آخر الأخبار
The news is by your side.

الشباب والهجرة غير الشرعية.. رحلة موت بحثاً عن حياة

الشباب والهجرة غير الشرعية.. رحلة موت بحثاً عن حياة

قرر الآلاف من الشباب مغادرة بلادهم بحثاً عن الأفضل بعد أن ضاقت أوطانهم بهم دون النظر لمآلات خطوتهم تلك، كان ذلك بالوقوع في شراك عصابات تجار البشر أو الموت على عرض البحار ولم يكن السودان استثناءً، بل كان له نصيب الأسد من الضحايا غالبيتهم من الشباب، وفي ذلك وجهت منظمات حقوقية اتهامات إلى حكام الدول النامية بأنهم وراء دفع الشباب إلى رحلات الموت هذه بعد أن أنتجت سياساتهم الخاطئة واقعاً بائساً وغير محتمل حتى غدا الموت أهون عند الباحثين عن واقع أفضل من البقاء في أوطانهم التي تحوَّلت إلى سجن كبير، لأن السياسات غير الرشيدة ألقت بظلال سالبة في الأصعدة كافة (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً) ورغم المواثيق والمعاهدات الإقليمية والدولية التي صاغها المجتمع الدولي ووقع عليها قادة الدول إلا الكثير من تلك الدول لم تلتزم بها، بل رأت أن المهاجرين باتوا يهددون أمنها واستقرارها في ظل تنامي التطرُّف ورغم عدم الالتزام هناك من ابتسم لهم الحظ بعد رحلات مأساوية ومعاملة سيئة الوصول إلى وجهتهم، وبين هذا وذاك ما تزال البحار والصحارى تحصد آلاف الأرواح، فإلى متى يستمر هذا الحال؟

معاوية عبد الرازق

مأساة ياسر

أنور عبد الله، شقيق المتوفي، قال إن شقيقي ياسر عبد الله محمد عبد الله، كان يعمل موظفاً بديوان الزكاة بمنطقة دوكة بولاية القضارف وعمره 24 سنة، خرج قبل عام من السودان أي قبيل رمضان بشهرين متوجهاً إلى ليبيا ولم ينقطع اتصالنا به إلا قبل أسبوع، وقد علمنا في وقت سابق أنه حاول السفر إلى إيطاليا ولكن خفر السواحل أرجع مجموعة من على بعد 20 كيلو متراً، من إيطاليا، ولكنه في المرة الأخيرة لم يخطرنا وكان يتحدث معنا حتى 17 يناير، ويواصل أنور أن أخاه الأصغر كأي شاب لديه طموحات عجز عن تحقيقها هنا لأسباب يعلمها الجميع، فتحسين أوضاعه وتغيير واقع الأسرة أملٌ عَزَم على تحقيقه، ولكن يد المنون كانت أقرب، وبالنسبة لخبر الوفاة اتصل علينا صديقه تخلف عن السفر معهم على القارب المطاطي، وبالطبع الخبر بمثابة فاجعة للمنطقة ولنا على وجه الخصوص، فالشاب يحبه الجميع ومقبول لدى الأهالي وابتسامته تسبقه ويعرفه كل شخص بالحي والأحياء المجاورة لطيب خلقه، ومن المتوفين معه صديق عمره صلاح الأمين، اللذان قضيا طفولة مليئة بالحب والصحبة، خلاف 4 آخرين بأحياء (الصوفي، الأزرق ودوكة)، جميعهم يبحثون عن مستقبل وغدٍ أفضل في رحلة بحث عن بصيص أمل، فلم يكن خيارهما سوى القارب الذي يحمل أكثر من العدد المحدد له، وأضاف شقيقه، أن تعامل الغرب مع اللاجئ من الصفر في تأهيله وتعليمه ودمجه بالمجتمع والقبول بذلك يوضح الحاجة بجانب أنه يفقد هويته ويصبح تحت رعاية، بدلاً عن رعايته لأسرته، وبالطبع انعدام فرص التوظيف وسبل العيش الكريم أكبر محفِّز.
رأس مال بشري
هشاشة الاقتصاد من أكبر دوافع الهجرة بهذه العبارة بدأ أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية د. محمد الأمين العجب، حديثه مواصلاً: بجانب انعكاس انخفاض الصادرات وعدم وجود مرتكزات صناعية يستند عليها الاقتصاد، وبالتالي ينعكس الأمر على العملة المحلية، ويضيف العجب أن إشباع الأساسيات يدفع للهجرة، فالزواج والسكن وتأمين حياة كريمة لا تعتبر أحلام، والطبيعي لا أحد يعشق مفارقة الأهل والمجتمع، وكما قال الباحث والعالم كار ماركس: (إذا انهارت القيمة الاقتصادية انهارت كل القيم الأخرى)، ولاشك أن البحث عن ملاذ آمن من أبرز التطلعات، وبالنسبة لاستقبال الدول للمهاجرين إليها لأنها تعتبرهم قوة عاملة ونشطة وتريد الاستفادة منهم، وهذا يمثل رأس مال بشري وفكري في الأعمار والبناء، فلم نسمع بشخص تجاوز عمره الـ(60) عاماً، سعى للهجرة، وردد الخبير الاقتصادي، إن المهاجرين يختارون دولاً تقل فيها نسب البطالة وبالتالي لا يؤثر وجودهم على الشباب المواطنين، ولن ينصلح الحال إلا بتدخل الجهات المعنية والسعي لتحسين الأوضاع الاقتصادية وهذا ما يحدد معدلات الهجرة بالدول النامية، وبهذا تجد نفسها في وضع محرج يحتم عليها استغلال الطاقات الموجودة بشبابها، بالإضافة إلى توعيتهم بخطورة الهجرة ومآلاتها حفاظاً على أنفسهم سيما وأن ضمان نجاح فكرة السفر عبر طرق الموت يشوبه نوع من المخاطر، لذلك من المهم التوعية عبر وسائط الإعلام وأن يفرد القائمون على أمرها مساحات، وردد الأمين، إن الإعلام هو المصلح والمفسد وهو الذي يربي وليست الأسر والمجتمع.
فرار من الظلم
الداعية والخطيب محمد عبد الرحمن الكمالابي، قال إن الفرار من الظلم إلى العدل سبب أساسي، فالله غرس الكرامة في الإنسان وكرَّمه براً وبحراً وجواً، وسخَّر لهم كل ما يعينهم على الحياة، ولكن عندما يضيق الحال بالإنسان في فكره أو كسبه أو اجتماعياً يظل الفرار هو الحل بعد نفاد كل محاولات الصبر وهذا الأمر ليس حكراً على أهل المال، فقد كان سليمان الفارسي، رضي الله عنه، الذي يعيش في القصور أنكر عبادة النار ثم هرب وتم بيعه عدة مرات إلى أن وصل مراده بالمدينة المنورة، وكان له النصر بلقاء النبي عليه الصلاة والسلام، والثمرة أنه حُسب من آل البيت بجانب أن البحث عن العدل أمر مفروغ منه حتى وأن كانت الدولة الزائر إليها غير مسلمة، فقد بعث النبي أصحابه إلى الحبشة عند الملك العادل النجاشي ورغم بعد المسافة ولكن القرب كان في الإنصاف وعقب وصول قدوتنا إلى المدينة كانت الهجرة من كل بقاع الأرض إلى دولة رسولنا الكريم بحثاً عن الأمان والاستقرار والتعليم، ويظهر ذلك في أن معظم علماء الأمة من غير سكان مكة والمدينة، ولكن الآن تبدَّل حالنا وانعكست الهجرة من بلاد الإسلام والمسلمين إلى دول العدل غير المسلمة ولهذا ارتباط مباشر بالممارسة الدينية في الدول الإسلامية من قبل الشعب والحكام، وبين هذا وذاك يظل السلوك الظاهر على أرض الواقع أهم من الإدعاء فالتدين ليس شعاراً نردده ولا شكلاً يميِّزنا ولكن سلوكاً نعيشه.
إساءة للسلطات
اعتبر السفير الرشيد أبو شامة، أن ما حدث إساءة إلى الحكومة السودانية والدبلوماسيين بالخارج، سيما وأن رعاياها يهربون ويبحثون عن حياة، وانعدام فرص العمل والاستقرار يدخلهم في مغامرة رغم علمهم بأن فرص الوصول إلى المنشود ضعيفة، حيث يفقد أكثر من 50% من المهاجرين حياتهم في عرض البحار والسهول المنبسطة، وعلى السلطات ومن يمثلونها بالخارج تهيئة سبل العيش في الوطن ولا تكون المعالجة إلا بتوفير الاستقرار وإجراء حزم متكاملة تحفز على البقاء في حضن الأهل وإلا لن يهاجر شخص وهو على علم بالمصير الذي ينتظره، فمن المهم وضع سياسات جيِّدة وأن تراعي الدول لمواطنيها، وردد أبو شامة أن بعض الدول ترفض اللاجئين وحتى دول الاتحاد الأروبي انقسمت فيما بينهم بما فيها البلدان المُستقبلة والتي قررت التنحي عن السلطة في 2020م، مثل إيطاليا وغيرها ممن يرفضون تطبيق ميثاق الأمم المتحدة، وردد السفير أن تضررهم كان له أثر فيما اتخذوه، فاللاجئون يشاركون المواطنين في الخدمات ويعتبرونهم مصدراً للازعاج خاصة وأن ثقافاتهم مختلفة فجميع الاتهامات تُكال لهم، وعن تطبيق المجتمع الدولي للعقوبات حال عدم الالتزام بالمواثيق والمعاهدات قال الرشيد، إنه لا أحد يخالف المواثيق، فبعض الوافدين يحضرون لأسباب غير منطقية كالاقتصادية وهذه مفارقات قانونية مثيرة للجدل، وفي هذه الحالة لا يلزمهم القانون ولكن للانتهاكات والحروب والاضطهاد وضع مختلف، وأريد أن أشير إلى تكفل الأمم المتحدة لجميع المنصرفات في المعسكرات.
همجية بالسياسات
هناك أسباب عديدة تدفع الملايين للهجرة إلى دول الغرب أبرزها تقبل الشخص دون النظر إلى لونه أو شكله أو جنسيته، بهذه العبارة بدأت الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم، وقالت إن احترام الآخر ووضع رأيه ضمن أولويات الأنظمة الحاكمة ساهم في ازدياد أعداد المهاجرين بجانب مايحدث من همجية في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية في الدول التي هاجروا منها لأنها لا تهتم بالمواطن وتقدم أفضل الخدمات والتعامل للأجنبي، إذن فالعامل الاجتماعي له دور كبير، إذ أن الحكاوى والقصص والنماذج الإيجابية لها أثر في نفوس الآخرين بأن الدول الغربية اقتصادها ممتاز وضمان الحياة بكرامة وتوفير الأمن والصحة والتعليم فيها من أبسط المقومات التي يفتقدها المهاجر في دولته بما فيها فرص العمل، ورددت ثريا إحساس الفرد بالغبن والظلم والعطالة ونظرته إلى أن الأموال والعيشة الكريمة تنحصر على أشخاص معيَّنين من الأسباب الداعمة لترسيخ فكرة الهروب إلى الغرب، فالعطالة تولد العديد من المشاكل وتتسبب في التشرُّد والتفكك الأسري والانحلال الأخلاقي أحياناً ولا ننسى بأن الدول التي تفتح باب الهجرة إليها تستفيد من ناحية اجتماعية، إذ أنها تغيِّر من قالبها الاجتماعي وتضيف ثقافات جديدة وألمحت الباحثة إلى الاستفادة من المهاجرين في الجلوس مع المسنين في الدور المخصصة لهم، ودعت الحكومات إلى الالتفات لاحتياجات شعبها للتقليل من الهجرة مستقبلاً.
وهم كبير
وشبَّه الخبير الاستراتيجي الفريق حنفي عبد الله، سيطرت فكرة الهجرة إلى الغرب على عقول الشباب في دول العالم الثالث (بالوهم الكبير) وأرجع أسبابها للرسائل التي يرسلها الغرب عن الواقع فيها بوجود رفاهية وديمقراطية خاصة وأن العالم تحوَّل لقرية في الوقت الذي تتجاهل الحكومات في دول العالم الثالث مسألة الاهتمام بالشباب والعقول في تلك الدول، قطعاً الحقيقة عكس ذلك، لاتوجد انتهاكات، بل تفرقة عنصرية، فهناك الكثير من حاملي الشهادات العليا يعملون في مهن هامشية ريثما يتم توظيفهم، وأشار حنفي إلى أن هناك مفاهيم خاطئة المراد منها خلافاً للظاهر، فالمنح الدراسية التي تهبها للعقول من الدول العربية والأفريقية الهدف منها سرقتهم بالهجرة إليها والاستفادة منهم، ولكن هذه السرقة تأتي مغلَّفة وراء غطاء المجانية والدعم الدراسي، ولا شك، والحديث لحنفي إنه نوع من الاستقطاب وغسيل المخ، ولمعرفة مدى عنصرية الغرب نجد أن هناك انتقائية في تعاملهم، فهم يفتحون بلادهم للعقول بينما يغلقونها أمام عامة الناس، فهم لا يريدون أي شخص، وقصة مكافحة الهجرة والتعاون بين الدول للقضاء عليها لم تأت اعتباطاً، بل تم التخطيط لها وفق استراتيجية معيَّنة مع مراعاة مصلحتها أولاً، ويواصل الفريق حنفي قائلاً: هناك ازدواجية في المعايير عند الغرب، أي أنهم يفصِّلون القوانين وفق ما يتناسب معهم دون أن ينتبه المهاجرون لنواياهم السيئة، بل ينساقون وراء أفكارهم الهدامة وهم لا يدرون أن مثل تهافت بعض الدول على احتضان الجامعات الغربية كالجامعة الأمريكية وفتح فروع لها بعدد من المدن الكبيرة وما هي إلا استثمار في المقام الأول وترسيخ الصورة الذهنية الموجودة مسبقاً، وأنا لم أكن ضد هذه الفكرة، ولكن الواقع يحتِّم علينا وضع قوانين وحدود لها، لأنها تفتك بالقيم والعادات وتغيِّر الكثير من المفاهيم التي من شأنها القضاء على الآخرين، وأعاب حنفي فكرة عدم عمل المؤسسات الدينية على محاربة مخططات الغرب، بل والغريب أصبحت بعضها جزءاً من أذرعهم، إذ يبثون الخلاف بينهم كما يحدث بالمولد النبوي وغيرها من الشواهد .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.