آخر الأخبار
The news is by your side.

 تأملات قرآنية…في الآية 14 من سورة الحجرات

 تأملات قرآنية…في الآية 14 من سورة الحجرات

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 14 من سورة الحجرات: “قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ”.

في ظل استنكاف بعض دول الجزيرة العربية عن نصرة قضية الأمة، وموالاة حماة العدو والاصطفاف معهم في محاربة المجاهدين الاسلاميين، يذهب البعض للإحتجاج بهذه الآيات لأجل الطعن في صدق إيمان أهل الجزيرة، لكن ذلك لا يصح، لأن فيه تعميما، فالموقف السياسي مرتبط بأشخاص محددين في النظام الحاكم، ولا يجوز اسقاطه على الكل.

كما يحلو لبعض معادي الإسلام أن يفسّروا الآية بأنها تعني أن الإيمان درجة متقدمة على الدين، وبناء على هذا الفهم يقولون بأنهم طالما آمنوا بالله إلها خالقا، فهم ليسوا بحاجة الى الإسلام، لأنه مرحلة تجاوزوها الى الأرقى. يعتبر هذا التفسير من باب ليّ أعناق الآيات لتتوافق مع الهوى، فلو فسّرنا الآية بسياق نزولها أي تأويلها أولا ثم بالمعنى اللغوي على إطلاقه ثانيا، لوجدنا أنها نزلت قي قوم محددين من بني أسد، أرادوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم عطاء بحجة أنهم من المؤمنين، فنزلت هذه الآية لتكشفهم فتبين أنهم أسلموا بحكم الأمر الواقع، لكن الإيمان الحقيقي لم يتمكن من نفوسهم بعد، فليس مجرد النطق بالشهادتين كافيا لاعتبار المرء مسلما.

ودلالة أن هذه الآية ظرفية أي متعلقة بظرف متزامن لنزولها، أن الإِخبار جاء فيها بالأمر: (قل) أي أنها إجابة على مسألة وقعت، وليدلهم على أن الإيمان ملازم للإسلام، بدلالة استعمال (لمّا) التي تفيد الحصول المؤكد للأمر مع التتالي بلا انقطاع عنه.

لكن كل الآيات، حتى الظرفية منها، تأتي دائما لتبيان حالة يمكن أن يقاس عليها بمثلها أن تحققت شروط لحالة أخرى تماثلها، لذلك جاءت الآية التي تليها لتفسر من هم المؤمنون حقا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ”.

إذاً، هل يمكن للمرء أن يكون مسلما لكنه غير مؤمن، أو مؤمنا وهو غير مسلم؟.

منطقيا، يمكن للمرء التظاهر بالإسلام أو الإيمان تكسبا بذلك أو تجنبا لخسارة، لأنها قناعات وجدانية لا يعلم حقيقتها غير علام الغيوب، لكنه إذ ذاك ليس صادقا في ادعائه.

وعليه فجوابا على الشق الأول، فلا يمكن للمرء أن يكون مسلما وهو غير مؤمن، وصدق إيمانه يتبدى من تحقيق الشروط الثلاثة الآنفة الذكر: 1- الإيمان بالله وبرسوله، 2- عدم التشكيك بما جاء به الرسول (القرآن) واليقين بأنه من الله، 3- تصديق ذلك عمليا بالتضحية في سبيل هذا المعتقد بالنفس والمال.

هنا نجد انتفاء الحاجة الى الإجابة عن الشق الثاني: (هل يمكن أن يبقى المرء مؤمنا وهو غير مسلم؟)، إذ أنه كيف يؤمن بالله ولا يؤمن برسوله وهما جاءا متلازمين؟، فجاء النص (آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)، ولم يفصل تعالى الإيمان به عن الإيمان برسوله، أي أنهما إيمان واحد لا يتجزأ.

وجاء عطف الشرط الثاني: (لَمْ يَرْتَابُوا) على الشرط الأول باستعمال (ثم) لتفيد لزوم المشاركة على التوالي غير اللصيق لأن فهم القرآن يحتاج الى تفكر وتأمل عقلي لإزالة الإرتياب(الشك)، والذي متى ما تحقق، فسيلحق به وجوبا الشرط الثالث(جاهدوا..)، وعندما يستكمل المرء ذلك كله .. يعد صادقا في إيمانه.

نخلص مما سبق الى نتيجتين:

أولاهما: ان هنالك درجات لتعمق الإسلام والإيمان في نفس المرء، ولأن التلازم المنهجي والمبدئي بينهما متحقق، فهما عندما يرتقيان معا عند الشخص، يتّحِدان، فيهديان المرء الى اتباع صراط الله المستقيم، وبالطبع فليس من هؤلاء من آمن ببعض كتب الله وكذب ببعض، ولا من كذب برسل الله فغضب الله عليهم، ولا من جعل لله شركاء، فكان من الضالين.

والثانية: ان خير أمة هي الاسلام لأنها تتبع منهج الله: “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” [فصلت:33]، لذلك الإسلام ليس بالقول فقط، بل تصديقه عمليا بالإيمان، وإمارة صدق إيمانه أعمال ثلاث مجتمعة:

– الدعوة الى الله، وبالطبع فليس صادقا من يحارب منهجه ويلقي بالمودة لمعاديه.

– العمل الصالح الذي يرضي الله.

– الانتماء الحقيقي الى المسلمين، فيعمل لصالحهم، ويوالي من يواليهم، ويعادي من يعاديهم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.