آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات  رمضانية…في الآية 5 من سورة آل عمران

تأملات  رمضانية…في الآية 5 من سورة آل عمران

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 5 من سورة آل عمران: “إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ”.

رغم أنه لا يوجد نص قرآني يدل على أن المسيح لم يمت وأنه مازال حيا يعيش في السماءلينزل الى الأرض فيقيم فيها العدل آخر الزمان، إلا أن هنالك قناعة عند تيار عريض من المسلمين بذلك، لذلك شكلت هذه المسألة نقطة خلاف عميق، لدرجة أن البعض ممن يتبنونها يكفّرون من ينكرها، رغم أنها تعتبر من الروايات التي لا دخل لها في شأن العقيدة.

هذه الآية تؤكد بشكل قاطع أن توفي الله المسيح عليه السلام كان سابقا لرفعه إليه، والوفاة تعني الموت، لذا فإن المعنى المباشر هو أن الله تعالى توفى المسيح عليه السلام قبل أن يصل إليه الذين كفروا، حتى لا ينالوا منه، ولم يرد له أن ينالوا حتى من جسده الطاهر، فرفعه إليه.

والدليل المادي على ذلك، أن التابوت الحجري الموجود في كنيسة القيامة، وقيل أنه مسجى فيه جسد المسيح بعد صلبه فارغ!، ولا أحد يقدم لك تفسيرا لذلك.

إذاً فرفع الله المسيح ليس لإنقاذه من الموت، فهو تعالى قادر على حمايته، بل لأنه قدر انتهاء مهمته التي خلقه من أجلها

كان موضوع صلب المسيح عليه السلام نقطة خلاف بين أهل الكتاب والمسلمين، فهم مصرون على أنه قد صلب ومات، لكن الله نفى ذلك بالقطع: “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ یَقِینَۢا . بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ” [النساء:157-158]،

لكن ولأنه من صلب العقيدة الإسلامية الإيمان بالرسالات السابقة، فقد درج المسلمون على احترام معتقدات أهل الكتاب، لذلك لم يجادلوهم فيما يعتقدون، بل وأخذوا كثيرا من رواياتهم التي لم تذكر في القرآن، لذلك تسربت كثيرا من معتقداتهم ومبتدعاتهم.

كان احبار اليهود يبشرون قومهم بأن المسيح سيأتي لينقذهم ويهلك أعداءهم، لكنه لما جاء منذرا لهم ومصححا لمسلكهم المعوج أنكروه واتهموه أنه دجال فحرضوا الرومان عليه، وقالوا أن المسيح الحقيقي سينزل لكي يقيم لهم مملكة يحكمون بها العالم وأكبر من مملكة داود.

ولما كان المسيح وكل الأنبياء قبله دعوا الى الإسلام، فكان من المنطقي لمن اعتقد بذلك أنه إن أعاده الله الى الأرض، سيدعو لاتباع دين الله الإسلام، خاصة وأنه لا يوجد ذكر لديانة بمسمى الديانة المسيحية أو اليهودية في أي من كتب الله، وثابت أن الدين عند الله مسماه الإسلام.

يبقى السؤال: هل الإصرار على أن المسيح عليه السلام حي لا يموت هو لأجل التوافق مع قصة نزوله آخر الزمان، وهل من حاجة لإبقائه حيا إن أراد الله ذلك؟..أليس الله بقادر على أن يحيي الموتى وأن يبعث من في القبور؟.

على أنه يجب التنبه الى جملة من المطبات التي وقع فيها الفقهاء الذين يقولون بأن المسيح باق حيا ولم يمت بانتظار نزوله الى الأرض، وأهمها:

1 – لم يقل الله تعالى أنه لم يمت بل “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ”، بالمقابل يقول: “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ” [آل عمران:185] كحقيقة مؤكدة لا استثناء لها، كما أنه تعالى نفى أن يكون لبشر الخلد “وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍۢ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ” [الأنبياء:34]، فلا يمكن أن يكون هنالك تناقض في كتاب الله، بل هذا يخدم ادعاء من يقولون بعدم بشرية المسيح وبألوهيته أو بنوته لله حاشاه عز وجل.

2 – إن مقولة مملكة السماء التي سيقيمها المسيح في الأرض يهودية، ولذلك تم اختراق المعتقد المسيحي من قبل شاؤل اليهودي (بولس) بداية، ثم قسطنطين ثم البروتستانتية، حتى وصلت أخيرا الى المسيحية الصهيونية فكانت هي الأساس التي قام عليها الكيان اللقيط، واصبحت عقيدة المحافظين الجدد الذين يعملون على توفير ما يلزم لتحقيق هذه النبوءة.

يفترض بالفقهاء المسلمين الوعي لكي يحصنهم من تقبل الاختراقات، وعليهم مراجعة الروايات التراثية التي اختلط فيها الصحيح مع المدسوس، وعرضها على كتاب الله فنصوصه واضحة، وما لم يجدوه فيه فلا حاجة لنا به.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.