آخر الأخبار
The news is by your side.

الدعم .. عرض و نقد و بدائل مقترحة … بقلم: محمد حيدر

الدعم .. عرض و نقد و بدائل مقترحة

بقلم: محمد حيدر احمد

اللجنة الاقتصادية لحزب البعث العربي الاشتراكي

ظلت قضية الدعم من عدمه مثار نقاش بين العديد من المشتغلين بالعمل العام من حكومات و

أحزاب سياسية و منظمات مجتمع مدني و أكاديميين مختصين ،. بل و أصبحت قضية رأي عام

يتم مناقشتها والحديث حولها في كل المجالس تقريباً ، و كثيراً ما يكون لإتخاذ الحكومات أي قرار

بشأنها ردات فعل جماهيرية شعبية كبرى كما حدث في ٢٠١٣م .

ترتبط قضية الدعم بمعاش الناس و حياتهم بصورة أساسية و لذلك فالنقاش حولها يجب أن

ينتقل من خانة السطحية و العموميات إلى الاستفاضة والإحكام ، فالدعم الحكومي ليس هدفاً

لذاته و إنما هو آلية لحفظ التوازنات الاجتماعية كمدخل أولي لمعالجة الفوارق في الدخول بما

يمكن من الانتعاش الاقتصادي الشامل و يقارب مستويات الدخل لدى أغلب الفئات الاجتماعية

المتوسطة والقليلة الدخل .

الدعم الحكومي ليس مِنة أو عطية تمنحها الحكومات للشعوب ، بل هو حق طبيعي للشعوب

في التمتع بمواردها و بعدالة ، ولا يجب النظر إليه كتشوه في الاقتصاد لأن هذه النظرة تعكس

استعلائية مرفوضة من الحكومات تجاه الشعوب .

سنناقش في الفقرات القادمة بتوسع غير ممل بعض تشابكات هذه القضية و تداخلاتها و

تقاطعاتها مع العديد من قضايا الاقتصاد الأخرى.، وسنطرح بعض المعالجات التي قد تسهم في

ضمان استمرارية الدعم و توزيعه بصورة أكثر عدالة .

# الدعم السلعي و الدعم النقدي :

تقوم العديد من البلدان ( المتقدمة منها والنامية على حد السواء ) بتقديم الدعم ( السلعي أو

النقدي ) وذلك في إطار أداء الوظيفة الاجتماعية المتفق عليها للدولة ، بهدف تعزيز النمو و

ضمان التشغيل الكامل وتخفيض معدلات البطالة و الفقر و تأمين توزيع أكثر عدالة للقيم و

الخدمات و الموارد في المجتمع .

و مما لا شك فيه فإن سياسات الدعم السلعي و الدعم النقدي لديهما العديد من الإيجابيات و

العديد من المثالب ، و التجارب المحلية و الدولية المتباينة قد أعطت صورة أكثر وضوحاً من حيث

ما إذا كان من الضرورة استمرار هذا أو إستبداله بذاك ، وبرغم كثافة التجارب الدولية في هذا

المجال فهي و بالضرورة لا تغني عن دراسة الواقع المحلي ( اجتماعياً و سياسياً ) قبل إتخاذ

أي قرار من هذا القبيل .

تقوم الحكومة السودانية حالياً بتقديم الدعم السلعي للمواطنين بدون تمييز في ثلاثة سلع

أساسية وهي ( المحروقات – دقيق الخبز – الأدوية ) و تطبق نظام الدعم التقاطعي على سلعة

( الكهرباء ) ، وهي بذلك تعتبر الدولة الأقل دعماً للسلع ( من ناحية تنوعها ) في المحيط

الإقليمي ( مصر و ليبيا و الجزائر نموذجاً ) .

سابقاً كانت الدولة تقدم دعماً لسلع أكثر تنوعاً بإستخدام نظام البطاقات التموينية ولكن مع

تبني سياسات التحرير الاقتصادي تراجعت الدولة عن الكثير من الدعم الذي كانت تقدمه حتى

استقرت على السلع الأربعة المذكورة آنفاً ، وحتى هذا الدعم السلعي المحدود لم يسلم من

التعرض له و تخفيضه مرة تلو أخرى خصوصاً في السنوات الأخيرة .

صاحبت عملية التخلي و التراجع عن الدعم السلعي و في كل مرة عمليات احتجاج جماهيري و

حراك شعبي واسع رفضاً لتخلي الدولة عن وظيفتها الاجتماعية تجاه شعبها ، كانت سبتمبر

٢٠١٣ م هي أبرز تجليات هذا الرفض و قدم فيها شعبنا المئات من الشهداء و الجرحي مما اضطر

قادة النظام البائد للتراجع المؤقت حينها و إعادة المحاولات بالتخلي التدريجي عن الدعم لاحقاً

في ٢٠١٤ – ٢٠١٦ – ٢٠١٨م .

غياب الحريات و تراكمات الظلم و الضيم و اتساع الفوارق الاجتماعية و انعدام العدالة و اشتداد

الضائقة الاقتصادية، كل تلك الأسباب و غيرها كانت دافعاً لقيام الشعب بإقتلاع النظام البائد في

ثورة ديسمبر المجيدة ، ومن ثم تواثق الجميع على بناء دولة مغايرة للدولة القديمة – دولة قائمة

على تحقيق العدالة الاجتماعية و منحازة بشكل أساسي للفقراء والمساكين وهم غمار هذا

الشعب ، وتم صياغة هذه النصوص بشكل واضح في الوثيقة الدستورية .

من أهم الفوائد المرجوة من استمرار الدعم السلعي والتوسع فيه :

1- يرجى منه تحقيق عدالة إجتماعية أكبر .

2- يخرج الكثيرين من دائرة الفقر .

3- يحسن من حالة الصحة العامة لأفراد المجتمع .

4- يزيد من الرضا المجتمعي على أداء الدولة .

5- يساهم في تحقيق الاستقرار والأمن المجتمعيين .

6- يساهم في تحقيق نمو إقتصادي متوازن .

المخاطر أو الانعكاسات السالبة المرتبطة بالتخلي عن الدعم السلعي أو استبداله :

1- التخلي عن الدعم السلعي يدفع بالغالبية الساحقة من المواطنين نحو هاوية الفقر .

2- يرتبط التخلي عن الدعم السلعي بزيادة حالات الانفلات الأمني .

3- يخلق التخلي عن الدعم السلعي حالة من التوترات و الاضطرابات الاجتماعية والسياسية .

4- يعزز التخلي عن الدعم السلعي من الفوارق الطبقية بين أفراد المجتمع بما ينعكس سلباً

على استقراره .

5- يقلل التخلي عن الدعم السلعي من نسبة النمو الاقتصادي بسبب الخروج المحتمل لكثير

من المواطنين من دائرة الإنتاج .

6- ينعكس التخلي عن الدعم السلعي سلباً على نسبة الالتحاق بالتعليم والتقدم فيه وينعكس

أيضاً على مستويات الصحة العامة للغالبية الساحقة من المواطنين .

الإشكاليات التي يثيرها الدعم السلعي :

من الإشكاليات التي يثيرها الدعم السلعي هو مدى استفادة الجهات المستهدفة بالدعم ( أي

الفئات الأقل دخلاً ) فهي محدودة الاستهلاك و من ثم فإن استفادتها المباشرة من الدعم

الحكومي للسلع تكون محدودة من الناحية الكمية ، وهذه النقطة يثيرها القائلون بعدم عدالة

الدعم السلعي و بأن الأكثر استفادة منه هم الأقل حوجة له و قد يكون هذا الزعم صحيحاً في

بلدان أخرى غير السودان ، فالتجربة العملية في السودان أثبتت أن الدعم السلعي الحالي و

على محدوديته إلا أنه أكثر عدالة مقارنة ببدائله ، فقط يحتاج لزيادة إحكام نظمه و تطوير آلية

توزيعه ، ولا يجب التخلي عنه أو استبداله بسبب هذه الإشكاليات التي يمكن التغلب عليها ،

وسنطرح العديد من المعالجات في هذه النقطة بنهاية الدراسة .

إحصائيات صندوق النقد الدولي نفسه ( وهو الداعي الأول لاستبدال الدعم السلعي بالدعم

النقدي ) تتحدث عن أن 20٪ من الدعم السلعي يستفيد منه الفقراء ، و 20٪ منه يصل لفائدة

الطبقة الغنية ، أما ال 60٪ من الدعم فتستفيد منها الطبقة الوسطى ، وذلك حسب الدراسات

التي أعدها الصندوق حول تجارب بعض البلدان في رفع الدعم ، ولكن من الملاحظ أن الطبقة

الوسطى في السودان تكاد تكون قد تلاشت تقريباً بفعل سياسات التمكين الاقتصادي التي

اتبعها النظام البائد الفاسد ، الطبقة الوسطى صارت ( في غالبها ) جزء من طبقة الفقراء وجزء

قليل منها التحق بطبقة الأغنياء ، لذا فإن الزعم بأن الدعم ( في أغلبه) يستفيد منه الأغنياء هو

زعم مردود عليه بأرقام وأدلة المؤسسات التي تتبناه نفسها .

و من الإشكاليات التي يثيرها الدعم السلعي هي مشكلة التهريب ، فيزعم رافضوا سياسات

الدعم السلعي بأن هناك نسبة مقدرة من السلع المدعومة ( تارة يتحدثون عن أنها تصل إلى

40٪ وأحياناً يقولون أنها تصل إلى 25٪ ) ، هذه النسب تصل إلى دول الجوار عن طريق المهربين

، وأيضاً هذا الزعم مردود عليه فأولاً هذه النسب لا تقارب الحقيقة و ثانياً التهريب لا يقتصر على

السلع المدعومة فقط بل يمتد ليشمل تقريباً كل السلع الاستهلاكية والاساسية .

التهريب مشكلة كبيرة ولكن الحل لا يكمن في رفع الدعم بل في ضبط تشريعات التجارة

الحدودية أولاً و قيام الجهات المسئولة المختصة بدورها في ضبط الحدود و مراقبتها .

المتضرر الأكبر من سياسة رفع الدعم عن السلع أو استبداله سيكون هو المواطن السوداني

الفقير نفسه الذي المدافعين عن رفع الدعم أنهم يسعون لخدمته .

الإشكاليات المحيطة بالدعم النقدي المباشر :

1- غياب البيانات الإحصائية التي يمكن على أساسها تحديد المستحقين الفعليين .

2- غياب الهياكل الإدارية التي يمكن من خلالها التوزيع والتوجيه و الرقابة على الدعم النقدي

المباشر .

3- عدم السيطرة على التضخم ( أو ) إحتمالية حدوث أزمات عالمية ترفع أسعار الغذاء و

المحروقات مستقبلاً ( أو ) إنخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى كما يحدث الآن – كل هذه

الاحتمالات ترفع من أسعار الغذاء و المحروقات و من ثم بقية السلع تباعاً ، ترتفع الأسعار إلى

مستويات فوق قدرة المواطن البسيط و بما يجعل المبالغ المرصودة للدعم النقدي بلا قيمة تذكر.

4- من الإشكاليات المحيطة بالدعم النقدي المباشر هو عدم ضمان وصوله إلى جميع أفراد

الأسرة المستهدفة و عدم ضمان إنفاقه بصورة صحيحة .

5- الدعم النقدي المباشر يعزز النمط الاستهلاكى ( بزيادة عرض النقود ليد المستهلك) مما

يؤدي إلى المزيد من الارتفاع في الأسعار و هذه السياسة لا تتناسب والاقتصاديات التي تعاني

من التضخم المستمر في التفاقم و لا تتناسب مع عدم استقرار سعر الصرف .

6- الدعم النقدي المباشر هو تكريس للسياسات التي ترجح تضخيم و تعظيم الطلب

الاستهلاكى في البلدان النامية بديلاً لخيار دعم و تحفيز الإنتاج فيها مباشرة لزيادة العرض .

التجربة العملية للتخلي عن الدعم السلعي و استبداله بالدعم النقدي المباشر في السودان :

قامت الحكومات المتعاقبة في عهد النظام البائد بالتخلي التدريجي عن الدعم السلعي برغم

الاعتراضات و الاحتجاجات الشعبية المستمرة – هذا التخلي التدريجي أوصل الدعم السلعي

إلى حده الأدنى – وكان هذا التخلي عن الدعم دائماً بذريعة الترشيد و معالجة اختلالات الموازنة

العامة ، ولكن التجربة العملية الممتدة أثبتت أن رفع الدعم لم يحقق سوى زيادة الفقر واتساع

رقعته و ازدياد تكاليف المعيشة بغلاء الأسعار ولم يعالج هذا الرفع اختلالات الموازنة العامة بل

حدث العكس فازداد عجزها ووصل مستويات قياسية ، و لم يحدث الترشيد المزعوم فانهيار سعر

الصرف كان دائماً وأبداً ما يرفع من النسبة الرقمية للدعم في بنَد الميزانية .

إستمر الطاقم الاقتصادي لحكومة الثورة في تطبيق نفس النهج الاقتصادي للنظام البائد فقام

باستحداث سعر تجاري للمحروقات أدى تلقائياً إلى انعدام المحروقات بالسعر المدعوم تقريباً أو

التعامل فيها في الحد الأدنى المحدود جداً ، وكان قبلها قد تراجع ( جزئياً ) عن دعم دقيق الخبز

من ( 80 جرام بواحد جنيه) إلى ( 40 جرام بواحد جنيه ) .

أدت هذه السياسات إلى مزيد من إحكام الضائقة الاقتصادية على المواطن .

هذه السياسات مع سياسات أخرى غير مدروسة ( مثل زيادة الأجور غير المتسقة ) وبالإضافة

إلى جائحة كورونا قامت برفع معدلات التضخم إلى نسب غير مسبوقة تناهز ال 200٪ مما فاقم

من نسبة الفقر و ساهم بنسبة ما في زيادة الاحتقان المجتمعي الذي انفجر في بعض أرجاء

البلاد .

من ناحية أخرى فقد وجدت هذه السياسات الاحادية معارضة مجتمعية و شعبية واسعة عبرت

عنها قوى الثورة و منظماتها .

رافق تطبيق سياسات رفع الدعم السلعي الأخيرة تجربة عملية لاستبداله بالدعم النقدي

المباشر ، حيث كانت وزارة المالية قد حددت مبلغ ( 500 جنيه) شهرياً للفرد و بدأت في تنفيذها

جزئياً وبصورة انتقائية ، هذه التجربة واجهتها كل الإشكاليات المحيطة بالدعم النقدي المباشر

المشار لها سابقاً ، وحتى المبلغ المرصود ( 500 جنيه ) للفرد صار بفعل التضخم لا يساوي أكثر

من 25٪ من قيمته عند تحديده ( أي 125 جنيه ) .

مع كل التحفظات السابقة و بإضافة التجربة العملية فإن التخلي عن الدعم السلعي و استبداله

بالدعم النقدي المباشر لا يناسب الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع

السوداني .

ارتباط دعم المحروقات بتحسين حياة المواطنين :

يدفع الطاقم الاقتصادي لحكومة الثورة بعدم عدالة دعم المحروقات تحديداً وبأن التهريب

يستحوذ على أكثر الدعم الموجه لها و يحاجج بأنه في حال رفع الدعم عنها فلن يتضرر المواطن

البسيط وبأن رفع الدعم عن المحروقات سيجعلها متوفرة وتختفي الندرة ، هذه الدفوعات

والحجج قامت التجربة العملية بتفنيدها واحدة تلو أخرى فالتهريب مثلاً لا يوجد ما يثبت أنه

يساوي غالبية الدعم وفي نفس الوقت لم يتوقف أو يقل التهريب عندما زاد سعر السلعة

بالإضافة إلى أن عملية التهريب ( المخربة للاقتصاد ) لم تكن ترتبط بالسلع المدعومة وحدها بل

امتدت لتشمل كل السلع الأساسية والاستهلاكية والنقدية ( البصل والسكر والصمغ العربي

والذهب نموذجاً ) ، أما حجة انعدام الندرة في حالة رفع الدعم فقد أكدت الصفوف الطويلة أمام

محطات الوقود التجاري هشاشة هذه الحجة ، و أما حجة عدم عدالة الدعم و عدم تضرر

المواطن البسيط في حالة رفعه فهذا الزعم قد أبطلته التجربة العملية الأخيرة ( استحداث

السعر التجاري ) فنحن في بلد تتمركز فيه الخدمات والصناعات و تتباعد فيه مناطق الإنتاج و

مناطق الاستهلاك و تنعدم فيه تقريباً وسائل النقل الرخيصة ( السكك الحديديه ) ويعتمد على

الشاحنات وعربات نصف النقل في نقل وتوزيع البضائع والسلع ، لذا فإن تكلفة النقل في

السودان لها التأثير الأول في تحديد سعر السلعة و تكلفة النقل ترتبط في المقام الأول بارتفاع

سعر الوقود والذي ينعكس تلقائياً على أسعار كل السلع التي تدخل في عمليات الإنتاج .

الدعم و سعر الصرف. :

ينعكس عدم استقرار سعر الصرف على تحديد نسبة الدعم في الموازنة العامة ، فالحكومات

المتعاقبة في عهد النظام البائد قامت برفع الدعم كلياً أو جزئياً عن كثير من السلع الأساسية

وعلى رأسها المحروقات في عديد المرات ولكن لانعدام الاستقرار في سعر الصرف وللتراجع

الدائم في سعر العملة الوطنية فسرعان ما تظهر السلعة مدعومة من جديد .

من الواضح أن معالجة سعر الصرف هي المدخل لمعالجة الاختلالات البنيوية للاقتصاد

السوداني وليس رفع الدعم السلعي .

دعم المحروقات بين ( الإنتاج المحلي والمستورد ) :

السودان بلد منتج للنفط ويمتلك معامل تكرير وإنتاج للمشتقات النفطية ولا يستورد كامل

استهلاكه من المحروقات من الخارج ، هذه النقطة يجب أخذها في الاعتبار عند مناقشة أمر أو

نسبة الدعم .

يبلغ إنتاج البلاد الحالي من النفط 70 ألف برميل يومياً

استهلاك البلاد من الجازولين يبلغ 300 ألف طن شهرياً منها 135 ألف طن شهرياً منتج محلي و 165 ألف طن شهرياً يتم استيرادها .

و استهلاك البلاد من البنزين هو 135 ألف طن شهرياً منها 84 ألف طن شهرياً منتج محلي و 51

ألف طن شهرياً يتم تغطيتها بالاستيراد .

هذا الاستهلاك يشمل كل القطاعات الحيوية و الاستراتيجية ( القطاع الزراعي – الصناعي –

النقل – التعدين ).

لا يمكن بأي حال معاملة المنتج المحلي كالمستورد تماماً ( بذريعة الفرصة الضائعة أو البديلة )

وهي نظرية تعرضت للكثير من النقد والتفنيد .

من الملاحظ أيضاً أن إنخفاض أسعار النفط الخام عالمياً لا تنعكس على الأسعار في السودان ،

فقد تعرضت أسواق النفط العالمية إلى خسائر حادة وصلت إلى أرقام سالبة للبيع الآجل في

بعض الأحيان ولكن ذلك لم ينعكس على أسعار المحروقات لدينا .

تقودنا هذه الفقرة إلى الأرقام التي اعتمدتها موازنة 2020 م في حساب متوسط تكلفة برميل

النفط حيث اعتمدته الموازنة بمتوسط سعر 60 دولار للبرميل في حين أن المتوسط يتأرجح بين

الثلاثين والأربعين دولاراً للبرميل الواحد .

هذا النقاش حول الأرقام لا يجب أن يغيب عنا الفكرة الأساسية المتمحورة حول أهمية الدعم و

ليس حول وجوده من عدمه أو المبالغ المرصودة له .

#قدمت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بالتعاون مع الفريق الاستشاري للسيد رئيس الوزراء

في يونيو الماضي ورقة تدفع فيها بوجهة نظرها حول ضرورة رفع الدعم السلعي بالتركيز على

المحروقات ، وفيما يلي نقدم نقداً مركزاً لهذه الورقة بما يعزز من النقاش حول ضرورة الدعم

السلعي من عدمه .

* الأرقام المتعلقة بسعر الصرف كانت في يونيو ويجب أخذها في ذلك السياق الزمني لأن سعر

العملة الوطنية ( وبفعل السياسات الاقتصادية الخاطئة تماماً ) شهد تراجعاً كارثياً في الأسابيع

الماضية ( مثلاً : اليوم – التاسع من سبتمبر وصل سعر صرف الجنيه إلى 240 جنيه لكل دولار ).

* الكثير من الفقرات الواردة في الملاحظات أدناه قد تم التعرض لها في فقرات سابقة في متن الدراسة .

#ملاحظات على الورقة المقدمة من وزارة المالية حول رفع الدعم
______
1/ ركزت الورقة على عدم عدالة الدعم وقدمت أرقام متضاربة لتثبث صحة ما ذهبت اليه حيث

ذكر الفريق الاستشاري لرئيس الوزراء ان شريحة السكان ال 20% الأعلى دخلاً تستفيد من

الدعم 16 ( ستة عشر) ضعفاً ما تستفيده شريحة السكان ال 20% الاقل دخلاً – وفي نفس

الورقة قدم خبراء وزارة المالية ان ال 20% الأعلى دخلاً يستفيدون من الدعم 6 ( ستة) أضعاف

ما تستفيده شريحة ال 20% الأقل دخلاً . وشتان ما بين الرقمين مما يدل على أن الامر تقديرات

شخصية فقط – ولم تقدم الورقة ما يثبت معلومتها (دراسات او استبيانات او غيرها من وسائل

الوصول للنتائج ) – فقط اعتمدت على تقديرات لصندوق النقد الدولي أجراها في دول أخرى.

2/ في إطار تركيزها على عدم عدالة الدعم توافقت ورقة وزارة المالية مع الفريق الاستشاري

لرئيس الوزراء بان أربعة ولايات فقط وهي ( الخرطوم والجزيرة ونهر النيل وجنوب دارفور)

تستحوذ على 70% من الدعم الموجه للدقيق .

أولاً: إن هذة المعلومة غير متسقة الصياغة فكان من الأفضل القول بأن الخرطوم لوحدها تأخذ

47% من الدقيق المدعوم و يمكن إدراج باقي الولايات تنازلياً مع ضرورة الإشارة إلى:

أ/ الخرطوم تعد الولاية الاكثر عددا للسكان وفيها تقريباً نصف سكان السودان.

ب/ الانماط الغذائية تختلف بإختلاف الولايات كما اشارت الورقة ايضاً إلى ان ثلاثة ولايات فقط (

الخرطوم والجزيرة والبحر الاجمر) تستحوذ على 70% من دعم الجازولين والبنزين وهذا ايضاً

صياغة مخلة لانها تغافلت عن الاشارة إلى ان الخرطوم لوحدها تستحوذ على أكثر من 60% من

هذا الدعم واذا لم يكن هناك بد فكان الاشارة الي باقي الولايات تنازلياً أفضل بدل هذه الطريقة

الانتقائية فى التعامل مع المعطيات كما كان يجب الإشارة إلى ان عدد السيارات بالخرطوم هو

اكثر من 60% وعدد المصانع بالخرطوم هو الاكبر وان الخرطوم هي المركز التجاري الاكبر وان

المنتجات والبضائع تنداح من الخرطوم إلى باقي الولايات وان الباصات السفرية والشاحنات

جميعها تعبأ بالوقود من الخرطوم ثم تنقل المواطنين والبضائع إلى ولايات السودان المختلفة –

3/ حاولت الورقة ربط ارتفاع معدلات التضخم بارتفاع قيمة الدعم السلعي وهي محاولة غير

منطقية وغير علمية لأنها استبعدت العوامل الأخرى التي تؤدي لارتفاع معدلات التضخم ولأنها

افترضت ان الدعم السلعي لا بد ان يُمّول بالعجز اي بطباعة النقود – واذا استخدمنا نفس

منهجية الورقة يمكننا ان نقول ان رفع الدعم هو السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات التضخم

ونأتي بالجداول والمنحنيات التي توضح ذلك – ولكن التضخم تحكمه عوامل كثيرة فلا يجب أن

نكون انتقائيين فى التعامل مع اسباب ارتفاع نسبة التضخم .

4 / الورقة احتوت على تناقضات مخلة في الأرقام التى توضح حجم الدعم حيث ذكرت ثلاثة

ارقام مختلفة للدعم السلعي في 2019 م وكانت كالآتي :

51 مليار في صفحة ( 4 ) واسندته إلى بنك السودان

188 مليار في صفحة( 6 ) ولم تسنده إلى اي جهة

69 مليار في صفحة ( 13 ) واسندته الي الحكومة الاتحادية

بما يدل على غياب المعلومة الحقيقية او تغييبها واستخدام الأرقام حسب خدمتها الهدف الذى

بنيت عليه الورقة وهذا اسلوب يتنافى مع العلمية .

كما بنت الوزارة ارقامها الجديدة للدعم السلعي على سعر صرف السوق الموازي بل افترضت

له متوسط سعر 155 جنيه مقابل الدولار وهذا الرقم غير حقيقى ومبالغ فيه إلا اذا كانت الوزارة

تعمل علي جعل هذا الرقم هو متوسط سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في السوق الموازي

وإن كنا نرفض من حيث المبدأ استخدام سعر السوق الموازي في تقييم المشتريات الحكومية

لأنها – اى الحكومة – من المفترض ان لا تدخل كمشتري للدولار من السوق الموازي بل عليها ان

تستحوذ على حصائل الصادر بإنشاء شركات مساهمة عامة مختلفة للصادرات حسب

المقترحات المقدمة من قوى اعلان الحرية والتغيير .

5/ أشارت الورقة إلى ان تجارب البلدان أثبتت ان أوقات الأزمات هو فرصة حقيقية لإصلاح نطام

الدعم وهي بهذا الزعم تتماهى تماماً مع خطط صندوق النقد الدولي – فأوقات الازمات في

تقديرنا هي فرصة لزيادة دعم واسناد المجتمع وليس فرصة لتضييق الخناق عليه واستدلت

الورقة بتجارب ( مصر والاردن واثيوبيا) في رفع الدعم مترافقاً مع الازمات في هذه البلدان ولكن

الواقع يقول ان تلك الشعوب قد ازدادت فيها نسب البطالة وارتفع معدل التضخم فالاردن على

سبيل المثال زادت فيها نسبة التضخم بصورة حادة خاصة بعد تطبيق هذه السياسات وحتى

الدول التي تمكنت من السيطرة على التضخم كمصر سيطرت عليه بعامل الدعم الخليجي اللا

محدود و بسبب الموقف السياسي لحكومتها ، وبالتالى لا يمكن اخذها كنموذج .

6/ اعتمدت الورقة على استبيان لعدد ( 6 ) أشخاص لتدعم موقفها بأن الرأي العام يساندها

في التوجه لرفع الدعم وهذا بدوره يطرح سؤالاً – هل العدد (6) يمكن أن يكون كافياً للتعبير عن

الرأي العام وما هو شكل الاستبيان الذي تم طرحه وهل هو من نوعية الاستبيانات الموجهة

والمحددة الاجابة مسبقاً ؟ واذا كان الاستبيان غير ناضج فلماذا الاستدلال به .

7/ الورقة تركز على ان الدعم السلعي يعطل الإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم والحقيقة

ان تعطيل الإنفاق على الصحة والتعليم سببه عدة عوامل منها الفساد الذي كان سائدا في ظل

النظام السابق واهداره موارد البلاد في الصرف على مؤسساته الحزبية وواجهاته ومليشياته

دون مراعاة التراتبية فى الاولويات فلذلك فإن الربط بين الدعم السلعي وعدم الإنفاق على

التعليم والصحة هو قول مردود .

8/ تطرقت الورقة للدعم النقدي المباشر بدون إبراز أرقام ولكن بالرجوع الى تصريحات سابقة

فإن الوزارة ذكرت انها تستهدف 80٪ من السودانيين بما يعني 33 مليون وستمائة وحددت مبلغ

500 جنيه شهرياً بما يعني 201 مليار وستمائة مليون جنيه في السنة وهو رقم يقارب الرقم

المزعوم الموجه للدعم السلعي والذي نشكك فيه اصلا ونعتبره غير حقيقي ومضخم .

#البدائل والمعالجات المقترحة بدلاً عن رفع الدعم السلعي :

نقدم البديل الوطني ( منهج الإعتماد على الذات ) كبديل للسياسات المفروضة من قبل

مؤسسات التمويل الدولية ويتمثل في مصادر إيرادات عامة وطنية تكفى لسد الفجوة في النقد

الأجنبي وفي الموازنة و تحقق فائض – هذه المصادر تتمثل في :

1/ قيام الدولة بتأسيس شركات مساهمة عامة تقوم بعملية الانتاج و الصادر خاصة للسلع

الزراعية الأساسية صادر الثروة الحيوانية والذهب بما يمكنها من تغذية خزنتها بالعملات الاخرى

ويقلل اعتمادها على نسبة من حصائل الصادر فقط وبذلك تبتعد عن شراء الدولار من السوق

الموازي .

2/ قيام الدولة بشراء الوقود والقمح والأدوية عبر إدارة المخزون الاستراتيجي او عبر شركات

حكومية تقوم بالشراء من المصادر مباشرة بدون الاحتياج إلى الوكلاء والموردين والذين من

الواضح أنهم يأخذون عمولة عالية جداً ( على سبيل المثال في القمح تقارب العمولة ال 80

دولار في الطن الواحد ).

3/ نقترح ان تعمل الوزارة على زيادة ايراداتها بدلاً من الاعتماد على إرهاق كاهل المواطن

بسياسات رفع الدعم ونقترح الآتي :

أ/ إصلاح النظام المصرفي بتوجيه التمويل للمشاريع الصغيرة المنتجة يساعد في اسناد الخزينة

العامة .

ب/ إصلاح النظام الضريبي بتبني سياسة ضريبية تصاعدية لاسناد الخزينة العامة بما يبدد

ادعاءات ان الدعم السلعي يبدد الموارد.

ج/ إحكام ولاية المالية على المال العام واستعادة الاموال المنهوبة يسند الخزينة العامة ويبدد

ادعاءات ان الدعم السلعي يبدد الموارد مع مراجعة الاعفاءات الجمركية وتحريم التجنيب

د/ تبني سياسات تحفيزية لاستقطاب موارد المغتربين للخزينة العامة عبر الجهاز المصرفي

وخطط عملية لتنظيم الاغتراب تبدأ من قبل الاغتراب.

4/ ضبط الدعم وادارة السلع المدعومة والاستراتيجية بإستخدام التكنولوجيا وابعاد العنصر

البشرى من عملية التعبئة وهناك العديد من المبادرات المقدمة في هذا الصدد وبالإضافة إلى

تطبيق قوانين صارمة لمكافحة وتجريم التهريب نكون قد قللنا كثيراً من التسريب والفاقد من

الدعم مع تحديد سقف أعلى لكل مستفيد .

5/ استخدام بدائل الطاقة لتخفيف الضغط على الوقود خاصة الجازولين مثل الطاقة الشمسية

وكذلك ضرورة كهربة المشاريع الزراعية .

يرافق تطبيق هذه البدائل إعادة النظر في بنَد الإنفاق على نحو عام و تخفيض الاستيراد خارج

نطاق الضروريات وذلك لتقليص الفجوة في العملة الوطنية والاجنبية – هذا بالإضافة إلى

الإجراءات السائدة والمكملة والتي تعزز من قوة البديل الوطني مثل تبديل العملة ، و حصر

ومراجعة ملكية الشركات الحكومية ، ومراجعة عمليات الخصخصة والتصفية بالبيع التي تمت

مسبقاً ، مع ما ذكرنا من تعزيز وإصلاح للنظامين ( المصرفي والضريبي ) .

ان معالجة الاختلالات في الاقتصاد السوداني يمكن أن تكون بوجهة سودانية خالصة وليس

بالضرورة ان نلتزم بتوجيهات او وصفات اي جهة كانت .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.