آخر الأخبار
The news is by your side.

نكبة بيروت وإستعادة أسئلة الفيلسوف البشير ربوح

نكبة بيروت وإستعادة أسئلة الفيلسوف البشير ربوح

بقلم: سعد محمد عبدالله

كتب فيلسوف الحراك الثوري التحرري الجزائري صديقي الراحل البشير ربوح كتاب فلسفي مهم تحت عنوان “أسئلة قلقة في الراهن العربي” حيث ناقش الواقع العربي علي مسرح الصراعات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وجدليات الإيدولوجيا والتطور الكوني والمؤامرات الإقليمية والدولية وسؤال الحقوق السياسية والمدنية في الذهن العربي المعاصر؛ وقد إتسم البشير بصراحة التعبيير عن الرأي والفكر ومناقشة المشكلات بكل وضوح وطرح حلول واقعية آخذة في طياتها أسباب الأزمات وتأثيراتها علي المجتمع في عالم ملتهب يحتاج لتغيير شامل يحقق السلام والديمقراطية، فقد إستوقفتني فلسفة ربوح العميقة في تحليل الواقع الجزائري والكوني وإستخلاص الحلول بعد نقد تقدمي لا يعرف إخفاء الأسئلة أو تغليفها لغوياً كما في كتب الكثير من المفكرين “قدامى وجدد” وقادة سياسيين في هذا العصر، وكان البشير مثقف عضوي عالٍ الكعب ينتمي لكل أطياف المجتمع؛ وكان يعبر عن أشواق شعب عظيم ناهض إستبداد الإستعمار بجسارة وصنع ثورات كبرى أضاء بها سجلات التاريخ؛ والجزائر يعتبر حقل “بكر وخصب” أنتج عدد من المثقفيين والفلاسفة لا مثيل لهم في عالم اليوم؛ فمن ذاك التاريخ وتلك البلاد الحرة خرج البشير ربوح وجيل الإستنارة والتغيير الذي يتقدمه صديقنا ربوح باطروحات مثيرة تدهش كل من يجلس ويطالعها بعقل معاصر منفتح علي الحياة.

قدم البشير ربوح أسئلة حية في كتاب “أسئلة قلقة في الراهن العربي” وما تزال أسئلته الصعبة عالقة دون أجوبة موضوعية، وقد أطل علينا شهيد الفكر البشير مجدداً ليذكر الناس بما قاله في حياته الكونية الممتدة؛ وطفح علي قلب لبنان المحترق بالإنفجارات سؤال جديد حول قيمة الحياة وحق الإنسان وحركة التغيير في الدول العربية وخطر خطاب الجهاد الإسلاموي المتنامي في عمق المجتمع وتداخلات الخطوط السياسية والإقتصادية الدولية في لبنان ودول كثيرة مع ضرورة بناء دولة السلام والديمقراطية بالإعتماد علي المنتج الفلسفي وتجارب التاريخ ونقد الواقع الحالي، وأعتقد إذا كان البشير ربوح حياً يتنفس الهواء في عالم اليوم لكتب مئات المقالات والعبارات الفلسفية النورانية كعادته ولكن لا أتوقع أن ينتبه الحكام في تلك البلدان لمقالاته الخصبة فهو وطيف واسع من كبار الفلاسفة والمثقفين يتحدثون بأصوات عالية جداً ومسموعة إلا الذين يسدون آذانهم لا يسمعون؛ فطوبا لربوح والسائرين علي دروب التنوير الوعرة؛ طوبا لهم وهم يحملون علي هاماتهم هموم التغيير الفكري والسياسي في كوكب مضطرب ساده الظلام منذ عهود بعيدة وما له فجراً قريب، وفي كل الأحوال نقول بيروت ستصحوا من غيبوتها مهما طال الزمن ورغم الظلام ستشرق الشمس ولو بعد حين من أعين الشباب والنساء وحينها ستعانق العقول كتابات البشير ربوح والفلاسفة الذين وضعوا أسس وقيم خلاقة لتشكيل ثقافات وطرائق حياة جديدة صالحة لعيش البشرية بسلام في مختلف الأوطان.

ثمة فن نقي وفكر رصين في الجزائر يجب الإطلاع عليه بوعي للإستفادة منه؛ وهذا لم يكن غريباً علي شعب الجزائر الذي عرفناه من خلال كتب التاريخ والروايات وسير المناضلين؛ وأذكر عندما كنت أجوب دروب القاهرة أيام ثورة ديسمبر المجيدة كان الحراك الجزائري أيضاً في قمته؛ وكنت وقتئذن أتحاور باستمرار مع صديقي الشهيد البشير ربوح حول الثورة ومستجدات حراك الجزائر والسودان والأدوار التي يجب أن يقوم بها المثقفين في البلدين تجاه صياغة مشاريع جديدة من الثورة تعبر عن الجماهير وضرورة بناء حركة حقوق سياسية ومدنية ديمقراطية تكون عابرة للجغرافيا واللون والدين كحائط سد منيع يحمي الثورة ويحقق مطالبها، فمشكلات الفساد والإستبداد ومصادرة الحقوق والحريات تكاد تكون متطابقة في البلدين إلا أن مشكلات السودان أكثر تعقيداً نظراً لحجم قضايا الحروب والعنصرية والفقر والنزوح وغيرها من مشكلات السودان القديم، فقد كان حواراً دسماً كثيراً ما خرجت منه بأفكار جديدة إستفدت منها في عدة مناحي، وأتذكر في مثل هذا اليوم من العام 2018م كتبت رسالة قصيرة لتهنئة البشير ربوح بمناسبة ميلاد كتاب “أسئلة قلقة في الراهن العربي” وقد إحتفى بذلك وأهداني نسخة من الكتاب لاحقاً؛ وكان كتابه الأكثر توهجاً وكنت مسروراً جداً بمطالعته وبعده إطلعت علي كتاب “إستشكالات ودروب”، ولكن بين ليلة وضحاها رحل صديقي البشير إلي عالم الخلود؛ وكم حزن الجزائريين وإيانا بذلك الفقد الكبير والذي لا ينسى ولا يعوض المفقود؛ وكان ربوح وحيداً تفرد بقلم رصين سطر فلسفة الثورة وبلور آمال الجماهير في رؤية جديدة للتغيير والتحرر؛ وإن ذهب البشير ربوح فقد ترك للناس إرث فلسفي عظيم يجب أن يكون مصدراً للإشعاع الفكري علي إمتداد العالم، وهنا أتوقف وأهدي زهور السلام لروح ربوح مع خالص المحبة والمجد لذكراه.

صبراً بيروت؛ للحياة أنهر وشلالات كثيرة لا تجف أبداً، ولنا في لبنان الفتية أحلام متجددة لا تشيخ.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.