آخر الأخبار
The news is by your side.

محاضرة هوية السودان القومية بمركز العز بن عبدالسلام

محاضرة هوية السودان القومية بمركز العز بن عبدالسلام

الخرطوم : عبدالرحمن الكيال

أقام مركز العز بن عبدالسلام الثقافي للدراسات العربية الإسلامية الأفريقية في مقرة الدائِم بالخرطوم بحرى شمبات ، يوم السبت الماضي ، محاضرة جديدة تحت عنوان “هوية السودان القومية : منظور آركيولوجّي -تأريخي” قدمها البروفسور عبدالرحيم محمد خبير أستاذ آثار أفريقيا و الشرق الأدنى بكلية العلوم الإنسانية -جامعة بحري.

وقال المحاضر مشيراً الى شواهد أثرية و تأريخية من تأريخ السودان الحضاريّ : أن الحديث عن الأصل السُّلالي لسكان السودان القديم ومؤسسي ممالك كوش (كرمة، نبت -مروي) كل مثار جدل بين الباحثين في علوم الآثار و التاريخ و الأنثروبولوجيا لفترة (2500_1500ق.م ؛ 900 ق.م _350م) من الزمن حتى توصل غالبية الدارسين مؤخراً الى أن مبتدعي هذه الحضارات الكوشيّة أقوام محليون و ليسوا أجانب.

وقال بروفسور عبد الرحيم محمد خبير في سياق حديثه عن هوية السودان القومية: منظور آركيولوجّي -تاريخي إن السجل الآثاري يوفدنا بحدة آراء عن سكان ممالك كوش وحكامها ( ممالك كرمة :2500 _ 1500 ق.م ونبتة -مروي : 900 ق.م _350م)
تنحصر في ثلاث فرضيات :
الفرضية الاولى _ فرضية الأصل المصري :
يرى أصحاب هذه الفرضية أن أهل مملكة كرمة (2500_1500 ق.م ) مجموعة بشرية استوطنت البلاد منذ أيام الدولة الفرعونية المصرية القديمة (2686_2181 ق.م ) وربما قبل ذلك ولم يطرأْ على اهلها إلا مسحة ضئيلة من العنصر الزنجي. ويدير مملكة كرمة إداري مصري يدعي هبزيفا Hapazefa. ويزعم مؤيد. هذه الفرضية وأبرزهم بي وبرستد أن ملوك كوش “نبتة دمروي” هم مصريون من كهنة الإله آمون التي فرت إلى النوبة ورجعت ثانية ورجعت ثانية لمصر واستولت على مقاليد الحكم في عهد الأسرة الخامسة والعشرين (900ق.م-350م). ويستدلون على ذلك بتمسّك الملوك الكوشيين بعبادة الإله آمون لوجود كهنة آمون بالبلاد منذ القدم كما وأن بعض أسماء الملوك الكوشيين في العهد النبتي- المروي مصرية مثل اسم “بعنخي او بيي” وحرسيوتف.
ويلاحظ أن الطابع المصري لأصحاب البيت الحاكم في كوش يرجع إلى طول استيطان الحضارة المصرية في السودان من عصور موغلة في القدم بما في ذلك استقرار اعداد كبيرة من المصريين في النوبة ليعملوا ضمن افراد الإدارة المصرية أو تحت إدارة الحكام المحليين في أزمان متباينة. أما ما يتعلق ببعض أسماء الملوك الكوشيين المصرية مثل: “بعنخي” و “حرسيوتف” ونفر من الأمراء مثل:”حور ماخيتس” ابن الملك شباكو (715-702 ق.م) والأميرة “أمنرديش” وتعني “عطية آمون وهي ابنة الملك كاشتا (760-751 ق.م) وغيرهم فهي قليلة وتومئ إلى تغلغل الثقافة المصرية الفرعونية آنذاك سيما في الفترة الباكر لمملكة كوش (العهد النبتي).
وعن فرضية الأصل الليبي تحدّث بروفسور خبير عنها قائلاً: إن واضع هذه الفرضية هو الأمريكي جورج رايزنر منقّب مدافن المؤسسين لدولة كوش (العهد النبتي) بموقع الكرو.
اعتقد رايزر أن مدافن أسلاف الملوك الكوشيين ترجع إلى فرع من الليبيين الجنوبيين (الطمياح). وأعتمد في تعضيد فرضيته على بعض نتائج الحفر في الجبّانة الملكية بالكرو. وقد تم العثور على ٣٢ سهماً كلها ذات طابع ليبي كما ادعى أن أسماء أفراد الأسرة الحاكمة في نبته ليبية الأصل وأن المقطع (-قه) الموجود في الكثير من الأسماء الملكية الكوشية مثل: تهارقة وأمطلقة وأماني سطبارقة وغيرها يشابه المقطع (-قه) الموجود في رسم الملك الليبي شيشنق. غير أن لهذه الفرضية تصمد طويلا إذ اتضح للدارسين أن عدد رؤوس السهام المحلية أكثر من عدد رؤوس السهام ذات الطابع الليبي كما وأن نوعية تلك السهام المجنّحة كان منتشراً في كثير من أقاليم وادي النيل منذ عصور ما قبل التاريخ.
وقال بروفسور خبير إن طائفة من علماء الآثار وباحثيها تبنّت فرضية الأصل المحلي السوداني وأكدتها ورشة المؤتمر العالمي السابع للدراسات المروية ببرلين- والتي انعقدت في عام ١٩٩٢م – والتي كان موضوع بحثها الرئيسي:”أصل دولة نبته” وأكدت بالإجماع هوية دولة كوش الثانية (نبتة ومروي) (٩٠٠ ق. م – ٣٥٠م) وبأنها “هوية محلية سودانية”.
وأشارت المحاضرة إلى الأصل البلمي البجاوي، والأصل الكومي، والأصل النبتي، والأصل المروري-البجراوي.
وقال بروف خبير في سياق حديثه عن الشخصية القومية من منظور آركيولوجي تاريخي: دراسة حالة السودان-إن السودان كتراكم ثقافي تاريخي ظهر إلى حيز الوجود منذ آجال سحيقة في التاريخ. والمقصود بلفظ “السودان” هنا جمهورية السودان بحدودها السياسية الحالية. فضلا عن المشيّخات والسلطنات والممالك التي كانت قائمة داخل هذه الحدود منذ أزمان بعيدة. وكنت هذا القطر أقوام عديدة متنوعة الأعراق والثقافات.
ورغم أن سؤال الهوية القومية في السودان: من نحن؟ ما علاقتنا بالآخر وماذا نريد أن نكون؟ قد طرح بشكل جليّ منذ عهد الحكم الثنائي (الإنجليزي – المصري) وعبّرت عنه أهداف كل من جمعيتي “الاتحاد السوداني ١٩٢٠م” و” اللواء الأبيض ١٩٢٤م” ومؤتمر الخريجين (١٩٣٨م-١٩٥٥م). ولكن باستقراء التاريخ نلاحظ أن السودانيين استطاعوا إنشاء العديد من الممالك والدول التي قوامها خليط شتّى من الأجناس والثقافات مدفوعين بأشواق الوحدة الثقافية والسياسية التي يتوقعون إليها منذ عشرات القرون.
وذكر المحاضر في معرض حديثه عن هوية السودان القومية: منظور آركيولوجي – تاريخي أن حالة الشخصية القومية للنموذج السوداني – من منظور آركيولوجي – تاريخي- يمكن استبانتها في ثلاثة أبعاد هي:
أولا- البعد الإثني(العرقي).
ثانيا- البعد الثقافي – الاجتماعي.
ثالثاً- البعد السياسي.
وفي معرض حديثه عن العادات والتقاليد السودانية ذكر المحاضر أنه من أبرز خصائص أهل السودان جميعا هو التداخل الأسري والتلاحم الاجتماعي في الأفراح و الأتراح. مشيراً إلى الشلوخ-باعتبارها من العادات الجامعة لأهل السودان، حيث ترجع هذه الممارسة إلى العهد الكوشي المروري (٩٠٠ق.م-٣٥٠م) إذ تبيّن أنها من الممارسات المألوفة في السودان القديم.
ومن العادات التي لا تزال مستمرة في أغلب بقاع السودان عادة استخدام السرير الخشبي (العنقريب) وحمل الموتى عليه. وترجع عادة استخدام العنقريب لحمل الموتى إلى ما يزيد عن أربعة آلاف عام إذ ترجع إلى مملكة كرمة (٢٥٠٠-١٥٠٠٤ق.م) بشمال السودان حيث كان يوضع المتوفى على سرير خشبي (عنقريب) في وضع قرفصائي داخل المقبرة وثمّة إشارة هنا وهي أن العنقريب الكرمي كان يطعم أحياناً بالمايكا والعاج.
وقال بروفسور عبد الرحيم خبير أستاذ آثار أفريقيا والشرق الأدنى بكلية العلوم الإنسانية جامعة بحري إن الفخّار يعتبر من أكثر أنماط الفنون المادية التي تكشف بجلاءٍ عن الهوية الثقافية لأصحابه. ولقد تميزت فخاريات عصور ما قبل التاريخ في السودان بأنها بدوية الصناعة، وتميل في معظمها اللون البني بدرجات متفاوتة وكما وأن بنياتها تتراوح بين الرمل (الكوارتز) والمواد العضوية (الطين والقش).
وخلص المحاضر إلى أن هنالك قواسم ثقافية وحضارية مشتركة في اللغة والعادات والتقاليد وأشواق الوحدة السياسية لأهل السودان جميعا. وهذا وإن دلّ على شيء فإنما يدل على أن هنالك شعوراً بالانتماء المشترك لسكان السودان منذ القدم. وليس أدلّ على ذلك من مشاريع النهوض الحضاري (ثقافياً-تقنياً-وسياسياً) والتي كشفت عنها الحفريات الآثارية والسجلات التاريخية والتي لا تجترحها إلا أمة تشعر بتمايز عن غيرها من الأمم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.