آخر الأخبار
The news is by your side.

يقظة فكر  … بقلم: د. ولاء أمين  ..  “مَاۤ أُرِیكُمۡ إِلَّا مَاۤ أَرَىٰ”

يقظة فكر  … بقلم: د. ولاء أمين  ..  “مَاۤ أُرِیكُمۡ إِلَّا مَاۤ أَرَىٰ”

سمعت خطاب لبشار الأسد ملخص الخطاب “مَاۤ أُرِیكُمۡ إِلَّا مَاۤ أَرَىٰ”…الخطاب حضره شيوخ ولذلك رمزية معينة بالطبع…يقول في الخطاب بأن الإسلام كمرجعية للحكم شيء ونظام الحكم شيء آخر وأن الإسلام السياسي جرثومة تنهش جسد الأمة وهو يؤمن بأنه سقوطه يخدم الدين لأنه يحصر دور الدين في الدعوة ونظام الحكم يبقى للحاكم.

بشار مجرم و مستبد، لا خلاف في ذلك ولكنه يحاول دسّ السم في العسل ويقول بأن الدولة إسلامية ولكن لا يحق لكم محاكمة الحاكم بناء على ما ينص عليه الشرع من الأخذ على يد الظالم تطبيقاً لمبدأ “التأمر في الأمير” أي التحكم في الحاكم واستعادة لشكل السلطة الذي تنص عليه مجموع القيم السياسية الإسلامية فالسلطة في الإسلام هرم مقلوب الأمة فوق السلطة، وليست كأهرام مصر الذي كان يقول فرعونها ” أنا ربكم الأعلى” فكان في موضع علويّ يبرر له البطش والأمة في موضع سلفي تستسلم للبطش…هو يدرك بأن الدين الإسلامي جاء لأجل الإنسان وإصلاح وعمارة الأرض.

الإصلاح الذي يشمل إصلاحات سياسية لذلك هو دين سياسي وليس دين تعبدي فقط، ومحاولة جعله دين تعبدي هو أحد أشكال الاستبداد الذي يهدف لقصر الدين في دور العبادة وعزله عن السياسة ليبقى الميدان والمعترك السياسي خالياً من أي قيد أو رادع ديني يوقفه عند حده…

لذلك يحاول حصر دور شيوخ وعلماء الأمة في الدعوة والعبادة وقصر الدين على نظام التدين فقط، أما غيره من اقتصاد واجتماع وقضاء وسياسة وحرب وسلم؛ فلا دخل للدين فيه كما قال قوم شعيب لنبيهم : ” قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ”، فهم يتصورون أن الصلاة لا علاقة لها بتغيير النظام الاجتماعي والاقتصادي، فيقول في ذلك القائل: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله؛ فيأتي الجواب القرآني البليغ “قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ”…الجواب القرآني يقول بأن جميع أفعال المكلفين لها أحكام شرعية.

الأحكام التي يجمعها علم الفقه المعنيّ بأفعال المكلفين، وبإستعراض أبواب علم الفقه نجده ينقسم إلى: عبادات، معاملات، مناكحات، مواريث، جنايات، قضاء وجهاد…العبادات نظام تدين، والمعاملات يقصد بها المعاملات المالية من بيع وشراء وإيجار وغيرها من عقود المعاوضات وهذا النظام الاقتصادي…المنكاحات والمواريث هي النظام الاجتماعي أو الأحوال الشخصية…الجنايات هي نظام العقوبات…القضاء هو النظام القضائي والجهاد أو السياسة الشرعية هي النظام السياسي…بانضباط هذه المنظومات جميعاً: التدين، الاقتصاد، المجتمع، القضاء، أمور الحكم والسياسة والحرب..تحصل عمارة الأرض وتتحقق الإصلاحات.

أجزم بأنه يدرك ذلك كله ولكنه يوجه الخطاب للشيوخ، خطاب بمثابة تجديد علاقة المستبد وشيخه وعقد صفقة تجهيل وإلهاء الشعوب، المستبد بشار مهمته أن يجعل الشعب فقيراً ومشرداً و على هامش الحياة ورجل الدين مهمته أن يجعل وعي الشعب غائباً وذلك يتم من خلال اتباع آلية التجهيل وآلية الإلهاء، فالتجهيل يقوم بتحريك الأذهان إلى جهل والغفلة عن القضايا المصيرية والشأن العام، أما الإلهاء فيهدف إلى إلهاء الإنسان عن الحقوق الكلية وجعله مهتماً بالحقوق الجزئية…بما يقع تحت فلسفة ” الأهم والمهم” و”فقه الأولويات” فتجده منشغلاً بالمهم دون الأهم وبالهامش دون المركز.

خلاصة القول…محاولة جعل الدين الإسلامي دين تعبديّ، لا رأي له ولا تشريع خاص بالمجتمع والدولة والسياسية…شكل من أشكال تزوير الدين وتشويه الدين الحقيقي، كون الدين الحقيقي يحول بين الإنسان والاستبداد ويمنع تحوله إلى طاغية، ذلك أن تصورات وأفكار الدين الإسلامي…أفكار ترتقي بالإنسان وتحرره من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد…أفكار تجعل الإنسان حُر ورباني، تزوير الدين يقوم بتحويل أفكاره الدينية من أفكار حية دافعة محركة نابضة إلى ايدولوجيا راكدة ميتة رجعية، ومن هنا يمكن معرفة سبب تجدد الأنبياء والرسل بين الفترة والأخرى وسبب وجود المصلحين وعدم فنائهم بالرغم من الظلم قد يواجههم، وذلك لفضح ما استجد من التزوير والتمرد على الدين.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.