آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات قرآنية: الاية 34 من سورة محمد

تأملات قرآنية: الاية 34 من سورة محمد

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الاية 34 من سورة محمد: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ”.

تقطع هذه الآية أي جدل في تحديد مصير فئة عريضة من البشر، لم يؤمنوا بالله ورفضوا اتباع منهجه، ولم يكتفوا بذلك بل بذلوا جهودا في حياتهم لثني المؤمنين عن الإيمان، أو قطع طرق الهداية على من لم تصله الدعوة.

من مات منهم ولم يتب عن ذلك ولم يصلح ما أفسده، فقد حرم نفسه من مغفرة الله ورحمته، وهؤلاء قطعا مصيرهم العذاب المقيم في جهنم لأن الله منحهم فرصة طويلة وهي فترة حياتهم الدنيوية، لكنهم أصروا على الضلال والعداء لمنهج الله، فليس لهم أن ينتظروا رحمته بهم، بعد أن بين لهم مسبقا عاقبة ذلك.

لعل اكثر المتضررين وسيلقون ذلك المصير التعيس في الحياة الآخرة، جراء المكابرة والعناد هم الفئة الكافرة من بين المسلمين، فكفر المجتمعات الكافرة هو عن جهل وانغلاق تعصبي، لذلك حرموا أنفسهم من الهدى، أما أولئك الذين اختاروا الكفر رغم أنهم يعرفون الإسلام وكتاب الله، كونهم يقطنون في مجتمعات مسلمة، وأغلبهم متعلمون ومثقفون، فهم مؤهلون بحكم تعلمهم أن يكونوا مؤمنين، لكنهم وقعوا في عاقبة سوء اختيارهم بعداء منهج الله بذريعة أنهم يريدون التقدم لأمتهم، ويظنون أن الدين هو سبب تأخرها، لذلك يعادونه ويسعون لصد الناس عنه، فهم بحماقتهم تلك، فعلوا بأمتهم كما فعل الدب بصاحبه الذي هشم رأسه، وفي نيته أن يهش الذباب عنه!.

أعرف من هؤلاء المعادين للدين جماعة يقولون عن أنفسهم أنهم ينتهجون العلمانية، وأنا أعلم أن ذلك ليس نهجهم، بل هو للتغطية على عدائهم للدين، لأن العلمانية تقتضي احترام معتقد الآخر، لكنهم لا يحترمون إلا المعتقدات الأخرى، بما فيها الفاسدة، ولا ينتقدونها، ليس اقتناعا بصوابها، بل لأنها تخالف منهج الله وتضع نفسها بديلا له.

سألت مرة أحد أعضاء هذه المجموعة: لماذا أراكم تلتقون دائما في ظهيرة يوم الجمعه، فرد: بصراحة، حتى لا يتفلت بعضنا ويذهب للصلاة، ثم أردف ضاحكا نحن أعرف بأنفسنا وأننا غدارون، فمن ألسهل على أحدنا أن ينتقل الى الطرف الآخر، ولذلك حتى لا ينفض جمعنا، فإننا نلتقي كثيرا ونتواصل على وسائل التواصل يوميا لكي نشد أزر بعضنا بعضا، فنتعاضد ونتماسك.

قلت في نفسي: سبحان الله الذي أنزل في كتابه تبيانا لكل شيء، حتى طبائع أهل الضلال، إذ قال في تآزرهم للصمود أمام منطق الهدى الكاسح: “إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا” [الفرقان:42]، لنعلم أن ما جمع معادي منهج الله قديما، هو ذاته على مر العصور والأزمان، وليعلم الناس أن ما أنزله الله في كتابه الكريم، فيه معالجة لأحوال البشر والى يوم الدين.

لكن الله الرحيم بعباده لا يرضى لهم الكفر، وما سيجره عليهم ذلك من ضنك في الحياة الدنيا، وسوء منقلب في الآخرة، فأبقى باب العودة عن الضلال مفتوحا لكل من أراد العودة عنه حتى آخر يوم في حياته، لذلك حدد الخارجين من رحمته بـتلك الفئة التي لم تعد عن غيها، ولم تستفد من خيار التوبة: ” ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ”، فيما أنجى التائبين المستغفرين، لأن رحمته واسعة تتسع لخلقه جميعا، ومغفرته لن تضيق بأحد حتى لو تاب كل البشر، فهو يمتلك خزائن كل شيء، وجنته واسعة، بعرض السموات والأرض.

وأما رحمته بعباده المؤمنين فهي أعظم، إذ لم يكلفهم بما يشق عليهم، بل بإكمال مهمة التبليغ التي بدأها رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتوقف عن أدائها لحظة واحدة الى أن أتاه الأجل، ولم يكلفهم بإكراه الناس على الإيمان: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” [البقرة:256]، فبعد أن انتشر العلم وأصبح العقل هو الحكم في القناعات، وعرف الإنسان أن عدم رؤية الشيء ليست دليلا على عدم وجوده، بل آثاره وأفعاله كافية لتأكيد وجوده، ولما لم يمكن تقديم أي دليل مادي ولا حجة عقلية على عدم وجود الله، فأن من يصر على إنكار وجود الله أو يكذب بدينه أو يمانع من اتباع منهجه، فهو معاند مكابر، أو جاهل مغرور.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.