آخر الأخبار
The news is by your side.

من فض الاعتصام؟ .. صباحية الأشلاء والدماء ..  روايات صادمة .. الحلقة الرابعة

من فض الاعتصام؟ .. صباحية الأشلاء والدماء ..  روايات صادمة .. الحلقة الرابعة

الخرطوم: علي الدالي

الاتحاد التعاوني لبائعات الشاي: (وجدنا جثة بائعة الشاي آمال قوس طافحة في النيل)

سحابة تجمعت ثم بكت بحرقة بللت دموعها كل أرض الاعتصام أمام القيادة العامة.. تهاوت الخيام من شدة الرياح التي كانت تنطلق بقوة في تلك الليلة تنذر الثوار بصباح يوم كئيب.. ولم يكن أحد يكترث إلى تلك الإنذارات.. كانت الحياة داخل الميدان تسير بشكل طبيعي ولم تمنع الأمطار التي كانت تهطل بغزارة حُراس المتاريس من القيام بواجبهم في حماية الثوار داخل الميدان، ولم تمنع أيضاً سكان جمهورية أعلى النفق من الطرق بقوة على حديد السكة الحديد، بكت سماء الميدان على فُراق الأحبة من الشهداء والمصابين والجرحى.

ربما شاهد ملايين السودانيين ورغم انقطاع خدمة الإنترنت الفيديو الذي بثته بعض القنوات الفضائية لرجل انهالت عليه قوات ترتدي زي قوات الدعم السريع ضرباً بسياط (العنج) والعصي جوار مستشفى الجودة بحي الديم بالخرطوم؛ فالرجل الذي يدعى علاء الدين إبراهيم، كان يقف وهو يراقب حركة أرتال من عربات الدفع الرباعي تحمل الجنود المدججين بالسلاح عقب فض الاعتصام بمناطق الديم والصحافة تلاحق الثوار في كل مكان وتطلق الأعيرة النارية في الهواء وتروع المواطنين الآمنين في بيوتهم وتضرب المارة حتى بلا سبب أو مقاومة. كان علاء الدين يراقب تحركاتهم حسبما قال لـ(الجريدة)، فعندما غالبته مروءته وسودانيته اعترض على تصرفات تلك القوة وتحديداً إطلاقها للأعيرة النارية في الهواء، وأضاف: (قلت لهم هذا التصرف غير سليم)، وبشكل مفاجئ ترجل أحدهم من العربة وانهال عليه ضرباً، كما شاهد معظم سكان العالم الفيديو المتداول، ثم ترجل ثلاثة من زملائه ولحقوا به وواصلوا في ضربه، وهو يقف شامخاً يتلقى الضربات الموجعة ولسان حاله يقول (كضابة سيطان العنج)، حتى بعد أن أفرغ الجنود ما بداخلهم من غلٍّ تجاه الرجل لحقوا بعرباتهم واستمروا في إطلاق الأعيرة النارية في الهواء وإطلاق التحذيرات للمواطنين العزل بقصد إخافتهم وإرعابهم.

في تلك اللحظات التي كان يُضرب فيها علاء الدين كانت مجموعة من الشباب الثوار يوثقون حالات الضرب هذه ويرفعونها على مواقع التواصل الاجتماعي قبل انقطاع الخدمة بساعات، في وقت تم فيه إسعاف علاء الدين إلى مستشفى الجودة لتلقي العلاج ومعالجة الجروح التي تركها الجنود على جسم الرجل. يقول علاء إنه غادر الخرطوم فور خروجه من المستشفى إلى مدينة كوستي حيث تسكن عائلته ولم يعد من هناك إلا بعد انقضاء إجازة العيد، وكان قد غادر قبل أن يحصل على أورنيك (8)، ولما عاد من كوستي رجع إلى المستشفى لاستخراج الأورنيك وتحريك إجراءات جنائية في مواجهة الجنود، بيد أنه وجد الطبيب الذي قام بمعالجته في مأمورية ثم بعدها ذهب إلى مخفر الشرطة الأوسط ودون بلاغات في مواجهة عناصر يتبعون لقوات الدعم السريع ـ حسبما قال ـ توطئة لمقاضاتهم.

الاتحاد التعاوني لبائعات الشاي والأطعمة يكشف عن تفاصيل صادمة وهو يوثق لأحداث فض الاعتصام، فيما يلي بائعات الشاي والأطعمة؛ ويذكر أن (5000) بائعة شاي وأطعمة تعرضن للانتهاكات والعنف الجسدي والاغتصاب. وحسب البيان الصادر من الاتحاد فإن (6) من بائعات الشاي والأطعمة في عداد المفقودات حتى الآن، ثم يكشف عن العثور على جثة إحدى عضواته (آمال قوس) طافحة في النيل. وأدان الاتحاد مذبحة فض الاعتصام علاوة على الاعتداء الذي طال الأطفال والبنات الذين يصطحبون أمهاتهم إلى الميدان وتعرضهم للعنف، وأضاف أن جميع بائعات الشاي والأطعمة فقدن ممتلكاتهن من نقود وهواتف نقالة وكبابي ومواقد ومقاعد جلوس الزبائن ووصلت جملة الخسائر إلى أكثر من مليار جنيه سوداني. وطالب الاتحاد بالتعويضات المبنية على العدالة، معتبراً أن ما حدث للنساء كمواطنات شريفات يدل على نوعية السلطة التي كانت وماتزال تتحكم في البلاد والتي لطالما أساءت للنساء ونكلت وزجت بهن في السجون ومارست عليهن الضرب والإساءة لأكثر من ثلاثين عاماً.

وهذه (خنساء)، طفلة كانت تصطحب والدتها ـ بائعة الشاي ـ داخل ميدان الاعتصام وتقوم بمساعدتها في توزيع الطلبات للزبائن.. كانت لحظة فض الاعتصام نائمة في حضن والدتها بعد يوم عمل مرهق ولم تصحُ إلا على أصوات الرصاص وصرخات الكنداكات وهتافات الثوار ـ سلمية سلمية ضد الحرامية ـ خنساء نهضت مذعورة لكنها كما تحكي والدتها دخلت أول موكب كان يقوده الثوار داخل الميدان أثناء الفض وهي تهتف (مدنية) دون أن تدري أنها اللحظات الأخيرة لاعتصام دام لقرابة الشهرين، نعم إنها اللحظات الأخيرة التي ستنام فيها داخل خيمة جوار كلية الأشعة جامعة السودان تصحو على هتاف الثوار ( مدنيااااو).
تحكي والدة خنساء أنها عن صباحية الرعب أنها نهضت مذعورة وخائفة سيما وأن طفلتها خرجت من الخيمة ودخلت في موكب الشباب ثم تمكنت من إعادتها بصعوبة إلى حضنها قبل أن يتم الاعتداء عليهن بالضرب المبرح من قبل القوات المعتدية تحملت (سياط العنج والعصي) في سبيل أن تنقذ ابنتها من موت محقق وهي ترى أمام أعينها الثوار يساقون إلى الموت ويتساقطون واحداً تلو الآخر وهم يقابلون الرصاص بصدور عارية وثبات. والدة خنساء قالت إنها باتت ليلتها تلك وهي متعبة جداً لأن عملها في ليالي رمضان أرهقها وكانت تفكر في الذهاب إلى المنزل صباحاً للاستعداد للعيد لترجع في أول يوم في العيد.

وفي قصة مشابهة لقصة خنساء تلك، روى أمير قصته المروعة وهو يختبئ داخل مبنى الكهرباء شرق النفق وشمال مباني القيادة العامة. (أمير) وبعد أن اشتد الضرب والتنكيل برفائقه دخل مباني الكهرباء لكن الرصاص كان ينزل على المبنى من كل اتجاه. عاش أمير أوقاتاً عصيبة وهو يتابع مصير كثير من الثوار ما بين جريح وقتيل عبر نافذة صغيرة. خاف أمير من أن يصيب الرصاص أحد أسلاك الكهرباء الموصلة بإهمال ومن ثم ينفجر المبنى وهو داخله فقرر الخروج ومواجهة مصيره من زملائه وتلقفته عناصر القوة المعتدية وانهالت عليه بالضرب توزعت الضربات على كامل جسمه ثم أغمي عليه ولم يفق من حالة الإغماء إلا في تمام الساعة 12 ظهراً وهو ملقى في شارع الإسفلت أمام كلية الهندسة.
لم تمنعه زخات الرصاص والسياط التي تنزل على ظهره من إنقاذ كنداكة من بين أيدي القوة المعتدية عمل كل ما في وسعه وبجسارة نادرة قاوم كل ما يحدث له في تلك اللحظات. كان عثمان يحاول الخروج من ميدان الاعتصام بعد أن أضرم الجنود النار على خيمة منطقته قبالة الفرقة السابعة مشاة شرق الميدان لكنه رأى كنداكة بين أيدي الجنود ينهالون عليها بالضرب، فقرر حسبما ذكر في تلك اللحظة إنقاذها مهما كلفه الأمر ولو دفع حياته ثمناً لذلك.. قاوم كل شيء: الضرب وأصوات الرصاص المزعجة والمرعبة وحال بين الكنداكة وبين الجنود وقام بإنقاذها لكن نصيبه كان طلقة اخترقت رجله ومن ثم وقع مغشياً عليه ولم يفق من إغمائه إلا وهو داخل المستشفى يتلقى الإسعافات الأولية ومن ثم قرر الأطباء إجراء عملية له وقد كان.

الجريدة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.