آخر الأخبار
The news is by your side.

ماض أسود في تاريخ مستشفى الشعب العريق ! .. تحقيق وتصوير: عباس عزت

ماض أسود في تاريخ مستشفى الشعب العريق ! .. تحقيق وتصوير: عباس عزت

الحلقة الأولى

عند اقترابي من بوابة مستشفى الشعب بالخرطوم صباح الاثنين قبل الماضي، في طريقي لزيارة أحد الأقارب بحوادث مستشفى القلب والصدر لفت انتباهي جمع كبير من الناس يلتفون حول عمال وممرضي مستشفى الشعب الذين أقدموا على تنظيم وقفة احتجاجية بدأت من داخل المستشفى وطافت بجميع أرجائه، ثم انتهت أمام البوابة الرئيسة، احتجاجاً على الفساد الإداري والتدهور البيئي وتعطل الأجهزة وعدم صرف استحقاقات العمال، وطالب المحتجون بضرورة اقتلاع الإدارة الفاسدة التي تنتمي للنظام البائد، وإعفاء المدير العام والمدير الإداري والأمين العام ومدير الإعلام، وقال المحتجون لـ(التيار) إن الوضع الكارثي الذي يشهده المستشفى يستلزم التغيير، مطالبين وزير الصحة الاتحادي بالتدخل العاجل لوقف التدهور المريع الذي أصاب المستشفى، وأضافوا أن الحل الأنسب لإنهاء هذه المعاناة التي يتخبط فيها المستشفى هو رحيل الإدارة الحالية التي أصبحت ماضٍ أسود في تاريخ هذا المستشفى العريق .

مذكرة تصحيحية !

وقال أحد أعضاء لجان المقاومة بالمستشفى إن المذكرة التي يحملونها هي مذكرة تصحيحية في المقام الأول لدحر بقايا الكيزان بالمستشفى وتحسين بيئة العمل، مضيفاً أنهم كلجنة مقاومة من أوجب واجباتهم المطالبة بحقوق العاملين وعودة مستشفى الشعب لمكانه الطبيعي في ريادة مستشفيات السودان، والنهوض به من كبوته الحالية والارتقاء به وتحسين بيئة العمل للعامل والمواطن وكل متلقى خدمة في المستشفى. ثم استرسل قائلاً : ” في ناس ماسكين مواقع في المستشفى يشيب لها الرأس علماً بأنهم في وظائف عمالية، والآن لو مشيت شؤون العاملين بتلقى معظم الناس الماسكين مواقع قيادية بالمستشفى وظائفهم عمالية، في حين تجد حملة الشهادات الجامعية والدبلومات يشغلون وظائف عمالية، وضرب مثلاً بالمراقب الإداري ومساعد المدير العام في الدرجة 12 عمالية وتحت إدارته موظفين في الدرجة السابعة، وهناك ناس جايين بواسطة وماسكين شغل إداري وهم بدون مؤهلات، وأكد أن مدير الإعلام المنتمي للنظام السابق خصصت له عربة حكومية في حين يستغل المدير الطبي عربة الإسعاف.

المستشفى ملك الشعب السوداني !

وذكرت ممرضة بالمستشفى أن أهم أسباب هذه الوقفة هي المطالبة بصرف حوافز العاملين وأصحاب الحق من الكوادر الطبية في وقتها، علماً بأن حوافز سكرتارية المستشفى تصرف شهرياً وبانتظام وأصحاب الحق محرومين من الحوافز، ما دفع بكثير من العاملين لهجر المستشفى بسبب تأخير الحوافز، بالإضافة لشح موارد المستشفى من أدوية وأجهزة طبية، خاصة في قسم العملية ما يؤدي لتأجيل بعض العمليات بسبب النقص في بعض الأدوية والمستهلكات الطبية، ثم أضافت قائلة: نحنا كناس ثوار طلعنا الشارع منذ بداية ثورة ديسمبر المجيدة وصبيناها في القيادة حتى سقوط النظام البائد، وكما يعلم الجميع بأن الثورة اندلعت لاقتلاع نظام الكيزان إلا أنهم ما زالوا مسيطرين على مقاليد الأمور بمستشفى الشعب ووزارة الصحة عموماً، ليس ذلك فحسب، بل أنهم حاولوا الاستيلاء على لجان المقاومة بزرع الفتنة بين الثوار وفرض نفوذهم على المستشفى، ولكن بوقفتنا هذه أثبتنا لهم بأن هذا المستشفى ملك للشعب السوداني وليس الكيزان.

مؤسسة داخل مؤسسة !

وتقول إحدى السسترات: بداية نحن نطالب بعودة المركز القومي لجراحة وأمراض الصدر ليكون تحت إدارة مستشفى الشعب حتى يتساوى العاملين جميعاً بمستشفى الشعب في الحوافز، ويعتبر أي زول في مستشفى الشعب شغال في المركز القومي لجراحة القلب والصدر . وأضافت قائلة : عندما آلت تبعية مستشفى الشعب لوزارة الصحة الولائية، تم فصل أقسام القلب والصدر تحت مسمى المركز القومي لجراحة وأمراض القلب والصدر بميزانية منفصلة عن المستشفى، وأصبح المركز مؤسسة داخل مؤسسة، يؤول لها كل دخل عمليات القلب الباهظة التكاليف، تحت إدارة صلاح الباشا الذي يدير المركز حسب هواه بتعيين وتحفيز أصحاب الحظوة والمقرَّبين من فلول العهد البائد، وأضافت أن صلاح الباشا قام بتعيين مدير حسابات ومراجع داخلي خاص بالمركز وموظفين يتقاضون أجوراً وحوافز عالية جداً تضاهي مرتبات الدول البترولية، وأصبح هناك تفاوت في الحوافز والمرتبات بالمستشفى، بمعنى أنا كممرضة في أي قسم بالمستشفى خلاف مركز القلب اتقاضى راتب 1000 جنيه شهري، في حين تجد هناك من هو بنفس درجتي يتقاضى 20000 ألف جنيه، حافز شهري، وهذا كله بسبب سياسة التمكين التي نجحت نجاحاً باهراً في مستشفى الشعب، لذلك تجد أناس في درجات عمالية يحتلون مراكز مرموقة في المستشفى في حين تجد أصحاب المؤهلات العلمية الرفيعة يعملون تحت إدارة أصحاب التمكين من الدرجات العمالية وهناك من لا يحمل الشهادة السودانية تجده يحصل على حوافز شهرية تصل الـ 30000 ألف جنيه، في الشهر في حين تجد اختصاصي صدر وقلب لا تتعدى حوافزه الـ 2000 جنيه، وبصراحة الحكاية فيها “خيار وفقوس”، وأضافت قائلة بحسرة : وعندما يكون هناك احتفال أو فعالية في المستشفى تقوم الإدارة بجلب السكرتيرات وأصحاب الحظوة من الموظفين ويضعوهم في الصفوف الأمامية ممثلين للمستشفى بدلاً عن ناس التمريض، وختمت قائلة لابد من إعادة المركز القومي تحت إدارة مستشفى الشعب الذي تدهور كثيراً بسبب شح المال الذي يذهب إلى فلول النظام السابق في شكل حوافز ومحاصصات .

تقاعس الإدارة !

ونددت ممرضة بتقاعس الجهات المعنية في تلبية مطالبهم المتمثلة في صرف الحوافز الشهرية منذ بداية العام 2019 م وحتى تاريخه، وكانت إدارة المستشفى قد وعدت العاملين بمستشفى حوادث القلب والصدر بصرف نسبة متفق عليها “كل حسب درجته الوظيفية” من قيمة أي عملية جراحية تجرى بالمستشفى حافزاً للعاملين نهاية كل شهر وذلك بدلاً عن الحافز العام الذي صدر قرار بإيقافه قبل عام، ولكن الإدارة أخلت بالاتفاق معهم، وذكرت بأن العاملين لا سيما الورديات الليلية يتعرَّضون للظلم من الإدارة الكيزانية، وكشفت الممرضة عن أن هناك “خيار وفقوس” في توزيع الحوافز وهو ما يثير حفيظة العاملين بالمستشفى، ويدفعهم للتمرد أثناء ساعات العمل، وأضافت قائلة: إن الظلم الواقع عليهم تسبب في توقف العمل بمجمع عمليات القلب عدة مرات في الآونة الأخيرة نسبة لإضراب العاملين المتكرر عن العمل، مشيرة إلى أن آخر إضراب كان يوم الأربعاء الماضي، نفذه اختصاصيو التخدير أثناء وجود حالة حرجة داخل غرفة العملية، الأمر الذي دفع بإدارة المستشفى لتأجيل العملية والاجتماع بطاقم غرفة العمليات وتقديم الوعود لهم بصرف مستحقاتهم خلال 24ساعة، ما أدى لتهدئة الأمور وعودة الطاقم إلى العمل في ذات اليوم بعد أن طالبوا بسرعة تنفيذ صرف حوافزهم كاملة محذرين من أي مماطلة في صرف مستحقاتهم .

نعم أضربنا عن العمل !

ويقول محضر العملية / مختار خلف الله موضحاً أسباب إضرابه عن العمل أثناء تلك العملية الحرجة: في بداية هذا العام تم إيقاف الحافز العام الذي كان يعمل به سابقاً وتم استبداله بنظام النسبة من دخل عمليات القلب التي تجرى بالمجمع، على أن تصرف نهاية كل شهر ولكن الحصل أن الحوافز أصبحت تتأخر، بل توقفت تماماً وعندما تقدمنا باحتجاجاتنا للإدارة طلعوا لينا نسبة 3 أشهر فقط، بحساب عشر عمليات في الأسبوع علماً بأننا نشتغل عشرين عملية في الأسبوع، علماً بأن الاتفاق كان أن تصرف الحوافز نهاية كل شهر، وأضاف قائلاً : نحن الآن نعيش واقع مذرٍ بعد إيقاف الحوافز علماً بأن مرتباتنا لا تتجاوز الـ 1600 جنيه، في الشهر ولا تفي بأبسط متطلبات الحياة، الأمر الذي دفعنا للإضراب عن العمل يوم الأربعاء الماضي، مطالبين بحقوقنا .. وذكر أنه شخصياً اجتمع مع نفر من زملائه بالمدير العام ونائب المدير العام وقال إن المدير العام وعدهم بحل مشكلتهم خلال 24 ساعة ولكنه حتى الآن لم يف بوعده رغم مرور عدد من الأيام على ذلك الاتفاق ما دفعنا للخروج في هذه الوقفة الاحتجاجية.

الحوافز سبب الإضراب !

ويقول طبيب بقسم العناية المكثفة والقلب المفتوح: بالنسبة للعملية التي تم تأجيلها يوم الأربعاء، من الأسبوع الماضي على الرغم من أهميتها، طبعاً بعد أن قمنا بتحضير المريضة وصومناها كما هو متبع، وعند حضور الاختصاصي في الوقت المحدد لإجراء العملية تفاجأ برفض العاملين بقسم التخدير ومحضري العملية العمل بحجة أن الإدارة لم تحل مشاكلهم المالية، وأردف قائلاً: بصراحة المشاكل المالية دي ليها فترة طويلة لم تحل وأن الحوافز من قروش العمليات ما بتطلع في وقتها ما يتسبب في تذمر الجميع، وبالتالي الإضراب عن العمل، وعموماً هناك مشاكل كثيرة في المستشفى تؤدي إلى توقف جدول العمليات الجراحية المكتظ بالمنتظرين من جميع أرجاء السودان، أهمها الأدوية المنقذة للحياة والصمامات التي يتم تركيبها لمرضى القلب، علاوة على النقص الكبير في أسرة التنويم بالعناية المكثفة، حيث يحتوي القسم على خمسة أسرِّة فقط، وخمسة أجهزة تنفس صناعي مع منظمين فقط للأكسجين في حين أنه من المفروض أن يكون هناك منظم مقابل كل جهاز للتنفس الاصطناعي، علماً بأن جميع مرضى القلب والصدر يفدون إلى هذا المستشفى من كافة أنحاء السودان.

إضراب آخر خوفاً على سلامة المرضى !

وذكر الطبيب بأن العاملين بمستشفى القلب كانوا قد أضربوا عن العمل لمدة أسبوعين متتاليين، قبل شهر تقريباً خوفاً على حياة المرضى بسبب النقص في الأجهزة والأدوية المنقذة للحياة، ولكن هذه المرة جاء الإضراب والوقفات الاحتجاجية بسبب حقوق العاملين، وقال موضحاً إن المشكلة الحالية تتمثل في تضارب ساعات العمل الرسمية مع مواعيد العمليات الجراحية التي تكون غالباً بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي، حيث يرى العاملين بالقسم أن أي عملية جراحية بعد الساعة 3 يفترض أن يقابلها أجر إضافي، موضحاً أن هناك عمليات تستغرق اربعة ساعات واخرى ثماني ساعات وأكثر، وأضاف قائلاً : سبق وأن اجتمع مدير عام المستشفى والمدير الطبي باخصائيي التخدير ومحضري العملية وتقريباً وصلوا لحلول، وختم قائلاً: صراحة أنا ما عارف هل الموضوع ده خلاص اتحسم وحنقدر نباشر عمليات ولا لسه، وكل ما يهمنا نحن الأطباء في المستشفى هو راحة المريض، يعني ما ممكن تجيب مريض وتعمل له الإجراءات المعقدة من توفير دم للمريض والناس المتبرعين مبطلين إشغالهم ومنتظرين في الشمس والمريض صائم ساعات طويلة وفي النهاية العملية تلغى بأسباب في تقديري ممكن تتعالج لو الناس قعدت مع بعض .

شغالين بالنظام القديم .. لم تسقط بعد !

بعد أن استمعت لإفادات العاملين بالمستشفى حملت أوراقي وتوجهت صوب الإدارة، دلفت إلى مكتب سكرتارية المدير بعد طرق الباب عدة مرات وعندما لم أجد استجابة دفعت الباب ولكن تسمرت في مكاني إذ وجدت عدداً من الموظفات يتناولن وجبة الإفطار، ويبدو أن دخولي أزعجهن إذ كانت عقارب الساعة تشير إلى منتصف النهار وهن يتناولن الطعام أثناء ساعات العمل بمكتب السكرتارية، اعتذرت لهن بلطف وعرفتهن بنفسي والغرض من الزيارة، إلا أن إحداهن ردت على بغلظة أن المدير العام غير موجود، كررت اعتذاري لدخولي دون إذن وتوجهت إلى مكتب الأمين العام الذي اعتذر عن التحدث للصحيفة بخصوص المستشفى حسب تعليمات المدير العام، وقال لي: “والله ما بقدر اتكلم معاك لأنو الرؤية لسه ما اتضحت وما جانا منشور جديد يعني لسه شغالين بالنظام القديم وما بقدر أفيدك لكن بقدر أوصلك للمدير العام” .. أخذني من يدي وتوجهنا إلى مكتب المدير العام الذي لم يبارح مكتبه حسب إفادة تلك الموظفة، بعد التحية والسلام اطلعه الأمين العام عن سبب زيارتي للمستشفى والوقوف على حالها، وقبل أن يكمل حديثه قاطعه المدير العام موجهاً حديثه لي : “لازم تجيب لينا إذن من إدارة الطب العلاجي حتى نتكلم معاك “، فما كان مني إلا أن أسأله بعفوية : “يعني شغالين بالنظام القديم ؟.. وكانت إجابته نعم.

في الحلقة القادمة أحدثكم عن حال مستشفى حوادث القلب والصدر بالصورة والقلم.

 

 

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.