آخر الأخبار
The news is by your side.

 تأملات رمضانية… أرض الميعاد

 تأملات رمضانية… أرض الميعاد

بقلم: د. هاشم غرايبه

تكملة لمقالة الأمس التي دحضت فيا مقولة أرض الميعاد، أكمل اليوم الموضوع بدحض مقولة “شعب الله المختار”، والتي تندرج أيضا ضمن الخرافات التي ابتدعها أحبار تحريف التوراة إبان زمن السبي البابلي، لرفع الروح المعنوية لقومهم.

لكن قد يقول قائل ألم يقل تعالى: “يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ” [البقرة:47]؟.

الرد هو أن التفضيل هنا كان بأن خصهم بالأنبياء والرسل والتوراة، وليس بأنهم خلقوا ليكونوا سادة على غيرهم من الشعوب، كما أن الخطاب هنا موجه الى بني إسرائيل و ليس الى اليهود.

لتفصيل ذلك، علينا بداية أن نفرق بين ثلاثة أقوام: بنو أسرائيل، واليهود الذين كانوا مرافقين لهم، واليهود المعاصرين الذين هم من ذرية العصاة الظالمين من بني إسرائيل الذين لعنهم الله وكتب عليهم الذلة.

بنو إسرائيل هم الذرية التي أنجبها أبناء يعقوب بين اسحق بن ابراهيم، وكانوا اثني عشر، اثنان منهم صالحان أعطاهما الله النبوة هما يوسف وبنيامين، والعشرة الباقون كانوا غير صالحين وهم الذين كادوا ليوسف.

أما جعل النبوة في هذه الذرية فكانت تلبية لوعد الله لإبراهيم حينما نجح في الابتلاءات العظيمة، فجعله الله إماما للناس جميعا، ولما كان آنذاك شيخا طاعنا في السن، فقد سأل الله تعالى أن يُبقي الإمامة في ذريته: “قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي”، فأجابه تعالى لطلبه لكنه أبلغه أن هذا الوعد مقتصر على الصالحين منهم، إذ سيكون منهم ظالمون: “قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” [البقرة:124].

ظهر الظالمون مبكرا، إذ كانوا عشرة من أبناء يعقوب الإثني عشر منهم، ولنا أن نتوقع من ذلك كم ستكون نسبتهم عالية في الذرية القادمة، وبسببهم نال بنو اسرائيل العسف والظلم من فرعون فيما بعد، وكاد يقضي على هذه الذرية، الى أن قدر الله ولادة موسى وأن يتربى في بيت فرعون ذاته، ثم قدر هجرته الى مدين، الى أن بلغ أشده: “فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيَ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمّ جِئْتَ عَلَىَ قَدَرٍ يَا مُوسَىَ” [طه:40]، فأعاده الى مصر نبيا وأرسله لينقذ بني اسرائيل ويخرجهم من مصر.

لكنهم لغلبة الظالمين من بينهم، وما ان نجوا نسوا ما أنعم الله عليهم، وعندما غاب عنهم موسى لتلقي التوراة من ربه، ارتدوا الى الشرك وعبدوا العجل، ولما تابوا قالوا أنا هدنا (أي عدنا) الى الله، لها سمي هؤلاء باليهود، لكنهم بقوا مع الفئة الصالحة (بني اسرائيل) قوما واحدا، إلا أنهم ظلوا يتقلبون بين الطاعة والمعصية طوال الوقت، ولم يستجب الله لطلب موسى حين يئس من اصلاحهم: “قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ” [المائدة:25]، لإبقاء ذلك الصراع لحكمة هو يعلمها، حيث انه قدر انتهاء هذه الذرية الصالحة بآخر الأنبياء منهم وهو عيسى عليه السلام، والذي أرسله الله لإصلاحهم وابقاء شعلة الإيمان متقدة الى حين مجيء زمن الرسالة الخاتمة والنهائية للبشر.

كان آخر بني اسرائيل آل عمران، وشاء الله أن يتوفى عيسى بن مريم بنت عمران، ويرفعه إليه لينجيه من كيد اليهود، من غير أن ينجب، وأن يُقتل آخر الذكور يحيى بن زكريا بتحريض من اليهود قبل أن ينجب أيضا، وهكذا قدر الله انقراض هذه الذرية الصالحة.

وبذلك لم يبق إلا اليهود، فاستحقوا من الله اللعن، وحكم عليهم حكما قطعيا لا راد له: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ” [آل عمران:112].

يتبين لنا مما سبق سقوط اسطورة شعب الله المختار.

وهكذا وتنفيذا لإرادة الله فقد تشتت هؤلاء في الأرض، ولم يكوّنوا قومية جامعة، كباقي الشعوب، بل ظلوا منبوذين أين ما وجدوا، وقضى عليهم الله بأن يعلوا في الأرض مرتين، وفي كل مرة منهما يسلط عليهم من يعيدهم الى الذلة والمسكنة، وكانت المرة الأولى السبي البابلي، أما الثانية فقد اكتملت أشراطها وأهمها تجمعهم بعد تشتت، وعلوهم بعد ذل: “وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا” [الاسراء:104].

لذا فقد اقترب أوان الوعد الأخير، وسيكون على يد المسلمين بمشيئة الله.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.