آخر الأخبار
The news is by your side.

 لغتنا الجميلة: مما تتميز به اللغة العربية

 لغتنا الجميلة: مما تتميز به اللغة العربية

بقلم: د. هاشم غرايبه

مما تتميز به اللغة العربية قوة التعبير وسعة البيان، وجاء ذلك لتعدد الألفاظ الدالة على المعنى، وهذا التعدد ليس ترادفا، بل لكل لفظة معنى دقيق ومحدد، لا يستقيم المعنى بغيرها.

فلو أخذنا على سبيل المثال ثلاثة أفعال متقاربة في المعنى وهي: (فعل) و(عمل) و(صنع)، لوجدنا أن كل لفظة منها تؤدي معنى مختلفا.

فالعمل يشمل كل أداء يؤديه الإنسان في الحياة، وهي صفة شاملة لكل ما يقوم به فعلا بجوارحه أوقولا بلسانه أو صنعاً .

بينما ينحصر الفعل بالعمل الذي ينجزه الإنسان باستخدام جوارحه، ما عدا القول باللسان .

أما الصنع فهو الفعل الذي يؤدى لينجز نتيجة مقصودة، لذلك فله مقدمات محسوبة وخطوات محددة.

لو تأملنا في مواقع ورود هذه الألفاظ في القرآن الكريم، لوجدنا أنها جاءت في جميع الواردة فيها مؤدية للمعنى المراد بدقة.

فقد وردت لفظة (عمل) ومشتقاتها 359 مرة في القرآن الكريم، وأكثرها ورد في عمل الصالحات، ولم يقل تعالى في أية مرة يفعلون الصالحات أو يصنعونها، لأن (العمل) شمولي لكل ما تقوم به الجوارح من الفعل والقول.

ومن الإعجازات البيانية للقرآن الكريم أنها وردت عند تبيان عدم غفلة الله عن أفعال البشر وأقوالهم أيضا، وفي كل المواضع العشرة، وردت بثلاث صيغ، لكنها جميعا جاءت بنفي غفلته تعالى عن عمل البشر.

فقد وردت: ” وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” في سبع آيات كريمة في سورتي البقرة وآل عمران، وصيغة: “وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” في آيتين في سورة هود والنمل، وبصيغة: “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ” آية في سورة ابراهيم.

نلاحظ أن الله تعالى لم يستعمل في الآيات المذكورة صيغة (يفعلون) أو (يقولون)، لأن نفي غفلته تعالى عن فعل الظالمين قد يفهم منه أن أقوالهم غير مشمولة، لكن استعمال (يعملون) تشمل كل الأفعال والأقوال والنوايا لها.

الفعل: ارتبط استعماله في القرآن الكريم بالجهد البدني البشري، فقال تعالى: “قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء:62]، ولم يقل تعالى (من عمل) لأن تكسير الأصنام بالفأس فعل بدني، كما جاء في قوله تعالى على لسان فرعون: “وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ” [الشعراء:19]، لأن وكز موسى كان باستعمال اليد.

وأما الصنع فقد ارتبط ذكره في القرآن الكريم بالعمل المقصود المخطط لانجاز محدد أو متكرر، وفي المرات العشرين التي وردت فيها لفظة (الصنع) ومشتقاتها في القرآن الكريم لم يخرج المعنى عن ذلك.

في مثال آخر عن استيعاب اللغة العربية لإعجاز القرآن البياني المبهر للعقل، نجده في المعنى المراد من وراء استعمال صيغتي: أخذ وأخذت في سورة هود، حيث جاءت بالمذكر في الآية 67 في معرض إهلاك قوم صالح “وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ” [هود:67]، أما في الآية 94 فنجد الصيغة بالمؤنث في معرض إهلاك قوم شعيب: “وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ”.

نفهم المراد من ذك من التأمل في سياق الآية وما سبقها.

ففي حالة قوم صالح الذين عقروا الناقة نفهم غضب الله تعالى عليهم، من سياق التتابع السريع باستخدام فاء العطف في عرض الأحداث الموجبة لغضب الله: “فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا” [الشمس:13-14]، لذا كان التركيز على فعل الأخذ، بغض النظر عن آليته.

أما في حالة قوم شعيب، فقد جاء العرض للأحداث متأنيا، فصيغة (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا) تعني التتابع المؤجل وغير القريب، وأوردت الآية التي قبلها أنه كان هنالك مجال للنجاة من الصيحة: “وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ۖ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ”، لذلك فكان استخدام (أخذت) لأن الإشارة هنا جاءت الى آلية العذاب (الصيحة)، التي استحقت جراء تفويت المهلة، وعدم اغتنام فرصة النجاة من العذاب المرتقب.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.