسلام والعدالة واتخذ الثورة خيار للشعب في نضاله المستمر من أجل استرداد كرامته وحريته وعزته ومحاربة فساد النظام واستبداده وتحرير البلاد من الأفكار المنحرفة والمتطرفة.

سيبقى السؤال إذن حتى بعد إعلان نتائج التحقيق: من فض الاعتصام وقتل الثوار بدم بارد؟ هل هم قوة أخرى غير القوات النظامية نصبت فخاً لتوريط قوة نظامية؟ أم أن ضباطاً تجاوزوا التعليمات التي صدرت وهاجمت الاعتصام مثلما أعلن أحد الضباط الكبار في القوات المسلحة؟ أم أن الأمر كان خطة مرسومة من المجلس العسكري الانتقالي حضره كل القادة حسبما أعلن الناطق الرسمي باسم المجلس الفريق شمس الدين كباشي؟

الجريدة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.