رمضان في السينما المصرية 

بقلم: ناصر عراق

كيف تناولت السينما المصرية شهر رمضان المبارك؟ وهل استطاعت أن تعكس، بصدق وعمق وفن، أجواء الشهر الكريم وطقوسه في فيلم أو أكثر؟.

قبل أن أجيب عندي ملحوظة أود تحريرها، وهي أن المصريين القدماء، أي قبل ظهور الديانات السماوية الثلاث، كانت لهم طقوسهم الدينية الخاصة بهم والتي يعبرون بها عن فرحتهم بحلول أيام العبادات والشعائر والأعياد، تلك الطقوس التي استمر الناس يمارسونها حتى بعد دخول المسيحية والإسلام، فذابت مع كل دين جديد، حتى باتت كأنها جزء أصيل من هذا الدين الجديد.

تقول الدكتورة بسمة الصقار الباحثة في علم المصريات في لقاء تليفزيوني عبر قناة ON إن مطلع أغنية (وحوي يا وحوي إياحا) التي يغنيها أطفال مصر كلها في شهر رمضان منذ مئات القرون، والتي يترنم بها المطرب القديم أحمد عبدالقادر وتذاع طوال أيام الشهر الفضيل. تقول الدكتورة بسمة:

ذلك المطلع هو عبارة عن كلمات مصرية قديمة، فكلمة (إياح) تعني القمر، وكانت هناك ملكة مصرية قديمة اسمها (إياح حتب)، أي (قمر الزمان)، وهي زوجة الملك (سقنن رع) والد الملك أحمس الشهير الذي طرد الهكسوس من مصر.

وتواصل الدكتورة بسمة الصقار الشرح قائلة:

إن كلمة (واح) يعني (اظهر)، ولما كان المصريون القدماء مفتونين بالملكة (إياح)، فكانوا ينشدون لها قائلين (واح واح إياح)، أي (اظهر اظهر أيها القمر).

من هنا نستطيع أن نعي كيف أن طقوس الشهر الكريم في مصر ذات مذاق متفرد خاص جدًا، لا شبيه له في أي بلد في العالم،

فهل نجحت السينما في رصد هذا التفرد وعرضه على الشاشة البيضاء بفن وجمال؟.

الحق أن هناك العديد من الأفلام المصرية التي مرت مرور الكرام على الشهر الكريم وظلاله وطبائعه، لكن يظل فيلما (العزيمة)، و(في بيتنا رجل) أهم تلك الأفلام التي سلطت الضوء بفن وذكاء على كيفية تعامل المصريين مع طقوس الشهر الكريم وعاداته وروحانياته.

عرض فيلم (العزيمة) في 6 نوفمبر 1939، وهو من إخراج كمال سليم وبطولة كل من فاطمة رشدي وحسين صدقي وأنور وجدي وزكي رستم وعبدالعزيز خليل، وفيه تتجلى أجواء الشهر الكريم من خلال بعض الحوارات بين أبطال العمل المستبشرين بأيامه المباركة، علاوة على مشهد لطيف لمرح الأطفال وهم يتجولون في الحارة ليلا حاملين الفوانيس وهم يغنون (وحوي يا وحوي)، بينما الأنوار تزين الجامع وبيوت الحارة.

أما فيلم (في بيتنا رجل)، فقد عرض في 17 أبريل 1961، وهو من إخراج هنري بركات وبطولة عمر الشريف وزبيدة ثروت ورشدي أباظة وحسين رياض وحسن يوسف.

في ظني أن بركات، هذا المخرج المسيحي، أفضل من قدم مشاهد رمضانية في السينما المصرية من خلال ذلك الفيلم الجميل،

فالرجل امتلك حساسية مفرطة في التعامل فنيًا مع لحظة الإفطار وأذان المغرب وأحوال القاهرة وبيوتها وشوارعها وأزقتها، وأظنك لاحظت ذلك عند مشاهدتك للفيلم.

أجل… السينما المصرية كنز لا يفنى، وكل سنة وأنت طيب.

* مقالي اليوم في صحيفة الوفد المصرية.