آخر الأخبار
The news is by your side.

الطريق إلى حلايب يمر عبر الفشقة (2_3)… بقلم: أمجد هاشم

الطريق إلى حلايب يمر عبر الفشقة (2_3)… بقلم: أمجد هاشم

بالعودة إلى الإدعاءات المثارة في الجزء الأول من هذا المقال حول أن معركة إسترداد الأراضي السودانية المحتلة في الفشقتين ما هي إلا حرب بالوكالة يخوضها السودان بالنيابة عن مصر، و هي الإدعاءات التي صاحَبَها سيل من الإتهامات المنتشرة في السوشيال ميديا والتي تستبطن جميعها نظرية المؤامرة و تتفق في مجملها على التساؤل (لماذا الفشقة الآن و ليس حلايب بما أن كلاهما محتلتين؟؟!!!).

دعونا أولاً نبتعد بهذه الإدعاءات و الأسئلة قليلاً عن منهج الدروشة السياسية و نُخضِعَها لمنطق العقل الاستراتيجي و لنبدأ بإستعراض الفرص الآنية التي أتاحت للسودان إسترداد مليوني فدان من أخصب الأراضي الزراعية ظلت تستغلها إثيوبيا على مدار سنوات طويلة و يٌقال أنها تدر على الخزينة الإثيوبية سنوياً ما يقدر بمليار دولار من عوائد تصدير السمسم الأبيض، و أول هذه الفرص أن إثيوبيا حالياً في أضعف حالاتها أمام السودان الذي يمتلك عدة كروت للضغط أقلها القدرة على تأزيم النزاعات الداخلية المتفجرة في أقاليم عفر و التيغراي و بني شنقول و هي الأقاليم التي تقاوم حالياً محاولات الهيمنة الأمهرية.

الأمر الذي سيجعل الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا تفكر ألف مرة قبل أن تتهور و تنجرف إلى حرب مفتوحة، فإثيوبيا المركزية تدرك جيداً أنه في حال توسعت المناوشات خارج نطاق الفشقة فالسودان قادر على فتح أراضيه و توفير خطوط إمداد و ملاذات لمقاتلي التيغراي على طول خط الحدود، بالإضافة إلى أن قوات إقليم الأمهرا مشتتة حالياً بين أقاليم عفر و بني شنقول و التيغراي و ليس بمقدورها فتح جبهة رابعة مع السودان.

إن الفرص الآنية بطبيعتها قد لا تتكرر مرة أخرى لذا يجب إقتناصها، و الدولة الإثيوبية الفيدرالية متعددة القوميات التي أسسها ملس زيناوي بعد إسقاطه نظام منقستو هيلا مريام في بداية التسعينات هي الآن في مرحلة الإنتقال و التحول إلى دولة إثيوبيا المركزية القابضة التي تهيمن عليها قومية الأمهرة و بالتالي فإن تعافي إثيوبيا من إرتدادات هذا الإنتقال الصعب و عبورها بسلام من دولة زيناوي الفيدرالية إلى دولة أبي أحمد المركزية سيجعل تكلفة إسترداد الفشقة حينها باهظة جداً.

لِفَهم ما يجري في الداخل الإثيوبي علينا العودة إلى العام 1974 عندما أسقط منقستو هيلا مريام الإمبراطور هيلا سيلاسي و منذ ذلك الحين ظل الأمهرة (الداعم الأساسي لأبي أحمد) يحلمون بإستعادة أمجادهم القديمة التي فقدوها لما يقارب النصف قرن وقد تلاقت أحلامهم الإمبراطورية مع تطلعات أبي أحمد الأورومي من جهة أبيه و الأمهري من جهة والدته و هو ما عزز فرصه في الوصول إلى رئاسة ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الحاكم في العام 2018 و أول قرار إتخذه كان التقارب مع أريتريا الذي تمخض عنه تنازل أديس أبابا عن منطقة بادمة المتنازع عليها و هي الصفقة التي إعتبر التيغراي أنها تمت على حسابهم.

إن العلاقة بين أبي أحمد و قيادات قومية الأمهرة هي علاقة مصلحية غير متوازنة فقد إعتمد أبي أحمد في نزاعه الأخير مع التيغراي على قوات إقليم الأمهرا بصورة واسعة و بدا مجبراً في تعديلاته الوزارية الأخيرة على إحلال قيادات الأمهرة في المواقع الوزارية المهمة و هو ما يعني خطل الحديث عن حل مشكلة الفشقة ديبلوماسياً في ظل حكومة يسيطر عليها الأمهرا و هم أصحاب الأطماع التوسعية الكبرى في السودان و التي يستندون فيها على إدعاءات تاريخية تتجاوز الفشقة إلى الأراضي السهلية الممتدة حتى حدود الخرطوم و بالتالي فإن أبي أحمد بالتأكيد لن يجازف بالتنازل عن الفشقة لأن التنازل سيعني خسارة الأمهرة و هو فعلياً قد خسر الجميع و لم يتبقى حوله غير الأمهريين.

في هذا السياق يمكننا أن نفهم الدافع وراء مماطلة الإثيوبيين في وضع النقاط الحدودية و مطالبتهم بإنسحاب الجيش السوداني إلى نقاط إرتكازه ما قبل إندلاع العمليات الأخيرة وإعلان الوفد الإثيوبي في مفاوضات الحدود لأول مرة عدم إعترافه بخط (قوين) و هو ما يعني عملياً سحب إعترافهم السابق بسودانية الفشقة و إعادة التفاوض على مجمل الحدود الإثيوبية السودانية و ذلك باب سيغري فتحه دول أخرى مثل أريتريا و أفريقيا الوسطى و تشاد على إقتطاع أراضي سودانية متاخمة لهذه الدول التي لديها إدعاءاتها هي الأخرى المتعلقة بالحدود الموروثة من الإستعمار و التي فرضتها التوازنات بين القوى الإستعمارية.

من ناحية أخرى يمكننا أن نفهم في ذات السياق الهدف من وراء رسالة أبي أحمد المفتوحة باللغة العربية و هو تصدير حالة الإنقسام الداخلي الإثيوبي إلى الرأي العام السوداني شراءً للوقت إلى حين القضاء تماماً على ثورة القوميات و الفراغ بعدها لتأمين الفشقة و ربما التوسع أبعد منها، و هنا يصبح سؤال البعض منا (لماذا الفشقة الآن و ليس حلايب؟؟!!) خارج نطاق التفكير الإستراتيجي المنطقي و أقرب إلى الدروشة السياسية و إفتقاد البوصلة.

مع ذلك دعوني أخضع نفس السؤال لمنطق العقل الإستراتيجي و لكن من زاوية تحليل الأوضاع في الداخل المصري و حينها سنجد أنه بعكس الفشقة فإن الخيار العسكري ليس هو الخيار الأمثل إستراتيجياً لإسترداد حلايب فالسودان يمتلك إزاء مصر خيارات أخرى قد تأخذ زمناً أطول و لكنها أقل تكلفة و أكثر مأمونية و ستُجبر المصريين على الخضوع للرغبة السودانية في تحويل قضية حلايب إلى التحكيم الدولي.

يتبع… مصر هبة السودان (3_3)

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.