آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات رمضانية…في الآية 142من سورة آل عمران

 تأملات رمضانية…في الآية 142من سورة آل عمران

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 142من سورة آل عمران:”أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ”.

لو رجعنا الى تفسير السلف الصالح لوجدناهم فسروا الآية بمعناها الظاهر، فقد فسرها ابن عاشور:” لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقارعة الأعداء”، وأما ابن كثير فقال:” أن دخول الجنَّة الَّذي هو مرغوبهم لا يحصل إذا لم يبذلوا نفوسهم في نصر الدّين”، فيما ذكر الطبري في تفسيره:” يا معشر أصحاب محمد أظننتم أن تدخلوا الجنة ولما يتبيَّن لعبادي المؤمنين، المجاهدُ منكم في سبيل الله، على ما أمره به”.

نلاحظ أن تفسيرات الأقدمين كانت بناء على اعتبار أن مرادات الآيات القرآنية كانت مقصورة على الأحداث في زمن النبوة، ففسروا هذه الآية وكأنها متعلقة بمعركتي بدر وأحد فقط، فقد اعتقدوا أن مرادات الله في الآيات القرآنية يحددها هذا التفسير الظرفي.

الآيات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام مُنجّمة أي مواكبة للأحداث، لكن ذلك كان من أجل التطبيق الحي لترسيخ فهم الأحكام عمليا لتعلمهم أصول دينهم ومن ثم ينتقل ذلك الفهم جيلا بعد جيل.

صحيح أن أصول الدين واسس العقيدة ثابتة لا تتغير بتغير الأزمان والدهور، لكن الفقه متغير متطور حسب الزمان والمكان، ووفق ما يستجد من تغير أحوال الحياة ومصالح الناس، بدليل أنه منذ عصر التابعين بدأت حركة متسارعة في التوسع في فهم الأحكام الشرعية، فنشأ علم الفقه، وظهر أئمة ذوو علم واسع وفهم مستفيض، ونشأت مدارس فقهية تباينت اجتهاداتها في كل الفروع، وإن اتفقت في الأصول.

وما زال الله يقيض في كل عصر لهذا الدين من يجدده، ولعلوم الدين من يتعمق ويتوسع فيها، وذلك لأن الله أراده أن يكون منهجا لكل البشر والى يوم الدين.

وبما أن القرآن الكريم هو المرجع الأساس وفي كل الأزمنة، فلا يمكن أن يكون تفسير فقهاء أي عصر هو النهائي، بل يجب دوام التفكر فيه من أجل فهمه بما يتناسب مع توسع مدارك البشر، والاستفادة من ذلك لحل المشاكل المعاصرة

في هذه الآية الكريمة، ومن أجل فهم مراد الله تعالى، يجب أن نبحث عن الحكمة في مسألتين:

الأولى: مجيء (أم) في بداية الجملة، مع أننا نعرف أنها للتخيير بين جوابين لسؤال، فأين السؤال وأين الجوابين؟

من إعجاز البلاغة القرآنية الاختصار من غير إبهام، فالسؤال المحذوف المفترض من المخاطَبين (المسلمين) هو بخصوص شروط استحقاق الجنة، فكانت الإجابة بتخطئة اعتقادهم بأنها مستحقة لهم بمجرد إيمانهم بالله وبرسالته واتباع أحكام دينه، فهنالك شرط هام آخر!

الثانية: تفسير الشرط، وهو (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ..)، وقد جاء متبوعا بـ(لمّا)، وهي تختلف عن (لم) التي تعني نفي حصول الفعل بالقطع، لكن (لمّا) تفيد نفي حصوله بعد مع انتظار حصول ذلك، بمعنى أن الشرط قد يتحقق في أي وقت ينفذ فيه الفعل المطلوب.

لكن السؤال هنا: هل حقا أن الله لا يعلم من هم الصادقين أو الصابرين، وهو علام الغيوب ويعلم ما تخفي الصدور؟

إن في مجيء (لما) هنا الإجابة، فالمقصود بـ (يعلم) هنا ليس العلم المعرفي بل الاستحقاق كنتيجة للممارسة الفعلية.

لذلك نخلص إلى أن علم الله متحقق، لكنه من باب حكمته التي أحاطت بكل شيء علما، وليس من باب التحكم في نوايا البشر وتسيير أفعالهم، وشاءت عدالته أن يتيح الفرصة لاستحقاق ثوابه العظيم لمن شاء.

لكن دون ذلك اجتياز امتحانين: النظري بالإيمان، والعملي بالدفاع عن العقيدة والصبر على مصاعب التمسك بها.

لذلك، جعل الله المصاعب تكتنف الأمة في كل العصور، ولم يجعل التحديات أمامها متوقفة على زمن فجر الدعوة، ورأينا أنها لم تنعم باستقرار وسكينة في أية فترة زمنية، حيث ظل معادو منهج الله يحلمون بالقضاء عليه على الدوام، فلم تكن تتوقف حرب يشنونها على الأمة، حتى يشعلوا أخرى.

هذا هو قدر هذ الأمة، فقد كلفها الله بمهمة صعبة هي تبليغ دعوته للبشرية، لذا فهي تحتاج الى تمرينات قاسية لتُمرّسها المعاناة ويصقلها الجَلَد، ولهذا قال تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس”.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.