آخر الأخبار
The news is by your side.

أفكار حرة  … بقلم: حليم عباس  .. التسوية السياسية لماذا ؟

أفكار حرة  … بقلم: حليم عباس  .. التسوية السياسية لماذا ؟

الاتفاق مع العسكر على تكوين هياكل السلطة الانتقالية كان (و ما زال ) يجب أن يكون خطوة أولى في مسار التسوية السياسية، و ليس نهاية المطاف. فهذا الاتفاق لوحده لا يُمكن أن ينهي سيطرة العسكر، و لا أن يحل مشكلة قوات الدعم السريع، و لا ينهي التمكين(التمكين الحقيقي المتمثل في الأجهزة العسكرية للنظام و الشركات التابعة لهذه الأجهزة و التي بقيت كما هي)، كما أنه لا يسمح بتحقيق العدالة بالنسبة لمجزرة الاعتصام و لجرائم أُخرى كثيرة، و لا يحل مشاكل الاقتصاد و المعاش و لا يسمح بالانتقال الديمقراطي؛ باختصار لا يسمح بتحقيق الأهداف النظرية للثورة. كل الذي يفعله هذا الاتفاق هو وقف حالة التصعيد الثوري حقنا للدماء و منعا للانزلاق في سيناريوهات العنف و الفوضى، و ذلك بشكل مؤقت. و لذلك فإن هذا الاتفاق غير كاف و لن يصمد طويلا ما لم يتم استكماله بانجاز تسوية سياسية شاملة تنتهي بتسليم العسكر للسلطة و خروجهم من دائرة الفعل السياسي و الاكتفاء بدورهم الذي يحدده الدستور و القانون.

التسوية السياسية هي المسار الطبيعي للأمور بعد توقيع الاتفاق السياسي بين العسكر و قوى الحرية و التغيير، لأنك لا يُمكن أن تقيم شراكة سياسية على أساس اتفاق لتقاسم السلطة بينما تبقى الملفات الإشكالية مفتوحة، و أهم ملف هو ملف مجزرة فض الاعتصام. فالعسكر لم يوقعوا الوثيقة الدستورية لكي يسلموا أعناقهم لاحقا للمشانق، و أي إثارة لهذا الملف في اطار القصاص فهي تعني تأزيم العلاقة بين العسكر و قوى الحرية و التغيير و بالتالي ربما تؤدي لتقويض الاتفاق السياسي و تقويض السلطة الانتقالية و العودة الى المربع الأول. قوى الحرية و التغيير أمام خيارات صعبة؛ فهي من جهة تستمد مشروعيتها الثورية من شعارات القصاص و العدالة و دماء الشهداء، و الشارع يحاكمها بهذه الشعارات، و يمارس عليها ضغوطا شديدة يُمكن أن تفقد معها مصداقيتها و مشروعيتها السياسية كلها. و من الجهة الأُخرى فإن أي تصعيد ضد شركاءها العسكر يعني أنها تضع نفسها في مواجهة مباشرة مع العسكر يُمكن أن تنتهي بانهيار الاتفاق السياسي و خروجها من السلطة الى الشارع مع الجماهير مرة أُخرى. فهذه القوى موجودة في السلطة لأن العسكر قد وضعوها في السلطة بالشراكة بموجب اتفاق سياسي، و هي من جهة أُخرى في السلطة لأنها تمثل الثورة سياسيا و أخلاقيا. إذا استمر ضغط الشارع بخصوص قضية فض الاعتصام و التصعيد ضد العسكر و الدعم السريع، فإن قوى الحرية و التغيير ستكون أمام خيارين إما أن تنحاز للشارع، أو تنحاز للشراكة مع العسكر و تستمر في السلطة و تفقد الشارع، و هذا يعني سقوطها في النهاية. هُناك خيار آخر و حل وحيد، هو خيار صعب و لكنه ضروري و حتمي اذا أردنا عدم العودة الى المربع الأول، و هو خيار التسوية الشاملة مع العسكر و مع كل القوى السياسية و هذه التسوية يجب أن تتضمن مصالحة وطنية شاملة و بموجب هذه التسوية يسلم العسكر السلطة و يخرجوا من الحياة السياسية مقابل عدم الملاحقة الجنائية، قوى الحرية و التغيير عليها أن تواجه الشارع بهذا الخيار العقلاني و المر. لأن الخيار الآخر هو النزول الى الشارع من جديد و العمل على اسقاط العسكر، او انتظار انقلاب عسكري يقوم به اسلاميين يقلب الطاولة على رأس الجميع.

الوضع الحالي غير قابل للاستمرار، فبدون تسوية سياسية إما أن ينقض العسكر على القوى المدنية، خصوصا في ظل هشاشة الوضع و الأزمات الكثيرة التي تتفاقم باستمرار، و في ظل حالة الاحتقان و الاستقطاب السياسي و الايديولوجي، و الجهوي أيضا، و في ظل اهتراء تحالف قوى الحرية و التغيير نفسه، و هذا سيناريو غير مستبعد؛ أو أن تعمل قوى الحرية و التغيير من موقعها كسلطة حاكمة و من وراءها الشارع، على اسقاط العسكر و الاستيلاء على السلطة كاملة و لا يبدو أن هذا الامر ممكن لأسباب كثيرة: أولا تحالف الحرية و التغيير قد تصدع داخليا و هو الآن عبارة عن لافتة لا أكثر، فحركات الهامش كلها تقريبا ضد الأحزاب الحاكمة حاليا، و هذه الأحزاب الحاكمة نفسها منقسمة على نفسها، و وجود هذه القوى تحت لافتة “الحرية و التغيير” هو فقط من أجل الكسب من الرأسمال الرمزي الذي تحمله كلمة “الحرية و التغيير” و ليس لأن هذه القوى تشعر بضرورة التحالف فيما بينها. ثانيا: هذا التأييد لهذا التحالف في الشارع و وسط الثوار هو في تراجع مستمر، وذلك بعد أن أسفر عن وجهه الحزبي ، كل يوم يمر تتآكل شعبية “قحت” لأسباب كثيرة منها ما هو متعلق بأداءها السياسي، و منها ما هو متعلق بعدم تفهم الشارع و الثوار على وجه خاص لطبيعة الوضع السياسي الذي نحن فيه و هو وضع تم تدشينه بموجب اتفاق شراكة على تقاسم السلطة مع العسكر و ليس بانتصار كاسح عليهم، و لذلك فإن هؤلاء الثوار يطالبون قوى الحرية و التغيير ببعض الأمور التي لا يُمكن تحقيقها في ظل الوضع الحالي المحكوم بوثيقة الشراكة السياسية مع العسكر المسماة بالوثيقة الدستورية، ففي واقع الأمر قوى الحرية و التغيير قد رفعت سقف تطلعات الشارع بما يتجاوز قدرتها، و ما يتجاوز حدود الممكن في ظل المعطيات الموجودة ، و من جهة أُخرى هناك مشكلة وعي سياسي في الشارع عند من يتكلمون كما لو أن النظام قد سقط تماما. ثالثا: قوى الحرية و التغيير نجحت في استعداء كل التيار الإسلامي تقريبا من أقصاه الى أقصاه، بالاضافة الى انها استعدت و أقصت كذلك كل القوى التي كانت مشاركة في النظام السابق من حركات و أحزاب جهوية غير جهوية. في النهاية في أي تصعيد ستجد أحزاب قحت نفسها عارية أمام الشارع و أمام القوى السياسية الأخرى. ستكون مجرد أحزاب و لن تكون تلك القوى المبهمة الغامضة التي أيدها الشارع في بداية الثورة عن جهل بطبيعتها و حسن نية. لهذه الأسباب فإن الأقرب في حال استمر عدم التفاهم بين العسكر و قحت هو أن تجد الأخيرة نفسها في موقف ضعيف للغاية، عبارة عن أحزاب مغلوبة على امرها مثلما كانت قبل الثورة و ظهور تجمع المهنيين الذي هو أيضا فقد بريقه و لم يعد ذلك الكيان السحري تعتقد فيه الجماهير، فقد تبين أنه عبارة عن تجمع سياسي أقل من عادي. مع كل هذه المعطيات يبدو خيار العودة الى مربع المواجهة الصفرية مع العسكر غير مجد، على الأقل بالنسبة لأحزاب قحت.

و إذا كانت المواجهة غير مجدية لهذه الأسباب المذكورة و لغيرها من الأسباب الأخرى (مثلا ليس هناك ما يُمكن أن تعد به أحزاب الحرية و التغيير الشعب و بين يديه تجربتها الراهنة التي يعيشها الآن) ، فإن خيار التسوية السياسية هو الخيار الوحيد الذي يُمكن أن يشكل مخرجا، تسوية حقيقة و ليس مجرد اقتسام للسلطة مع العسكر، لأن الشارع لن يقبل بوضع كهذا و سيظل يطالب و يغلي و يضغط إلى أن ينفجر في النهاية في وجه السلطة بعسكرها و مدنييها.

بنظرة سريعة الى الخارطة السياسية فلن ترى سوى قوى متفرقة يتربص بعضها ببعضها الآخر. فالعسكر سيتربصون بتحالف الحرية و التغيير مادام الأخير لا ينوي لهم الخير بدوره، و الشارع الثوري سيظل ينظر الى العسكر باعتبارهم السفاحين القتلة الذين تلطخت أيديهم بدماء الشهداء، و سيمارس ضغط مستمر على قوى الحرية و التغيير باعتبارها ممثل الثورة في السلطة و عليها الوفاء بالتزاماتها للثوار بغض النظر عن السياق الذي تحكم فيه، فالشارع في النهاية غير سياسي، و هناك حركات الهامش التي تصرح بوضوح بأنها لا ترى في هذه الأحزاب الحاكمة سوى قوى مركزية (أي من المركز) تستمر في ممارسة نفس التهميش الذي ظل يمارسه النظام السابق، و هناك القوى الإسلامية بتياراتها المختلفة التي لا ترى في السلطة القائمة سوى خصم سياسي و ايديولوجي ، و هناك حزب المؤتمر الوطني و توابعه و بقايا النظام الذين لن يفوتوا أي فرصة للانقضاض على هذا الوضع و ربما اعادته للوراء. كل هذه القوى لا يجمعها سوى الصراع، بدون أي إطار أو رؤية تحكم هذا الصراع. هذا وضع لا يُمكن أن يستمر طويلا دون أن ينفجر بطريقة أو بأخرى. و لتلافي هذا الانفجار فإن التسوية هي الخيار الوحيد، الخيار الآخر هو انتصار طرف أو بعض الأطراف على الأطراف الأخرى و سيقود الى طريق مسدود في النهاية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.