آخر الأخبار
The news is by your side.

 قَضَايا الثّوْرَة والثّوْرَة المُضَادة … بقلم: ياسر عرمان

 قَضَايا الثّوْرَة والثّوْرَة المُضَادة … بقلم: ياسر عرمان

إدارة كلينتون هي الادارة الامريكية الوحيدة ؛التي إتخذت قراراً بإسقاط نظام البشير ، ولم تتخذ أياً من الادارت بعدها قراراً مماثلاً .
وتكون حينها ؛ تحالف لبلدان المواجهة يضم عدد من بلدان الجوار السوداني ، وجاء ذلك كرد فعل مباشر على محاولات النظام شنّ مشروعه الجهادي ، داخلياً وخارجياً ، وتحدث قادة النظام بلسان طلق عن؛ ( ان زجاج مصر الفرعونية قد بدأ يتطاير) و” أمريكا – روسيا قد دنى عذابها ، ولن نذل ولن نهان ولن نطيع الامريكان” و ( ان برنامجنا يتعدى جنوب السودان الى جنوب افريقيا )، وكان بن لادن والظواهري ومصطفى حمزة يتجولون في شوارع الخرطوم- وردهات المؤتمر العربي الاسلامي مزدحمةٌ بالضيوف ، ومر الشيخ عمر عبدالرحمن من هنا وترددت بيعات الامام حسن البنا في الهواء الطلق ! وتمت الدعوة لأن تُرقْ كل الدماء، وكانت أخوات (نسيبة ) حاضرات في تلك المواسم ، من مواسم السُّكْر الايديولوجي، وكانت التصريحات على شاكلة ” أين القط الامريكي” .

أنزلت هزائم قاسية بالحركة الشعبية والجيش الشعبي ، ولكن جون قرنق المفكر والسياسي ، وبعقله الراجح في أوقات الهزيمةِ والانتصار ؛ أدرك ان في قوة الاسلاميين يكمن ضعفهم ، وانهم من غير هدى ” رباني” يسْتَعْدون قوى اجتماعية عريضة في داخل السودان، وقِوى أكثر عتاداً وعِدة في الخارج، وكما هو الحال دوماً ، هنالك فارقٌ بين حساب الحقل والبيدر.
في يوم الثلاثاء سبتمبر 2001 ؛ كان أحد قادة الحركة الشعبية والمناضل البارز العم ( لوال دينيق) يأخذُ قِسْطاً من الراحة ، طرق حارسه غرفته ونبههُ بأن هنالك خبراً هاماً وعاجلاً في التلفزيون وعليه مشاهدته ،فقد ضرب بن لادن نيويورك ومبنى البنتاغون ، واسمُ السودان يتردد ، وحينما رأى العم لوال ديينق أعمدة الدخان تتصاعد من مبنى التجارة في قلب مانهاتن وألسنة النيرانِ تعصف بمبنى وزراة الدفاع الامريكية نفسها ؛ قال العم لوال ديينق الذي كان يبصر خلف أعمدة الدخان : ( جنوب السودان لو ماطلع من الدخان دا مابيطلع تاني)، لقد توصل لاستنتاج صحيح ، وكان قومياّ جنوبياّ – خاض نقاشات طويلة مع قرنق ورؤيته حول توحيد السودان وهي نقاشات تستحق ان تروى في مقام آخر.
حكى لي د. جون قرنق أنه في لقائه مع د. سوزان رايس واثنين من قادة التجمع الوطني الديمقراطي في نهاية التسعينيات ، سألت سوزان رايس مساعد وزير الخارجية الامريكية للشؤون الافريقية ثلاثتهم، وقد إتخذت ادارتها قراراً باسقاط النظام قائلة : (حينما يسقط النظام ما ستفعلون بالحركة الاسلامية ؟) كان الدكتور قرنق من عاداته يفضل ان يتحدث أخيراً و ( من يتحدث أخيراً يفكر كثيراً) واخيراً أجاب قرنق بموقف متميز ومغاير يبرز تفرّده المعروف .
وكنتُ في اوقات سابقة قد درجتُ على إعطاء تقييم للوضع السياسي ، لاسيما في أوقات التطورات المهمة للدكتور جون قرنق ، وكنتُ أتصل بطيف واسع من اصحاب المواهب المختلفة ومن ضمنهم الاستاذ محمد ابراهيم عبده كبج المهتم بقضايا الاقتصاد والهامش، وسألته حينها عن جدية الانقسام داخل الحركة الاسلامية بين د. حسن الترابي والرئيس السابق عمر البشير ، وقبلها كان د. الترابي قد طلب لقاء د. جون قرنق في جنوب افريقيا وارسل رسالة مكتوبة تسلمتها من السيد مبارك المهدي عبر الفاكس معنونة للدكتور جون قرنق ، وكان حينها رئيساً للبرلمان، قبل عزله من منصبه بأيام ، قال في مختصرها المفيد ” انه اذا التقى قرنق وتحرك قرنق خطوة فانه سيتحرك خطوات، وسيرد التحية بأفضل منها ” واكد لي الاستاذ كبج جدية الانقسام ، وربطني بالقيادات حول الدكتور الترابي مما مهّد الطريق للتوقيع على مذكرة التفاهم الشهيرة في جنيف .
في رده على الدكتورة سوزان رايس قال الدكتور جون قرنق ” إن علينا التمييز بوضوح بين النظام الذي اقامه الاسلاميون والجرائم التي ارتكبوها والمسؤولين عنها من جهة والتيار الاسلامي من جهة اخرى، يجب أن يذهب النظام الذي أقاموه بالكامل ومحاكمة المجرمين على جرائمهم ، أما الحركة الاسلامية فهي ايديولوجيا وفكر لا يمكن القضاء عليها ويجب مواجهتها بفكر مقابل ، وبدلاً من تركهم يعملون في الخفاء وسراً ، علينا ان نتيح لهم العمل في اطار النظام الديمقراطي وبالتزام كامل بأسسه ، وضرورة تفكيك نظامهم ومحاكمة كل من اجرم “.
انني أسعى لاشراك الدكتور جون قرنق من جديد في حوارٍ هو أهل له ، مفكراً وسياسياً من الطراز الرفيع ، وهو أكبر القادة واطولهم قامة وصاحب القدح المعلى في مكافحة النظام الفاشي والتمهيد لهزيمته التي أخذت ثلاثون عاما ، واذا كانت الثورة الحالية شركة مساهمة عامة فان جون قرنق دي مبيور يظل من أكبر المساهمين فيها ، وشكراً لك د. جون قرنق مرة أخرى ومرات .
ان على الحركة الاسلامية ان تبحث عن نفسها قبل السلطة، وان تتصالح مع شعبها وان تحاسب نفسها قبل ان يحاسبها الاخرين، وان تلوم نفسها قبل لوم الاخرين، وعليها الإتجاه الى طريق جديد بالقبول بالاخر ،وبالديمقراطية نصيرا وبالشعب وكيلا، اننا نتحاور مع من يفكر من الاسلاميين بعقله وليس من يفكر بجيبه ويتكئ على بندقيته ،بعد تجربة الابادة وفصل الجنوب والاملاق الذي الحق بالعباد، والانهيار الذي اصاب اجهزة الدولة بفعل ليلة الثلاثين من يونيو التي لم يصلي فيها الاسلاميين الصبح لوجه الله بل لانتزاع الحكم في القيادة العامة.

* على الحكومة مصارحة الشعب بحقائق الوضع الاقتصادي
الحكومة الحالية لا تحمل عصا موسى ، والازمة الاقتصادية أكبر قضاياها ومكامن ضعفها ، وهي أزمة عميقة الجذور تحتاج لاصلاحات كبيرة وسياسات جديدة منحازة للفقراء، وللسلام – والسلام نفسه هو إقتصاد سياسي ونحتاج لولاية الدولة على الثروات الوطنية .
ومن الخطأ تحميل الحكومة وِزْر الازمة الاقتصادية ، في المقابل فان تصريحات مثل تصريح وزير ذو خبرة واطلاع على سياسات المجتمع الدولي مثل وزير المالية الصديق د. ابراهيم البدوي فان المجتمع الدولي قد حلف طلاق تلاتة بأن يتولى ميزانية 2020 م، لا سيما اصدقاء السودان فان عابري الطرقات من أمثالنا سيشكّون في جدية اصدقاء السودان في دفع فاتورة الحساب في المطعم الذي يؤمّه الشعب ، وهذا التصريح يضر أكثر مما ينفع .
اننا ندعو الحكومة الى مصارحة الشعب بحقائق الوضع الاقتصادي وبخطة واضحة للتعامل مع الازمة الاقتصادية وان يتم ذلك عبر مشاورات واسعة يجريها رئيس الوزراء مباشرة ، مع المجتمع السياسي والمدني ومع الشعب، فنحن من ضمن الذين يدعمون اجهزة الحكم الانتقالي في السيادي والوزراء، وعليهم جميعاً النزول الى الشعب ومحاورته حينما يتعلق الامر؛ بالاقتصاد ومعاش الناس فان أجهزة الاعلام ايضاً تصلح لاجراء بث مباشر بين الشعب ورئيس الوزراء وفريق عمله، واللقاء مع مختلف الفئات المتضررة، فالاقتصاد يعني (قفة الملاح )(ودوكة الكسرة )(وصاج العواسة)( وملودة المزارع والتراكتور ).
ان الحوار الذي جرى بين المجلس السيادي والوزراء وقوى الحرية والتغيير ؛ كان صحيا ومفيدا للجميع ويجب ان يستمر باشراك الشعب، وان لا يستثنى قوى الكفاح المسلح .

* تقوية الحكم المدني هي مهمة اليوم
يجب أن نوظف طاقاتنا على؛ تقوية الحكم المدني على حساب دولة التمكين والوصول الى اصلاحات عميقة في الاقتصاد وترتيبات امنية جديدة، واخطر التمكين هو ماجرى في مجالي : القطاع الامني والاقتصادي ، وهي مصدر الثورة المضادة ،يسندها اعلام النظام البائد واجهزة الاسلاميين الخاصة ، وتشكل رأس الرمح في محاولة الانقلابات السابقة والقادمة ؛ ضد أجهزة الحكم الانتقالي ، وعلينا وضع خطة واضحة لتصفية التمكين في المجال الاقتصادي والامني ، وحل التناقضات في أوساط قوى الثورة والتغيير ، بما في ذلك اجهزة الحكم الانتقالي .
وعلى الاطراف المكونة لقوى الثورة والتغيير الابتعاد عن الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة ، فكل هذه القوى لها ما يمكن ان تقدمه فلنستمع الى بعضنا البعض قبل تزكية النفس والادعاء بأننا( الفرقة الناجية )واننا على الجانب الصحيح من التاريخ والاخرين خونة ! وبعيداً عن المواقف السياسية الناصعة الاذيال علينا البحث عما يوحد شعبنا ويمنع انهيار السودان في مناخ اقليمي ودولي متقلب .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.