آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات رمضانية… الآيات 139-142 من سورة آل عمران

 تأملات رمضانية… الآيات 139-142 من سورة آل عمران

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآيات 139-142 من سورة آل عمران: “وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ .إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ . أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ”.

نزلت هذ الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد معركة أحد، وفيها تعزية للمسلمين على ما أصابهم في هذه المعركة، وبيان لسنن الله الثابتة في جميع النزالات العسكرية التي وقعت وستقع مستقبلا، بين المؤمنين الحاملين لمنهج الله الى البشر، وبين معادي هذا المنهج الذين سيحاولون منعهم من اتباعه أو نشره.

إذا هذه حتمية تاريخية ستبقى قائمة الى يوم الدين، أراد الله لعباده المؤمنين أن يعوها، ويوطنوا نفوسهم على تحمل تبعاتها، ويمكن تلخيصها بما يلي:

1 – الحقيقة الأولى التي لا تتغير، أن مرتبة المؤمن في هذه الحياة هي الأعلى، لذا فمهما تفوق الكافر عليه أو نال حظا أوفر منه في أموره المعيشية، فسيبقى المؤمنون هم الأفضل والأرقى، شريطة التزامهم بمتطلبات إيمانهم، ولذلك نعت الله الكافرين بأنهم لا يعقلون ولا يفقهون بغض النظر عن مستوى ذكائهم، وذلك ببساطة لأن المؤمن استعمل عقله وفق ما أوجده الله له، فعرف به خالقه وأطاعه، فكسب خير حياته الدنيا والآخرة، وأما الكافر فاستعمله في تحقيق منافعه ومكاسبه الحالية المؤقتة في الدنيا، ونسي اعداد متطلبات الحياة الآخرة الدائمة الباقية.

2 – رغم أن الله لا يقيم وزنا للكافرين، لكنه عادل يوزع أرزاقه ونعمه على الجميع، المؤمن منهم والكافر في الحياة الدنيا لأنه جعلها دار ابتلاء، إذ لو جازى الكافرين بظلمهم فحرمهم، لبطل الابتلاء.

كما أن كلمة الله (قضاؤه) شاءت أن تمهل كل من انحرف عما فطره الى نهاية حياته، فلعل منهم من يتوب قبل موته، فتنفعه توبته بنوال مغفرة الله.

لذلك شاءت حكمته وعدالته أن يداول الأيام بين الناس، فلا يديم عزا لأمة ولا ذلا لأخرى، وقد رأينا في تاريخ الصراعات البشرية ذلك مؤكدا، وهذه حتمية أخرى تصيب المؤمن والكافر.

وشملت هذه الحتمية المسلمين منذ فجر الدعوة، فرأينا بلال الحبشي الذي كان عبدا ناله العذاب والأذى الكثير، لكنه انتهى سيداً مبجلا، وأرفع قدرا من سادة قريش الذين كانوا يذلونه.

وكانت أول معركة للمسلمين نصرا مؤزرا، لأنهم كانوا بأشد الحاجة إليه لإثبات وجودهم وفرض هيبتهم، لكنهم لكي يتعلموا درسا قاسيا ينفعهم في قادم الأيام هزموا في أحد، صحيح أن ذلك آلمهم وأحزنهم، لكنهم باتوا أشد عودا وأكثر صلابة، فنفعهم ذلك في قادم الأيام أيضا مثلما نفعهم نصر بدر.

3 – الشهيد من أعظم المراتب التي ينالها الإنسان، والوسيلة الوحيدة لنيلها هي أن يقتل في سبيل الله، لذلك جعل الله القتال لكي يختار هؤلاء من بين المؤمنين ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

صحيح ان الله يجتبي اليه من يشاء، فينيله في الآخرة ما لا ينيله لعامة المؤمنين، لكنه لعدالته تعالى جعل لذلك قوانين وقواعد، فلا ينال ذلك الاجتباء الا من اجتاز متطلبات ونجح بامتحانات، لذلك رأينا الأنبياء هم الأشد بلاء والأعظم تضحيات، ثم الأمثل فالأمثل.

أما عامة المؤمنين، فامتحاناتهم أسهل، فلكي ينالوا مغفرة الله ورحمته في الآخرة، ما عليهم الا الصدق في إيمانهم، والثبات عليه حتى آخر يوم في حياتهم مهما لاقوا من صعاب: “فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ” [البقرة:132].

4 – من سنن الله أيضا أنه يجازي الكافرين في الدنيا أيضا قبل عذابهم في الآخرة، فالذين تغرهم قوتهم فيطمعون بالنيل من المؤمنين عدوانا، يجازيهم الله بالهزيمة على يد المؤمنين الصادقين: “قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ” [التوبة:14].

وهكذا نرى أن وقوع منازلات جراء عدوان أهل الباطل على المؤمنين في كل عصر، هي من سنن الله، ليحقق من ذلك عذابهم على أيدي عباده المؤمنين، فيشفي صدورهم ويعزهم بالنصر عليهم ويخزي الكافرين.

وفي آخر منازلة شهدناها، في معركة الطوفان، سنرى كل ذلك يتحقق بإذن الله.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.