آخر الأخبار
The news is by your side.

مُلاحظات نقدية عن “سُوبَرانُو القيامة”  … بقلم: يدجوك آقويت

مُلاحظات نقدية عن “سُوبَرانُو القيامة”  … بقلم: يدجوك آقويت

(1)
رغم أن الوضع الحالي بجنوب السودان قد أستأثر بإهتمام المُحللين و المُتتبْعين السياسيّين على إخْتِلاف مشَارِبهم و أطْيَافهم، فهو لم يثّر بعد شهية المُبدعين الجنوبسُودانيين لإعادة بنائهِ بطُرق جمالية و فنية بالمستوى المطلوب. يقف كحالةٍ شاذة من هذه القَاعِدة، الروَائي آرثر غابرييال ياك الذي كرس جُل إنتاجه الروائي لتقصّي هذه الاوضاع روَائياً. و تُعتبر روَاية سُوبَرانُو القيامة، من الكِتَابات الإبداعية التي شخْصت بجرأة، الأزمةِ السياسية و الإجتماعية التي تُعاني منها جنوب السُودان، و عكست ما يحدقْ بهِ من مخَاطِر و مزَالِق نتيجةٍ لموجةِ الإنحطاط التي ضربت أرض هذا الشعب الجميل و الصابر. يحسب للروَاية، نجاحها في تشخيص الوضع بطريقةٍ مُغايرة وقد أستثمر الروَائي آرثر غابرييال ياك، المادةِ التاريخية المُعاصرة لوضع تجربةٍ مأساوية من التاريخ المُعاشّ تحت المجِهر الإبداعي و ذلك لإستنكاه خيبات آمال الجنوبسُودانيين في بِناء مُجتمع آمن و مسْتقر، و لسبر أغوار الجِراح المادية و الرمزية التي احدثتها و تحدثها الحروب العبثية.
(2)
(سُوبَرانُو القيامة) هي الروَاية الثانية للقاص، الروائي و المترجم آرثر غابرييل ياك. سبقتها رواية (يوم إنتحار عزرائيل) الصادرة عن دار العين للنشر بمصر العام 2015. و آرثر قاص متفرد قبل ان يكون روَائياً، بل من رواد القصة العربية بجنوب السودان و له مجموعتان قصصيتان منشورتان حتى الان. ثيمة (سُوبَرانُو القيامة) ليست حديثة على الكاتب. قد سبق و تناولها في قصة قصيرة مع إختلاف في طرائق السرد وهي صادرة ضِمنْ سلسلة مَسَارات عن دار مسكيلياني التونسية شهر أغسطس 2018، و تقع في 367 صفحة من القطع المتوسط و في شكل غاية الإحترافية في الطِباعة و الإخراج.
(3)
يروي رولان بارت ان “للعنوان معان متعددة و متزامنة، ومن ضمنها على الاقل، ان ما يُعلن عنه مرتبط بأحداث محتملة تعقبه، او الإعلان بان قطعة أدبية ستليه. بعبارةٍ آخرى، يقوم العنوان دوماً بوظيفة مزدوجة أكانت تلفظية أم إشارية”. فالعنوان يوحي بمعان كثيرة و يخاطب توقعات القُراء، مُستبقاً ما يمكن ان يتضمنه النص من جهةٍ، و مُقدماً نظرة مجملة عن شكلهِ او محتواه من جهةٍ ثانية. وبما إنه، علاوة عن تمييز النص و وسمهِ كما لو كان سلعة، فهو يتجسم في ذهن القارئ كما لو كان لُغزاً ينبغي تفكيكهِ لإستخلاص ما يحويه من حقائق مخفية و آبعاد دلالية و رمزية. (سوبرانو القيامة) إسم مركب من لغتين العربية و الإيطالية. سوبرانوSoprano كلمة إيطالية الأصل و مشتقة من اللاتينية و تعني “الصوت ذو طبقة الاوكتاف الاعلى بين اصوات النساء”. و هو مصطلح موسيقى في الاصل. إلا إنه وفقاً للسياق، يبدو إنه مستخدم في إشارة لقيام إنسان عظيم، و بدلالاتٍ لاهوتية. تتألف الرواية من أربع فصول، بدايةٍ بفصل معنون ب”معجزة القرن”، “موعظة القصر”، “منافع البَعْث” و الفصل الأخير الذي يحمل إسم الروَاية “سُوبَرانُو القيامة”.
(4)
تبدأ الرواية بمقدمة ذكية تصف أحداث الرواية بالواقعية رغم فنتازيتها البيّنة. و تقدم تبريراً ضمنياً لإستخدام اللغة المعيارية حتى على مستوى الحوارات – في روَاية تروي قصةٍ صادِرة عن بيئة غنية بتنوعها اللغوي – إن الاحداث تمت بمشاركة افراد من خلفيات مختلفة مما أجبر الراوي على نقل الأحداث من اللغات المحلية للإنقليزية وثم ترجمتها للعربية. فنياً، تتبع الرواية تقنية التوليف بين عدة قصص تحت عناوين ممُختلفة في وقت تناقش فيه هذه القصص ثيمة واحدة و تصب في مجرى الاحداث و الحِبْكة. صعوبة تقنية التوليف تكّمُن في تطلبها لكِتَابة غير صريحة، بل غارقة في المجازية و اللامباشرة. ويلاحظ عدم توفق آرثر أحياناً في بعض الاجزاء، تفادي المباشرة التي تعود في إعتقادي لطبيعة الكاتب كمتتبع وشاهد على إحباطات عديدة في البلاد بحيث يصير إخفاء دور المراقب اليقظ مهمة عسيرة و كبح طغيان صوته على صوت الراوي أصعب، ليكون الناتج مباشرة كان يمكن تفاديها في بعض أجزاء الرواية عبر الوقوف مسافة فنية من النص.
(5)
كما في معظم كتاباته الابداعية، وظف الروائي الكتابة الهجائية. ليس فقط لتسليط الضؤ على الواقع، الشخوص والامكنة، بل لكشف المعاني السياسية للنص. عبر توظيف أحداث فعلية في شكل تخيلي (التخييل التاريخي)، كان الناتج عمل فني يحرض على التفكير و مسألة السائد. من المثير للإهتمام ايضاً في العمل، إستخدام الهجاء بطريقة مبدعة – وان امتازت بالمبالغة أحياناً – ، حيث تكشف الرواية سخافة القادة عبر تصويرهم كافراد تافهون، مثيرون للشفقة و مهرجون صعدوا لسدة الحكم دون إستحقاق. هذا الشكل من تصوير القادة عكس ما يشتهون، يسهم بشكل فعال في تحطيم الاوهام و رد من يفترض فيهم قادة عظام لمكانتهم الطبيعية كبشر مثيرون للشفقة.
(6)
بجانب فنتاريتها البيّنة، يمكن إعتبارها كرواية سياسية نسبة لواقع ان السياسة هي الموضوعة الطاغية على أغلب أجزاءها. ملاحظتي الشخصية بالضرورة على هذا العمل، هو تجاهل الروائي آرثر ياك ضرورة التأكيد على أن يجري تناول الموضوعة محل الكِتابة بعمق دون إسفاف يؤثر على الشكل الفني لأن العمل الأدبي السطحي يشوه الموضوعة محل الكِتابة رغم نبلها، وكما عبر عنه الروائي الكولمبي غابرييال ماركيز والذي يحمل لقبه إحدى المجموعات القصصية للروائي و المترجم آرثر غابرييال ياك، ليس هنالك التزام حقيقي خارج الكتابة المبدعة، والالتزام الوحيد للكاتب هو أن يكتب بشكل جيد.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.