آخر الأخبار
The news is by your side.

 تأملات رمضانية …في الآية 28 من سورة التوبة

 تأملات رمضانية …في الآية 28 من سورة التوبة

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 28 من سورة التوبة: “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ”.

قد يستغرب المرء بذل معادي منهج الله وعلى رأسهم الغرب جهودا محمومة لإشهار التطبيع بين دول الجزيرة العربية والكيان اللقيط، رغم أنها من الناحية العملية ليست من دول الطوق، ولا تشكل هذه الأقطار خطورة عسكرية لذلك الكيان، كما أنها جميعها مربوط خيطها سياسيا واقتصاديا في كف أمريكا، فلا يمكنها أن تحلق بعيدا عما تريده، لذا فلن يشكل اعلان التطبيع أية اضافة نوعية لصالح الكيان، فكل مصالحه مصانة منذ زمن طويل، وطائراته تملك الحرية في المرور عبر الجزيرة وإليها.

في هذه الآية الكريمة الإجابة، فمنذ أن قدر الله نزول الرسالة الخاتمة في البقعة المباركة التي وضع فيها أول بيت في الأرض لعبادته، أراد لهذه البقعة التي أوجدها كشبه جزيرة محمية بفعل طبيعتها الجغرافية والمناخية من أطماع الغزاة، فلم يصل قلبها (مكة) المحتلون، وحماها الله في المرة الوحيدة التي هاجمها أجنبي (ابرهة الأشرم)، فرده خائبا مدحورا من غير قتال.

كان أول قرار سيادي للدولة الإسلامية بعد أن نصرها الله بفتح مكة، هو تحقيق طهارة هذه البقعة من دنس الكفر والى الأبد، لذلك جاء أمر الله في هذه الآية بمنع دخول المسجد الحرام لغير المسلمين، ولضمان ذلك عمليا جاء أمر الله في الآية 29: “قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ”، وذلك لقطع دابر الكفر والشرك نهائيا من الجزيرة العربية، لكي تظل موئلا خالصا لدين الله، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يجتمع في جزيرة العرب دينان” [صحيح:البخاري ومسلم]، كما قال: “لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً” [صحيح مسلم:1767].

ولما كان دأب معادي منهج الله سواء، كانوا كفارا أو مشركين أو منافقين، محاولة ابطال كلام الله: “يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ” [الفتح:15]، سعيا لتنفيذ مأربهم في اطفاء نور الله (إبطال اتباع دينه): “يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ” [التوبة:32]، ولأن هذه البقعة هي موئل هذا الدين ومنطلق انتشاره الى العالم كله، فهم يريدون القضاء عليه في بؤرته، لذلك تركزت جهودهم على تحقيق التطبيع لاختراق قرار تطهير الجزيرة العربية، وأطمعهم في ذلك نجاح مسعاهم قبلا بإدخال الشرك وأعادة الأوثان الى الجزيرة من خلال اقامة معبد للهندوس في أبوظبي، لذلك كان قرار التطبيع على وشك الإعلان عنه عندما قام المجاهدون بشن معركة الطوفان، لذلك لا نشك في أن الله الهم المقاومين التوقيت لأجل تعطيله وأيقاف مساره.

بالطبع هم يعتقدون أن القضاء على الدين من خلال الاحتلال العسكري للجزيرة غير ممكن، فلجأوا الى اقامة القوعد العسكرية فيها لأجل دوام الهيمنة على القرار السياسي للأنظمة السياسية الحاكمة للمنطقة الإسلامية، ونجحوا فعلا في تحقيق تبعية تلك الأنظمة والزامها بمنع أي نشاط يؤدي الى التحول سياسيا الى النظام الإسلامي، ثم جربوا استخدام الردع بالقوة الغاشمة، فشنوا الحرب عل الإرهاب بهدف إرهاب المسلمين وصدهم عن الدين، لكنهم لم ينجحوا، بل ازداد التعلق به أكثر، وأدى إجرامهم الى نتيجة عكسية أذ ازداد الإقبال عليه بين شعوبهم.

لم يبق أمامهم إلا مهاجمته في عقر داره وبؤرة إشعاعه، فزادوا الضغوط على أنظمة الخليج حتى رضخت ووافقت على إشهار التطبيع، وذلك لأن التنسيق السري الذي كان قائما بين هذه الأنظمة والعدو لم ينجح بكسر الإرادة الشعبية الإيمانية، إذ ظلت النفوس ملتزمة بالأمر الشرعي بضمان طهارة الجزيرة من الشرك.

هم يأملون بالتطبيع فتح الباب واسعا أمام دخول وسائل إغراء النشء الجديد بالتحلل من الدين، وتم التمهيد لها بحجة تنشيط السياحة وزارة للسعادة وهيئة للترفيه.

لكن الله لهم بالمرصاد، وسيفشل مسعاهم، وسيتم نوره، فمن حمى بيته الحرام بالطير الأبابيل سيحميه بالسواعد المؤمنة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.