آخر الأخبار
The news is by your side.

الخمور بين القانون والأخلاق (8)

الخمور بين القانون والأخلاق (8)

بقلم: النور حمد

 لقد كان للاستعمارين التركي/المصري، والبريطاني، تأثيرٌ سالبٌ على المزاج الديني المتوارث في السودان، خاصة في البيئات الإسلامية. فقد حارب الخديويون والبريطانيون التصوف ومكَّنا للفقه، الذي ظل عبر التاريخ الإسلامي ذراعًا للسلاطين، يسيطر به الحكام المستبدون على الناس. بسبب تمكين الفقه ابتعد كثيرون من سعة التصوف وأدبه وحكمته، وانجرُّوا إلى ضيق الفقه وشكلانيته المظهرية. في جوهر الدين، لا قيمة للقيد الخارجي إن لم يتحول إلى قيد داخلي ينبع من الذات. “لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ”؛ أي، لا تنال رضا اللهِ، القرابينُ ولا الشعائر التي تؤدونها، وإنما تناله ثمرتُها، وهي: “التقوى منكم”. لا حكمة في فرض قيودٍ لا يمكن تطبيقها عمليًا. الحكمة هي جعل الناس يقيدون أنفسهم بأنفسهم. وهناك وسائل كثيرة لتحقيق هذا الغرض، سبقتنا إليها أممٌ كثيرة. من هذه الوسائل الترشيد، عبر الخطاب الديني الحكيم، وعبر التعليم العام، وعبر الإعلام، إضافة إلى إنفاذ القانون الدستوري، الذي يعاقب على السكر في المجال العام.

تدور في وسائط التواصل الاجتماعي هذه الأيام مقاطع فيديو، يتحدث فيها عن ضرورة ألا تكون الدولة “دينية”، وإنما “مدنية”، كلٌّ من الشيخ يوسف القرضاوي، والداعية طارق سويدان، والرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وبعض شيوخ الوهابية السعوديين، أحدهم سلمان العودة. ولقد سبق أن أوردت ما قاله الدكتور حسن الترابي، أنه لا يجوز اقتحام خلوات الناس، لأن هذا يقع في دائرة التجسس والتحسس، وهو أمرٌ منهيٌّ عنه شرعا. كما سبق أن أوردت حديث راشد الغنوشي الذي قال فيه: إن مهمة الدولة تنحصر في تحقيق الأمن وإقامة العدل وتقديم الخدمات، وليس من مهامها أن تراقب: صلَّى الناس أو لم يصلّوا، تحجَّبوا أو لم يتحجَّبوا، سكروا أو لم يسكروا. إلى جانب هذا الميل المتزايد إلى مفهوم الدولة المدنية، من جانب جماعات الإسلام السياسي، بدأت المملكة العربية السعودية تتراجع عن خطها الوهابي الحنبلي المتشدد، الذي انتهجته منذ أن كانت إمارةً صغيرةً في الدرعية، في القرن الثامن عشر، يتقاسم سلطتيها الدنيوية والدينية، الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبد الوهاب.

ما قام به نميري في سبتمبر 1983، لم يكن تحكيمًا للشريعة، وإنما مجرد نزوةٍ حاكمٍ مستبدٍ استنفد كل أوراق اللعب التي تبقيه في السلطة، فاتجه إلى استغلال الدين، وقد آزره في ذلك الشيخ حسن الترابي وقبيله. ولربما لا يعلم كثيرٌ من أبناء وبنات الأجيال الجديدة، أن قوانين سبتمبر 1983، والتي سُمِّيت زورًا وبهتانا، “قوانين الشريعة الإسلامية” لم تصدر من هيئة تشريعية، وإنما فُرضت بمراسيم جمهورية. ونميري الذي فرضها رجلٌ لم يُعرف عنه أي اهتمام بالإسلام، طيلة حياته، بل ولا حتى معرفة بأبسط قواعده. فإلغاء قوانين سبتمبر، هو العمل الدستوري في حقيقة الأمر، والذين يتباكون كذبًا على ضياع الشريعة، يعلمون أن الشريعة بالمفهوم الذي يعتنقونه، غير قابلة للتطبيق. الدليل، أنهم بقوا في الحكم لثلاثين سنة، وهي مدةٌ أطول من مدة البعثة المحمدية المشرفة، التي لم تتجاوز 23 عامًا، ومع ذلك، لم يطبقوا منها شيئا. بل، عملوا كل ما هو نقيضٌ لها. لقد ولَّى إلى غير رجعة، زمان الصراخ والعواء لفرض مظهرٍ كاذبٍ للدين، وجاء وقت جعل الدين قيمًا حقيقية تعاش. وطريق هذه النقلة البرادايمية، هو الاقناع والاقتناع، والتربية الخلقية.
(يتواصل)

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.