آخر الأخبار
The news is by your side.

منظومة الانقاذ وإجهاض الثورة 

منظومة الانقاذ وإجهاض الثورة

بقلم: النور حمد

ربما لا تقدح كلمة “الإنقاذ” في أذهان كثيرين، أكثر مما يعينه “المؤتمر الوطني”، الحزب الذي أدار به الرئيس البشير البلاد، في العشريتين الأخيرتين من حكمه. وبطبيعة الحال، إضافة إلى العشرية الأولى، التي أدارها من منزله، في المنشية، الشيخ الراحل حسن الترابي، وفيها اشتدت قبضة الدولة الأمنية وتوطدت أركان التمكين، واستعرت حرب الجنوب، وبرز الاتجاه الجديد في سياسة السودان الخارجية، الذي قاد إلى العزلة عن المجتمع الدولي، وأدى إلى المقاطعة التي لا تزال البلاد تعاني منها إلى الآن.

غير أن الإنقاذ، في حقيقتها منظومة متكاملة، تضم طيفًا واسعا من مختلف القوى. فكل أقلية تسيطر، كالأقلية التي قامت بانقلاب يونيو 1989، لابد لها أن تسعى إلى توسيع قاعدتها لتكتسب شرعية شعبية صورية. في جهودها الرامية إلى توسيع قاعدتها الاجتماعية سعت الإنقاذ إلى استقطاب قوى اجتماعية كثيرة، وفق الطبيعة المعروفة للحكومة الزبائنية.

وقد جرى ذلك بخلق مصالح اقتصادية واجتماعية، متنوعة، لقوة اقتصادية واجتماعية لا تنتمي حقيقةً لإيديولوجيا النخبة التي أمسكت بمفاصل السلطة والثروة لتصبح جزءًا من المنظومة الحاكمة، بحكم حرصها على ما تحقق لها من مصالح. فالإنقاذ وحزب المؤتمر الوطني وفقًا لهذا الإيضاح، هما طيفٌ واسعٌ، لا يمثل أصحاب الإيديولوجيا الحاكمة فيها، سوى رأس الهرم.

 

تتكون هذه المنظومة المستتبعة بمصالحها، الداعمة لما هو قائم من أوضاع، من جماعاتٍ تجارية وأحزاب لها ارتباطات بالمصالح التجارية، وحركات مسلحة، وجهات ذات طبيعة عشائرية ودينية متنوعة. لذلك فإن الثورة لا تعني اقتلاع رأس هرم هذه المنظومة، وإنما إعادة تشكيل هياكل نظام الدولة لتصبح الدولة دولة الجميع، بعد أن جرى تحويلها إلى دولة خادمة لأصحاب الإيديولوجيا الحاكمة وما استتبعت من قوى مجتمعية، وفقًا لهذا النهج الزبائني، المعروف في العلوم السياسية. أكثر من ذلك، يمكن أن تتشكل في بدايات الثورة – أقصد هنا أي ثورة – نفس التركيبة الزبائنية التي كانت سائدة في النظام المقتلع.

لذلك لا ينبغي أن ينخدع الثوار ويظنوا أن من أتوا بهم إلى الحكم مجرد ملائكة أطهار، هبطوا عليهم من السماء. فالسلوك البشري يتبع أنماطًا وميكانيزمات تعيد إنتاج نفسها، في كل سياق جديد، بصورة جديدة. هذا هو الذي جعل كثيرًا من الثورات تحدث في موجات؛ متعاقبة، موجةً أثر موجة.

 

شهدت الفترة الماضية استهدافا مركزا على شخصيتين من الذين أتت بهم الثورة إلى مناصب عامة، وهما وزير الصحة الدكتور أكرم على التوم، ومدير قسم المناهج بوزارة التربية والتعليم الدكتور عمر القراي. دوافع الحملة على هذين الشخصين منطلقة من غرضين:

الغرض الأول شيطنة الفترة الانتقالية، بغرض هلهلتها قبل الانقضاض عليها بصورة من الصور.

أما الغرض الآخر، فهو لأن هذين المسؤوليْن لمسا أهل المصالح في مواضع موجعة تتعلق بما حصلوا عليه من مزايا نتيجة لزبانتهم للنظام المدحور، سواءً في تجارة الدواء، أو تجارة الاستطباب، أو تجارة طباعة الكتب. لكن، ما يثلج الصدر، أن عديدًا من الأقلام انبرت لفضح الدوافع الحقيقية للحملة، وقد بدأت علائم اندحارها الآن.

خلاصة القول إن حراسة الثورة هي مسؤولية جماهير الثورة، وأن بلوغ الثورة أهدافها ليس نزهة، وإنما وقوفًا على أهبة الاستعداد لدحر التواءات الملتوين.

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.