آخر الأخبار
The news is by your side.

الاقتصاد السياسي للسودان .. السودان ورعايه الارهاب ظلال الماضي وآفاق المستقبل

الاقتصاد السياسي للسودان .. السودان ورعايه الارهاب ظلال الماضي وآفاق المستقبل

بقلم: د. سبنا امام

مما لاشك فيه ان ازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب سيعد دعما كبيرا للتحول الديمقراطي في السودان ولكن الطريق لرفع هذه العقوبات ليس مفروشا بالورود فهو معقد وشائك وقابل للاشتعال ايضا في بعض ملفاته وهنا علينا ان نعلم ان السياسه الامريكية تقوم على توقع المستقبل بقراءة الماضي وتحليله وعليه هنالك دول تعتبرها امريكا مهددا امنيا ثابتا لطبيعه تركيبتها الثقافية والتاريخية ولانه كان لها اطماع توسعية في الماضي القريب مثل المانيا اليابان والسودان وتركيا و فيتنام وتسمى بالدول المتململة(البراكين النشطة) وذات الشهية العالية لقيام مشروع سياسي عسكري عابر للحدود.ولهذا يجب ان تبقى تحت السيطرة .وعلى ضوء ذلك يكون السؤال العملي الان هو مالذي تتوقع الولايات المتحده ان يقدمه السودان لتقدم خطوات جاده في هذا الاتجاه؟
يمكن حصر الشروط الامريكية في ثلاث محاور يعرفها اغلب الناس ولكن اذكرها هنا لغرض ترتيب الأفكار

المحور الامني

اولا والاهم القضايا المتعلقه بالامن القومي الامريكي .في هذا الصدد تعلمون ان الحكم الانتقالي قد ورث دولة فاشلة ليست لها القدرة على احكام السيطرة على حدودها وعليه يجب ان تبرهن الحكومة الانتقالية من خلال عرض خطط واضحه وآليات مفصلة و بجداول زمنيه على قدرتها على إحكام السيطرة على الحدود وقمع التهريب وتهجير البشر و الاتجار بهم وطرد مشبوهي الارهاب اللذين لجأوا الى السودان خلال الثلاثين عاما الماضيه . كما يجب ان تشرك الحكومه وكالة المخابرات الامريكيه والجيش الامريكي في عمليات محاربة الارهاب وتجفيف موارده بخطط طويله المدى تمتد لما بعد الفترة الانتقالية فحرب امريكا على الارهاب مفتوحه وستحتاج للتأكد من ان السودان لن يكون بؤرة للارهاب على الاقل للمئة عام القادمة.
ثانيا جهاز الامن السوداني كان من اكثر الاجهزة تعاونا مع الولايات المتحده في ملف الارهاب تحتاج الولايات المتحده لان يكون هذا الجهاز الان تحت سيطرة المدنيين وتحديدا حكومه حمدوك حتى تعتبر ان لها شريكا يمكن الوثوق به في هذا الملف بالخرطوم.
ثالثا الوضع السياسي افضى الى حكومة نصفها مدني والاخر عسكري وعلية يتحتم على النصف المدني ان يقنع الادارة الامريكية بان دعمها له لن يصب تلقائيا ايضا في دعم وتقوية المكون العسكري وقوات الدعم السريع (مليشيا الجنجويد) .

رابعا على الحكومه ان تعترف بمسؤولية السودان عن تفجير السفارتين الامريكيتين بنيروبي ودار السلام و تنسق مع الولايات المتحده عن كيفية تعويض الضحايا واحد الحلول هي ان تقوم الحكومه بالتعاون مع الولايات المتحدة باسترجاع المليارات المنهوبة من رموز النظام لكي تفي بالتعويضات.
خامسا اغلاق مكتبي حماس وحزب الله في الخرطوم .

المحور الاقتصادي

اولا ان تقوم الحكومة باستعراض خطط واضحه وبجداول زمنية عن خطتها الاقتصاديه لاعادة توزيع الموارد بطريقة امثل تسمح بتحول الموارد من الجيش والدفاع والامن الى القطاعات الانتاجية والخدمية كالصحه والتعليم وذلك عبر تفكيك شركات ومؤسسات الجيش المتهربة من الضرائب والمستفيده من الدعم والاعفاءات الجمركيه . كما ان هذا الشرط يتنافى تنفيذه مع النقطه الاولى وهي ان السودان دولة فاشلة والحكومة اصلا لا تسيطر حاليا على حدودها وعليه فان تقليص الصرف على الامن والجيش قد يؤدي الى مزيد من الاضطرابات الامنيه .
ثانيا اخراج الدولة من السوق واتاحه الفرصة للقطاع الخاص بالاستثمار في كل المجالات عبر تفكيك الاحتكارات واتباع اسلوب ال العطاءات التنافسية المفتوحة خاصة في مجال الذهب الذي تحتكره المليشيات. وهو ما قد يؤدي لمواجهة مع الجيش والدعم السريع.
ثالثا رفع الدعم بكافة اشكاله سواء دعم المواد الاساسيه او المنتجات البترولية وهي اجراءات اقتصادية صارمة سيقع اثرها على الاغلبية المنهكه اقتصاديا من السودانيين وعلى الحكومه ان تكون واضحة في خططها لرفع الدعم وكيفيه امتصاص الغضب الجماهيري المتوقع في حال تبني مثل هذه الإجراءات القاسيه.
الالتزام بما سبق قبل موعد مؤتمر المانحين من اصدقاء السودان المقرر في ابريل القادم .

وهذه المطلوبات تستند نظريا علىى تصنيف السودان في ادبيات الاقتصاد الغربي كدولة ذات موارد ضخمة ولضلك كان مصيرها الفشل والتخلف كنتيجه لما يعرف بلعنه الموارد الطبيعيه وهذا هو التشخيص الاقتصاديي للسودان في المجتمع الغربي ككل . ولنقرب الصورة اذا راى الطبيب شخصا مدخنا وبدينا سيتوقع ان هذالشخص لن يعيش طوليا لتوفر عوامل اهلاك الجسد في نمط حياته وهو ليس بتمبأ بل قراءة واستنتاج. ولهذا يرى الاقتصاديون الغربيون ان تقسيم السودان سيكون من مصلحه كل السودانيين لانه سيخلق دولا بموارد اقل وسكان اكبر وهو افضل من وطن واحد بموارد ضخمه وعدد سكان قليل. ولكي نغير هذا الواقع لابد من ان نعتمد نموذجنا الخاص للنمو لننضم لقائمه الدول التي حققت معجزه نمو فالدول في ادبيات النمو الاقتصادي تصنف الى دول متقدمة والدول الصناعيه الجديدة ودول معجزة النمو ودول كارثة النمو والدول المتخلفه.

محور السلام والعداله والمحاسبة
اولا على الحكومه ان تبين بوضوح خططها لاحلال السلام واعادة توطين اللاجئين ومحاسبة منتهكي حقوق الانسان خلال السنوات الثلاثين الماضية ومن المعلوم ان عضو المجلس السيادي (حميدتي )يأتي في رأس هذه القائمة بتاريخه الطويل والحافل بالانتهاكات كقائد للجنجويد وهو ما قد يضع البلاد على شفير مواجهة لا تحمد عقباها.وهنا اذا ما استعرضت الحكومه خطة واضحة يمكن ان تقدم الولايات المتحدة الكثير من الدعم اللوجستي الذي ستحتاجه حكومه حمدوك لانفاذ هذه المهمه باقل الخسائر كل ما هو مطلوب اثبات الهمة السياسية والجرأة الكافيةللتعامل مع هذه الملفات.
ثانيا تسليم مطلوبي الجنائية وهي ايضا تعد من الخطوط الحمراء التي لن يسمح حميدتي والبرهان بمجرد طرحها للنقاش كونها ستجر رجليهما الى لاهاي وستعتبر من اكبر تحديات المرحلةالانتقاليه.
ثالثا اتاحه الحريات وخاصة الدينية وازالة كافه اشكال التشدد الديني والخطاب المعزز للكراهية الدينيه والتحريض على الاخر ذو المذهب او الدين المختلف .وتحجيم دعاة الكراهية في المنابر .وهنا ينبغي ان نعلم ان امريكا تنظر للسودان على انه دولة اصوليهة بمنظور تاريخي فالسودانهو الدولة الوحيده التي قتامت فبها خلافة اسلاميه في العصر الحديث وهي الدولة المهدية ومازالت الاحزاب التي تحظى بشعبية كبيرة هي الاحزاب الطائفية والتي تنظر لها امريكا على انها احزاب دينيه وان تبنت الديمقراطية ولهذا لم تدعم امريكا قط حكومات السيد الصادق المهدي الثلاث على الرغم من انها كانت منتخبة واتت بارادة شعبية كاملة. فالسودان في العقل الجمعي الامريكي بلد متشدد وهم يعتقدون انه ستكون هنالك دورات للحكم الاسلامي باشكال ومسميات مختلفة في كل خمسين او مئة عام وذلك لان تكوين الدولة الحديث اسلامي فالسودان بحدوده هو نتاج المهدية تماما كدورات الديمقراطية والانقلاب العسكري لذلك تتطلب عمليه تغيير هذا الفهم عملا ثوريا في التركيبة البنيوية للدولة السودانية وهو ليس بالامر السهل . وترى امريكا ان الحل يكمن في تقسيم السودان واخراج كل المكونات المسيحيه عبر الية استقلال الاقاليم المتمرده وهي عملية تفكيك الامبراطوريه الاسلاميه التي صنعها الامام المهدي. وهذا الامر لن يحدث فقط في السودان بل ايضا في دول كالعراق والسعودية.

وفي كل ما سبق من reforms كما تسميها الإدارة الامريكية تتوقع امريكا من الحكومه في طاولة التفاوض خططا واضحه و بإستراتيجيات وجدوال زمنية وستستخدم الحكومه الامريكية ميزانية 2020ك yard stick او مقياس لمدى جدية وفعاليه وقوه الحكومة وقدرتها على الوفاء بالنقاط اعلاه. الميزانيه يجب ان تعكس تقليص الصرف على الامن والدفاع وزيادة الصرف على الزراعه والصحه والتعليم ورفع الدعم وزيادة العائدات الضريبية. واذا لم تستوفي الميزانيه هذه الشروط قد يتم تأجيل اوإلغاء مؤتمر المانحين او اصدقاء السودان.
اذا ما تعذر الايفاء بالشروط اعلاه خاصة مع الوضع في الاعتبار وضع السودان الحساس امنيا وسياسيا فسيتعين ان يكون لدى الحكومه الخطه ب وهي اداره البلاد دون الا عتماد على اي دعم خارجي لان اي دولة اخرى سنتجه لها لن تضحي بعلاقتها بامريكا من اجل السودان والأفضل هو تبني سياسة الاقتصاد المغلق للخروج من عنق زجاجه الازمة الاقتصاديه على طريقة الصين وفيتنام بعد الحرب الفيتنامية.
الصورة معقدة والمهمة صعبة والمطلوبات كثيرة والخيارات محدودة.
والان الى الاسئلة المهمة:
اولا هل يستطيع السودان الوفاء بالالتزامات اعلاه دون ان ينجر في اتجاهات اكثر عنفا يتطلب ذلك الكثير من الحنكه السياسيه والكثير من التضحيات فهو كالمشي على الحبل.
ثانياهل حقا ازالة السودان من هذه القائمة سيمثل عصى موسى لحل جميع مشاكل البلا يحتاج الامر لدراسه علمية مفصله ووضع سيناريوهات يعني Costs/Benefits analysisواذا كانت الاجابة بلا فما هي الخطه البديلة؟
ثالثا ما هو الثمن الذي يتعين دفعه فامريكا معروف عنها انها لا تعطي بدون مقابل فالبنظر للماضي القريب كان ثمن رفع جزئ للعقوبات فصل الجنوب وذهاب 400الف برميل نفط يومي اي ما يعادل انتاج 146 مليون برميل في العام واذا ما ضربنا في متوسط سعر البرميل اليوم 70دولار للبرميل مطروحا منه تكلفة الانتاج 20دولار للبرميل اي ان صافي السعر 50دولار للبرميل تكون خسارة السودان من العائدات السنوية لانتاج النفط الذي ذهب مع انفصال الجنوب تعادل 7 مليار دولار غير منطقة ابيي وهو ما كان يعادل تقريبا 12%من ال GDP قبل الانفصال وما يقارب 17%من الGDP الحالي. نصيب الحكومة او ما يعرف بالGov take منها 3 مليار دولار (وهي حسابات تقديرية ففي الواقع التقسيم تحكمه اتفاقيات اكثر تعقيدا ولكن فقط لنقرب الصورة لغير المختصين). الان اقسم على 40مليون سوداني يكون نصيب الفرد السوني 750 دولار اي ما يعادل ستين الف جنيه سوداني في العام وخمسة الف في الشهر وهو ما يجب ان يحصل عايه كل سوداني كتعويض فقط عن انفصال الجنوب ويمتد هذا للاجيال القادمةو لان البترول ناضب يجب حفظ حقوق الاجيال المستقبلية فيه. هذا فضلاعن تدمير كل البنية التحتية من النقل وحتى الخدمه المدنية بسبب تفشي الفسادوالذي لعبت العقوبات دورا في تفاقمه بعزلها للسودان وتمكين المفسدين من العمل في الخفاء في جو اقل شفافيه مما لو كانت البلاد مفتوحه على المؤسسات الدوليه خاصة في مجال التعاملات الماليه . فهل ستزيل امريكا اسمنا فقط بدافع حسن النوايا good will principle؟
اسفة للاطالة ولكن يحب ان تتغير نظرة السوداني العادي لحقوقه ولازم يتعلم يحسبا ويتعلم انو صناعة القرار في دول زي امريكا بتم بناءا على دراسات واستراتيجيات طويلة الامد وانو اي دولة ما بتتعامل بنفس الطريقة حتفقد ارضها وسيادتها ومواردها عشان حقوقنا الضاعت دي ما تضيع تاني فهذا فصل الجنوب تخيل لو انفصلت دارفور الاغنى من الجنوب وجبال النوبة .
امريكا تريد دولة ديمقراطية ليبراليه لتتأكد ان الأجيال السودانية التي ستولد وتنشأ في المئة عام المقبلة لن تعرف غير الليبراليه والديمقراطية وعندها فقط يكون السودان قد تغير من وجهة نظرهم واليوم يجب ان نسارع بتكوين البرلمان الانتقالي ونحدد كشعب خياراتنا في هذه القرارات التاريخية التي ستحدد شكل السودان الجديد كليا الذي يمكن ان يبنى عليه نظام ديمقراطي واقتصاد مستقر وقوي.
ولكن الامر برمته يحتاج اراده سياسية ودعما شعبيا قويا ووضوحا كاملا للرؤية وخلق عدد من السناريوهات .
للراغبين في فهم استراتيجيات الولايات المتحده للمئة عام القادمة انصح بقراءة كتابين
Abrief History of the Future ,Author Jacques attali
The Next 100 Years, Author George Friedman

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.