آخر الأخبار
The news is by your side.

ماض أسود في تاريخ مستشفى الشعب العريق !! .. الحلقة الثانية

ماض أسود في تاريخ مستشفى الشعب العريق !! .. الحلقة الثانية

تحقيق وتصوير : عباس عزت

عندما تطأ قدماك مباني قسم الحوادث المتهالكة في مستشفى الشعب لجراحة القلب والصدر، تجد أن الزحمة أصبحت مرضاً مزمناً في المستشفى، تشاهد صفوفاً متراصة لمرضى يعانون آلامهم على اختلاف تصنيفها، والمرافقون ضجرون من حالة الانتظار التي يفرضها عليهم واقع الازدحام بالقسم ، حيث بات تكدسهم العلامة المميزة لهذا المستشفى ، وتبدو مشاهد تزاحم المرضى في ممرات قسم الحوادث متناقضة مع إمكانات مركز جراحة القلب والصدر الهائلة وميزانيته السنوية التي تقدر بالمليارات، “20 عملية في الأسبوع بقيمة تتراوح بين ال 190000و 200000 جنيه للعملية الواحدة، – حسب إفادة أحد العاملين بقسم العملية-” .

أثناء جولتي الميدانية التي استمرت أربعة أيام داخل ممرات وطرقات المستشفى المكتظة بالمرضى الذين أفترشوا الأرض على أمل إيجاد طبيب يعالج علتهم، ويخفف آلامهم، وجدت الحزن يكسو الوجوه داخل الغرف والعنابر التي تحوى العشرات، وأنين المرضى يسمعه الزائرون، دون أن يجدوا طبيباً يشرف على علاجهم بسبب اكتظاظ المرضى ونقص في الكوادر الطبية، لفت نظري عدد كبير من المرضى يفترشون الأرض أمام مدخل قسم الحوادث.

نفترش الأرض ونلتحف السماء !

دفعني الفضول للاقتراب من بعضهم وسؤالهم عن سبب جلوسهم على قارعة الطريق مع مرضاهم بدلاً عن مكانهم الطبيعي داخل عنابر المستشفى ؟!، أجابني أحد المرافقين بأنهم قدموا من مدينة أبو زبد “غرب السودان” يوم الخميس الماضي في مهمة عاجلة وخطيرة لا تحتمل التأجيل، ولكن لشدة الزحام واكتظاظ عنبر الحوادث بالمرضى المراجعين لم نتمكن من مقابلة اختصاصي أمراض الصدر، ما دفع بنائب الاختصاصي لتحويلنا إلى عنبر الصدر بعد أن أوصى بتناول بعض الأقراص المدرة للبول . وعندما توجهنا للعنبر لم نجد مكاناً شاغراً لتنويم الوالدة، ما دفعنا للعودة مرة أخرى لعنبر الحوادث لعل وعسى أن نجد مكاناً ترتاح فيه أمي من رهق السفر وآلام الصدر ولكن … ، الآن مضت خمسة أيام لم نستطع فيها الحصول على سرير بالعنبر حتى نجري عملية سحب المياه من الرئة، وكما ترى فأن حالة المريضة تزداد سوءاً في كل ساعة تمر علينا ونحن نفترش الأرض ونلتحف السماء في عز الشتاء.

مافي اهتمام بالمريض والحالة صعبة !

ويقول مرافق آخر : قبل أسبوع من الآن تم إجراء عملية قلب مفتوح لزوجتي، وبعد خروجنا بالسلامة من المستشفى اكتشفنا أن جرح العملية ملتهب، قررنا العودة على وجه السرعة للمستشفى لإجراء اللازم ولكن للأسف لم نجد أي اهتمام من أطباء الحوادث الذين طلبوا منا انتظار الطبيب الذي أجرى العملية لمعاينة الحالة وبعد انتظار دام طويلاً علمنا بأن الطبيب المعني لن يحضر اليوم وعلينا بالانتظار حتى يوم الغد وتم تحويلنا إلى عنبر جراحة القلب حتى مقابلة الطبيب وذلك لخطورة الحالة حسب كلام أطباء الحوادث ، وعندما توجهنا للعنبر لم نجد سريراً شاغراً، عدنا مرة أخرى لعنبر الحوادث ولم نجد أي سرير كما ترى بنفسك ولم تستطع المريضة الانتظار على الأرض، فما كان منا إلا أن أخذناها وتوجهنا إلى المنزل بدلاً عن الانتظار على قارعة الطريق، وعندما حضرنا صباح اليوم طلبوا منا الانتظار ليوم غد لأن الطبيب مشغول ولا يمكنه معاينة المريضة الآن، ونحن الآن في حيرة من أمرنا وحالة المريضة تزداد سوءاً في كل لحظة تمر عليها، وختم قائلاً : ” مافي أي اهتمام بالمريض والحالة صعبة شديد” ..

نقص في الأطباء والممرضين !

وأكد ممرض فضل حجب اسمه، أن المستشفى تعانى من نقص في المستلزمات الطبية، وأطقم الأطباء والتمريض، ما يضعف من قدرتها على القيام بدورها في رعاية المواطن وتقديم خدمة صحية تليق بالمرضى وتخفف آلامهم، علماً بأن مستشفى الشعب هو الوحيد المتخصص في أمراض القلب والصدر في السودان ، هناك بعض المستشفيات المتخصصة في امراض القلب ولكنها بدون أقسام للحوادث، لذلك لا يستقبلون مرضى الحالات الحرجة، ولأن المستشفى هو الوحيد بالسودان المتخصص في أمراض القلب والصدر تجد كل الشعب السوداني في مستشفى الشعب.
ثم أضاف قائلاً : لدينا نقص كبير في أسرة الكشف وأسرة التنويم، لذلك يضطر الكثير من مرضى القلب النوم في طرقات عنبر الحوادث جنباً إلى جنب مع مرضى الأمراض الصدرية المعدية لحين أن يشغر سرير بأحد عنابر التنويم، مشيراً إلى أن غالبية المرضى الذين يفترشون طرقات عنبر الحوادث قد تم تحويلهم بالفعل إلى عنابر لا توجد بها أسرة ..!! . وبالنسبة للكادر الطبي فقد أكد أن هناك بسبب بيئة العمل الطاردة وقلة المردود المادي مقابل ساعات العمل الطويلة، إضافة إلى توقف الحوافز بالنسبة للكادر الطبي ما دفع بالعديد من الزملاء إلى الهجرة خارج السودان وهناك من امتهن مهنة أخرى غير التمريض، لذا يجب الاهتمام بكوادر التمريض والعائد المادي من مرتبات وحوافز.

نرجو الانتباه !

ولفت لأمر في غاية الأهمية، وهو إنه بعد ثلاثة شهور أو أقل لن يكون هناك ممرضين بالمستشفى مشيراً إلى أن غالبية العاملين الآن هم ممرضي خدمة وطنية، بسبب تعطل العام الدراسي أيام الثورة، وبالتالي لن يكون هناك خريجين جدد لسد خانة الذين أكملوا فترة الخدمة الوطنية بالمستشفى، وسوف يكون هناك نقص كبير بوقف الخدمة المدنية ووقف التعيينات الجديدة لسنوات قادمة مضيفاً أن جميع المستشفيات تعتمد اعتماداً كلياً على أفراد الخدمة الوطنية وهذه المشكلة سوف تواجه جميع المستشفيات لذا نرجو الانتباه !!

مبنى غير مطابق للمواصفات !

وتقول ممرضة بأن المبنى الحالي لا يطابق مواصفات استقبال الحوادث من شبكة صرف صحي وأحواض غسيل وتهوية جيدة خصوصاً وأن المرضى خليط من مرضى القلب وأمراض الصدر (يعني ممكن يجيك مريض سل في قاعة مكتومة وبدون تهوية تخته مع مريض قلب أكيد حيلتقط العدوى، وذكرت بأن هناك حالات من عدوى السل اصابت بعض الزملاء من الأطباء والممرضين وبعضهم تعرض لعدوى الكبد الوبائي الأمر الذي دفع بالكثير من الزملاء لرفض العمل في قسم الحوادث، (والآن الحوادث ما فيها طاقم تمريض مكتمل ومعظمهم ترك العمل في المستشفى نسبة للظروف الطاردة من بيئة المستشفى وقلة العائد المادي، والآن طاقم التمريض لا يتعدى الخمسة أو ستة ممرضين مقابل 250 – 300 مريضاً في اليوم وقريباً سوف يمرضوا أو يتركوا العمل هرباً من الواقع المرير وغير كده المساحة صغيرة جداً ولا تستوعب أسرة طبية لذلك لجأ الناس للكاوتشات “الترابيز” لوضع المرضى عليها وممكن يقع من التربيزة لأنها ضيقة) ..

المطلوب من الحكومة !

المطلوب من الحكومة الجديدة تهيئة بيئة الحوادث لاستقبال المرضى، لأن الوضع الحالي لا يليق بالبشر، ( يعني ما ممكن مريض محتاج درب تديهو ليهو في كرسي أو راقد على الأرض بدلاً عن سرير طبي، ودي حاجة ما كريمة والله )، ثم أضافت قائلة : (هناك نقص في المعدات الطبية ومعينات العمل، وأجهزة التنفس والأجهزة التي تساعد على إنقاذ حياة المريض قديمة جداً وشغالة منذ العصر الحجري ، أجهزة التنفس والأجهزة التي تساعد على إنقاذ حياة المريض وكلها عفى عليها الزمن ومفترض أن يتم تحديث للمعدات القديمة لأنها كثيرة الأعطال، ونحن شغالين في وضع مزرٍ جداً وممكن تكون محتاج جهاز لإنقاذ حياة مريض تلقاهو ما شغال وحصل كتير في الحوادث دي ما أدى لموت مرضى بسبب النقص في الأجهزة وانعدام الأدوية المنقذة لحياة المريض ) ..

جهاز واحد لرسم القلب !

وأكدت طبيبة بقسم حوادث القلب : إنهم يعملون بجهاز واحد لرسم القلب في جميع أقسام المستشفى من عناية مكثفة إلى عيادات محولة وحوادث بالإضافة لجميع عنابر المستشفى ، ثم أضافت قائلة : “عشان تشيل الجهاز للعيان في العنبر بتبقى مشكلة في الحوادث بقينا لما يكون عندنا تكدس في العنبر بنكون عاجزين عن العمل علماً بأن جهاز رسم القلب هو السلسلة الفقرية لجسم المستشفى وأول إجراء يطلبه الطبيب من المريض هو رسم القلب” .

مستشفى بدون أسرة معاينة طبية !

وتقول المدير الطبي : يعيش قسم الحوادث في مستشفى الشعب لجراحة القلب والصدر أزمة حقيقية بسبب الزيادة المتفاوتة في عدد المراجعين، وبحكم التخصص العام لهذا القسم فإن جميع الحالات المرضية يتم استقبالها حسب أنظمة وزارة الصحة ولا يتم رفض أية حالة تندرج تحت اسم “الحالات الطارئة”، وهي الحالات التي تستلزم تدخلاً طبياً عاجلاً، وتم تحديدها حسب نظام الفرز لتصنيف الحالات المرضية، وتضيف قائلة : لاشك في أن ظاهرة الأعداد الكبيرة من المرضى والمرافقين بالقسم، داخل مساحته التي لا تتجاوز أكثر من 200 متر مربع تقريباً، أصبحت بمثابة معاناة يتجرع ويلاتها الكادر الطبي والتمريضي العامل -على محدوديته-، منوط بهم معاينة أكثر من 250 حالة مرضية في اليوم في قسم يعاني نقصاً كبيراً في أسرة المعاينة الطبية، و يظل الازدحام هو ما يميز القسم والمرضى بالصفوف، وفي أحيان كثيرة لا يجد المريض سريراً لمعاينة حالته المرضية، نسبة لضيق المكان ومحدودية إمكانات القسم وقلة الأسرّة وأجهزة المعاينة ، وتضيف قائلة : الآن مستشفى الحوادث بدون أسرة لاستقبال المرضى وحتى في عنابر التنويم لا توجد أسرة كافية، لذلك تجد كل المرضى يتكدسون في الحوادث لعدم وجود أسرة كافية بالعنابر ما يضطر المريض الذي تم تحويله لعنابر التنويم إلى العودة لعنبرالحوادث مرة أخرى انتظاراً لخلو سرير، علماً بأننا نستقبل يومياً عشرات المرضى من العاصمة والولايات الأخرى..!!.

نقص في الأجهزة الطبية !

الحوادث تنقصها الأجهزة الطبية، وذكرت أن جميع أقسام المستشفى تعمل بجهاز واحد لرسم القلب وآخر للموجات الصوتية يخدم جميع وحدات المستشفى، ثم ختمت قائلة : في تقديري أن الازدحام نتاج للنقص في الكادر الطبي والتمريضي والفني، في وقت يكثر فيه عدد المراجعين بحكم الزيادة في عدد سكان ولاية الخرطوم، لذا تبدو الحاجة الملحة لكادر طبي إضافي لجهة تخفيف حدة الازدحام الذي سيظل في تزايد بحكم النمو المتسارع للسكان بالولاية، وتضيف قائلة : إن ضيق المبنى وقلة عدد الأسرّة والعجز في الأجهزة والخدمات كلها عوامل تسهم في حدة الازدحام بالقسم، فعدد الأسرّة 7 يجب أن يتوافر مع كل سرير جهاز للأوكسجين، إلا أن الأجهزة الموجودة حالياً فقط 3 أجهزة في 3 أسرّة، فعندما يحضر 7 مراجعين في وقت واحد ويحتاجون لأوكسجين تتكدس الحالات وتتزايد الاحتجاجات من قبل المرضى والمرافقين.

 

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.