آخر الأخبار
The news is by your side.

 تأملات رمضانية…في الاية 256 من سورة البقرة

 تأملات رمضانية…في الاية 256 من سورة البقرة

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الاية 256 من سورة البقرة: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”.

يقرأ الذين يرغبون بالتحلل من الإلتزامات وضوابط السلوك، واتباع الشهوات بلا محددات، بداية الآية الكريمة (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) منقطعة عما يتبعها، لكي يتخذوا هذه الآية حجة لعدم اتباع منهج الله في معيشتهم، وأنها تعني أن الدين من الكماليات الأخلاقية، فللمرء الحرية في اتباعه أو تركه.

لكن ما أتى بعدها متصل في المعنى، إذ أنه يفسر لماذا يجب أن يكون التدين عن قناعة وليس بالإكراه، فهو مصلحة خالصة للناس، وسبيل مؤكد للفلاح ونجاح المسعى.

من المعروف أن الرسالات السماوية جميعها قد جاءت لهداية البشر بعد أن ضلوا الطريق، فكان الله تعالى يرسل في كل أمة سدرت في غيها وعم فيها الفساد نتيجة طغيان المترفين فيها، رسولا منهم، لأجل إعادتهم الى سواء السبيل، الذي هو الفطرة السليمة، لكن تلك الدعوات لم تكن تجد الاستجابة الكافية في أغلب الأحيان، فكان من يتبع المرسلين قلة، لذلك كان الله يهلك القوم وينجي المؤمنين.

هكذا كانت سنة الله في الأولين الموغلين في الفساد، فعندما يبلغ بهم العناد والعداء لدعوة الرسل نقطة اللاعودة، فلا يستجيبون، تكون عقوبتهم الاهلاك والاستبدال بهم قوما آخرين.

ظلت دعوات الرسل تتركز على التعريف بالخالق وتوحيده وقيم الصلاح والاستقامة، الى أن تطور البشر، وأصبحوا أكثر قدرة فكرية على فهم مرامي الدين، فبدأت تهيئتهم جزئيا لاستيعاب تشريعاته عن طريق رسالة موسى ثم عيسى عليهما السلام، وبعدهما وعندما أصبحت المجتمعات الإنسانية مؤهلة عقليا بدرجة كافية، أنزل الله رسالته الختامية التي اعتبرها الدين بشكله النهائي والكامل على قاطني الجزيرة العربية، مدونة اركانه وتفصيلاته في القرآن الكريم، وكلفهم بفهمها واستيعابها وتبليغها الى سائر البشر، لتكون منهجا يتبعه الناس الى يوم الدين.

ولما كان كتاب الله متضمنا الحجج والبراهين العقلية على أنه من الله أولا، وأن الدين هو الصراط المستقيم الذي يكفل لمن اتبعه صلاح أمره النيوي، ونوال الثواب من الله في الآخرة ثانيا، فما بقي من حجة لأحد في عدم اتباعه.

لذلك فليس من حاجة للدعاة لفرض الدين بالإكراه، بل بالإقناع، والحجة الحسنة، لإبراء طرفهم أمام الله بأنهم أدوا الأمانة وبلغوا ما أمرهم بتليغه، لكي يقيم الحجة على الكافرين يوم القيامة.

إذاً فهذه الآية جاءت تخفيفا على المؤمنين الدعاة، حتى لا يعتبروا أنفسهم مسؤولين عن عدم استجابة العصاة، وليست تخفيفا على العصاة من عاقبة عدم استجابتهم.

فالاختيار بين الإيمان والكفر خاضع لقرار الشخص، وبناء على تحكيمه العقلي، بدليل قوله تعالى: “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” [الكهف:29]، لكن من اختار الكفر فعليه أن يتحمل عاقبة سوء اختياره، وهو تكملة الآية بقوله تعالى: “إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا”.

إن أكثر وسيلة مؤدية للغي هي اتباع الطواغيت، وهم ذوو السلطة والنفوذ والمال الذين يحادون منهج الله، كونه يحد من تسلطهم وينتقص من أطماعهم، لذلك قدم الله الكفر بهم على الإيمان به، لأن من أطاعهم لا يمكن أن يطيع الله. لذلك فإن رفض تعليماتهم والتمرد عليها هي الخطوة الأولى لثبات المرء على عقيدته الإيمانية، ومتى ما تم ذك فلا يمكن ان تتمكن قوة من زحزحته عن إيمانه.

ورأينا تطبيقا عمليا على ذلك، فعندما رفض المقاومون في القطاع تعليمات السلطة العميلة، واختاروا منهج الله ورفضوا اتباع منهج الغرب، لم تتمكن كل شياطين العرب والغرب من زحزحتهم عن عقيدتهم، رغم عشرين عاما من الحصار والتضييق.

ثم انهم عندما اتبعوا أمر الله وأعدوا لعدوهم ما استطاعوا من قوة، حماهم الله من بطش أعتى الطواغيت، بل وأرغموهم على البحث عن وسيلة لوقف الحرب تحفظ شيئا من ماء وجههم.

بالمقابل، وجدنا العرب الباقين الذين اتبعوا الطواغيت، أذلهم الله من بعد عز نالوه، وأفقرهم رغم كثرة أموالهم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.