آخر الأخبار
The news is by your side.

الذكرى الأولى لرحيل الفيلسوف الجزائري البشير ربوح

الذكرى الأولى لرحيل الفيلسوف الجزائري البشير ربوح

بقلم: سعد محمد عبدالله

بـدايـة، أبعث تحيات الثورة لأبناء وبنات مدينة رأس الوادي بجمهورية الجزائر؛ وأخط التحايا لجميع الأحرار علي سطح هذا الكوكب؛ وأجدد كلمات العزاء لكل الجزائريين وأخص أسرة ورفاق وتلاميذ فيلسوف الثورة في الجزائر الأستاذ بقسم الفلسفة – جامعة الحاج لخضر “باتـنـة”.

الصديق الراحل البشير ربوح عضوا الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية والذي غادرنا في نهاية العام 2019م بعد أن أنطق قلمه بعبارات فلسفية نورانية من عمائق فكره الخلاق وكنتاج ملخصات مستخلصة من تجارب ومناخات ثقافية جزائرية وثراء علوم ومعارف كونية كبيرة تشبع بها وصار فيلسوف عصره ومعلماً خيراً للأجيال الجديدة وملهماً شعبه آمالاً مزدهرة تدفع العقول نحو فضاءات التحرر من براثن الإستبداد والإظلام السياسي وإنعكاساته علي المجتمع برسف جسر الإستنارة والإصرار علي إحداث التغيير بارادة تعين علي تشكل مجتمع إنساني تعاوني جديد ومنفتح يؤسس لعالم السلام والحكم المدني الديمقراطي وحرية الفكر والرأي طبقاً لإشتراطات الحراك والتحول إلي واقع أفضل.

وهنا يذكرني صديقي البشير ربوح في الذكرى الأولى لرحيله من عالمنا المضطرب بعبارة رصينة كتبها قبل أن توافيه المنية بحادث مؤلم وقال فيها “المثقف هو الذي يأتي للحراك” وأجد ذلك القول مصدراً لبث الأمل والتفائل وإستعادة الإنسان الحركي التفاعلي الذي ينتصر لقضايا الجماهير ويساهم في صنع التغيير؛ ويأخذني القول إلي مطلع أنشودة “جيل العطاء” للشاعر محمد المكي التي تغنى بها الموسيقار المبدع محمد وردي صادحاً “من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر”.

وقد أعطى بشير ربوح شعبه وأصدقائه من مختلف الأقطار أنهر من آمال لا تتوقف عن الإنصباب في مجارٍ فكرية تحكم توطيد الروابط بين الإنسان والكون والعلم وترسخ الحرية والسلام وعلاقة المثقف العضوي بالمجتمع في حوار جاد مع العقول الحالمة بفجر التطور الكوني، وهنا ينبغي أن نتوقف عند جادة الثورة والتغيير ونُبصر الحياة بمنظار جدلي ونقدي يشرح حيثيات إستشكالات العبور نحو المستقبل المنشود مع إستشعار خطر الإحباط المشاع وسط مجتمعات ناهضة من حالة الجمود ولم تتخطى طور الإحتجاج بعد لتصل مرحلة تطبيق القيم الجديدة.

وهنالك أسئلة قلقة تتمدد علي طول وعرض العالم لم تجد الإجابات المناسبة بينما هذا الوضع أصاب الناس بالبؤس؛ وتحتاج تلك البلدان المُدمرة من مثقفيها وساستها إنتاج مشاريع وطنية جديدة أعمدتها الأساسية تقوم علي إستنارة العقول والإسترشاد بأراء الفلاسفة والمثقفيين سواً إتفقنا او إختلفنا حولها فهي مفيدة للتفكُر والتثاقُف والتنويير.

ويجب أيضا إعادة فتح الكتب المؤرشفة والإطلاع علي أعمال رواد الثقافة وفي مقدمتهم البشير ربوح الذي وضع أراء وتحليلات متقدمة جداً تخاطب الإنسان المعاصر من صفحة تواصل الشعوب والأفكار والصراعات الثقافية والفكرية المستمرة ونقرأ ذلك في كتاب “أسئلة قلقة في الراهن العربي” وندلف إلي كتاب “إستشكالات ودروب”، وكلاهما للكاتب البشير ربوح كأهم مساهمات فكرية في تشكيلات الكتب الفلسفية التي قدمها للحركة الأدبية الجزئرية الحديثة وأخذت مكانتها العالمية.

كما يمكن الإطلاع علي مقولات وحوارات وندوات كثيرة لربوح وزملائه إضافة لسجالاته الفكرية المهمة مع المفكر المصري الشهير د.سيد القمني وقد ذكر ذلك في صياغات ومحاور نقاش ومناسبات كثيرة وغيرها من إرث هذا الفيلسوف الثوري المتفرد في تقديم وتحليل ونقد الواقع الكوني وتحولات المجتمع مع إستبصاره الموضوعي لتلك الإشعاعات المنبعثة من عقول شباب الثورة والتغيير آخذاً الأبعاد الفكرية والسياسية لجيل جديد طامح ومتطلع للمستقبل بفكر متحرر ينبعث من خارج صندوق التاريخ وفوه البنادق متجاوزاً أنماط التفكير القديم ويؤسس للإنفتاح علي العالم والعلوم الجديدة وبناء دول متطورة تسودها الحريات السياسية والثقافية وقيم الديمقراطية والعدالة الإجتماعية,

وهذه القضايا وغيرها كنت أناقشها باستمرار مع صديقي البشير ربوح طول السنوات التي تعرفت فيها عليه وإبان الحراك الثوري السوداني والجزائري وإنخراطنا فيه معاً، وتزامن الثورتيين حدث تاريخي يستحق الإحتفاء بذكراه كل عام وقد أثقل التواصل بيني والصديق البشير ربوح وفي إعتقادي أن الأمر يتعلق بتشابه ظروف القضية مع الإلفة التاريخية بين شعوب السودان والجزائر منذ عهود الإستعمار مروراً بالحكومات الدكتاتورية المتشابهة في السلوك والممارسات فضلاً عن تاريخ المقاومة الوطنية في البلدين.

وكنا علي موعد للإلتقاء في ظروف أفضل من تلك التي نعيشها أيام الثورة إلا أن الموت حال دون تحقق ذلك، واليوم أقف لإستعادة تلك الذكريات في ذكرى وفاة البشير ربوح واضعاً صُوره أمامي ومتذكراً نضالاته العظيمة مع الشعب الجزائري وإهتماماته النبيلة بما يحدث في السودان وهو يمتلك عقلية عابرة لحدود الجغرافيا وكل مطبات السياسة؛ عقلية مُفكر إنساني عالٍ الكعب يحمل رسالة التغيير والتحرر من أجل الجميع، وعهداً أن لا نحيد عن طريق الثورة أبداً؛ وسنعمل للتحول الديمقراطي السلمي وبناء مجتمعات تؤمن بالسلام وحقوق الإنسان وتسعى للعلوم والمعارف الكونية، والعهود بين الناس تبقى إذا كان نبراسها من العلم والفكر والحلم المشترك الذي يلامس الواقع.

وصِدق الفكر عند البشير ربوح عندما لامس واقع المجتمع أسس نواة جيدة للتغيير وجعله من أحب المثقفيين لنبض شعبه وتلامييذه والأصدقاء وهو ما سيخلده في النفوس والعقول، وهذا درس من مثقف نبيل إنحاز لضميره الحي في وقت يمارس فيه البعض عادة الهروب من الحقيقة، ويجب أن يذهب مثقفي بلدان العالم إلي حراك شعوبهم بفكر جديد يستوعب المتغيرات اليومية في المجتمع حتى لا يكونوا أصوات نشاز لا يسمعها الناس إلا في مواسم عابرة، وفي ختام القول أرسل سلامي من السودان الجديد إلي الجزائر الحرة.

الرحمة والسكينة والسلام لروح البشير ربوح والمجد والخلود لذكراه.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.