آخر الأخبار
The news is by your side.

الحلقة الثانية : ولّد يحلم في الكشف عن الثروات الطبيعية

الحلقة الثانية : ولّد يحلم في الكشف عن الثروات الطبيعية

بقلم: جورج حدادين

دخلنا المحاضرة الأولى ، ولأول مرة نلتقي مدرسنا البرفيسور، الذي بلغ من العمر عتياً، تمنيت أن لا توافيه المنية قبل أن أنهي دراستي، ولكن ظني خاب أذ توفي في السنة التي تلي.

لا أزال أذكر كلماته الأولى، بعد التحية قال: يا أبنائي هل تعلمون عما أنتم مقبلون عليه من دراسة الجيوفزياء ، علم وفن في آن معاً،من منكم لا يمتلك المخيال الفني، فلا داعي للإستمرار، ومن منكم لا يحترم العلم، الذي هو أداة اكتشاف الطبيعة وفهم العلاقات المعقدة بين عناصرها، فلا داعي للإستمرار، الجيوفزياء عملية تحويل معطيات علمية، فزيائية، أشياء لا تراها عينك المجردة، إلى نموذج (موديل ) جيولوجي متخيل، كان هذا الدرس الأول والأهم بالنسبة لنا معشر الطلاب، ثبت لي لاحقاً إن جدلية علاقة العلم بالفن، تمثل قانون الحياة:

العلم أداة بيد الإنسان للسيطرة على الطبيعة وتحويل ثرواتها ومقدراتها الى خيرات تعم المجتمع بينما الفن أداة في يد الإنسان من أجل تشكيل المجتمع وتحديد طبيعة العلاقة بين عناصره من بني البشر.

رشحني استاذي البرفسور شوبر لشركة “موبل أويل كامبني” لحل مشكلة تفسير السبر البئري الكهربائي لأبار الغاز في منطقة الملاسة جنوب ألمانيا، وكانت مكاتب الشركة في مدينة تدعي تسله، بالقرب من هانوفر ، من المدن الألمانية القليلة ألتي لم تدمر خلال الحرب العالمية الثانية، وكنت أسكن بيت من الخشب بالكامل شيد في القرن السادس عشر، وبتوجيه من أستاذي تمكنت من حل المشكلة، بعد فترة قلت لمسؤولي في الشركة ” سوف أنهي عملي وأعود إلى بلدي” لم يصدق ما سمعه مني ، وقال هل أنت في كامل وعيك، من يترك عمل في مثل هذه الشركة ؟

أجبته بأنني قد قدمت لألمانيا من أجل هدف محدد وها أنا قد حققته وان واجبي أصبح ان أساهم بعلمي في بلدي، ( حلم ولّد في الكشف عن الثروات الطبيعية في بلده ) ضحك ثم قال سوف تندم،لم أكن اتوقع عمل حفل وداع لي في الشركة، أيقنت أن الشعوب المتقدمة تحترم الإنجاز، أياً كان صاحبه.

افتتح المدير حفل الوداع بالقول ” كان لدينا مشكلة استمرت عشر سنوات الى أن جاء أبن الصحراء هذا وحلها، وها نحن نحتفل بوداعه، علماً بانني طلبت منه البقاء والإستمرار في العمل، شكرني ، لكنني أعيد وأقول سوف يندم.لم اندم على قرار اتخذته ولا عمل عملته عن قناعة.

عدت الى بلدى ولم أجد عملاً في مهنتي مدة سنة بل عملت في هذه الفترة مراقب عمال، في شركة مقاولات تعود ملكيتها لأبن خالتي شوكت حمارنه وعبالله حمارنه، الى ان سنحت الفرصة للعمل في سلطة المصادر الطبيعية، وهي من أرقى مؤسسات الدولة الأردنية بقناعاتنا نحن العاملين فيها، وباعتراف خبراء أجانب ، ولدت السلطة بداية ستينات القرن الماضي، واعدمت بداية العقد الثاني من هذا القرن، بقرار من صندوق النقد الدولي وفق ” توافقات واشنطن ” خصخصة القطاع العام أينما وجد.

وفي الفترة التي كنت أعمل فيها مراقب عمال جائتني رسالة من زميل وصديق عراقي أسمه سمير رضا من ألمانيا يخبرني، أنه كان حاضراً مؤتمراً للجيوفزيائيين الأوروبيين، ووجد أسمي مدرجاً على قائمة المداخلين، فبحثت عنك ولم اجدك، اعتلى المنصة شخص وتحدث: إن هذا العمل قام به زميل أسمه جورج حدادين أنجزه في شركتنا وعاد الى بلده الأردن، وها انا القي المحاضرة نيابة عنه، قلت في نفسي يا للأمانة العلمية، وقلت لمن جنبي هذا الشخص يعمل الآن في بلده مراقب عمال، لم يصدق.

يتبع…

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.