آخر الأخبار
The news is by your side.

تداعيات  … بقلم: يحي فضل الله  ..  ما يصلح من الرمال

تداعيات  … بقلم: يحيى فضل الله  ..  ما يصلح من الرمال

تحت شجرة النيم الكبيرة وضع نجيب الكرسي البلاستيكي و جلس يتابع العمال و هم ينقلون الرمل داخل البيت ، كان نجيب قد اشتري لوري من الرمل ليفرشه علي الحوش و بتركيز خاص امام الباب الخارجي.
حين كان العمال ينقلون الرمل الي الداخل كان نجيب قد اغلق باب الغرفة علي سحر ـ زوجته ـ خوفا من مغبة ان يراها احد العمال فيحدث ما لا يحمد عقباه .
سحر ، كانت تحاول ان تنسجم مع هذا السجن المؤقت داخل غرفتها و هي تقلب بسأم واضح مجلة ـ حواء ـ قديمة كانت تحتفظ بها بوضعها تحت مرتبة السرير بعيدا عن عيون نجيب الذي لا يقبل ان تقرأ زوجته موضوعات نسوية تحرض علي الانفلات و ان تتفرج علي صور لنساء و فتيات وهن يروجن لتقليعات الموضة .
تحركت سحر من اتكأتها علي السرير لتفتح النافذة التي اغلقها نجيب بفكرة متعمدة ومقصودة حين احست بسخونة الغرفة و حين فتحت سحر النافذة لاحظت عبر ضلفة مواربة نجيب يتابع اثنين من العمال و هما يسويان الرمل علي الحوش بينما العامل الثالث كان ينقل ما تبقي من الرمل الذي في الخارج و حين اقترب احد العمال من النافذة التي فتحتها سحر بضلفة مواربة ، اقترب نجيب من العامل ليتابع تفاصيل تسوية الرمل ، كان العامل منهمكا في عمله و هو يدندن باغنية لها علاقة بالشوق و العشاق و هنا لاحظ نجيب النافذة و فتحتها المواربة فنظر بريبة للعامل المنهمك في العمل و الغناء و فارت منه الدواخل ، ادخل يده بعصبية في جيبه و اخرج مفتاح الغرفة مهرولا نحو باب الغرفة و حين احست سحر بحركة المفتاح في قفل الباب اخفت سريعا المجلة تحت المرتبة و مدت يدها و اغلقت النافذة و تمددت علي السرير متظاهرة بالنوم.
دخل نجيب الغرفة منزعجا و عبر سحر بنظرة غاضبة و هو يتجه الي النافذة التي وجدها غير محكمة الاغلاق مع انه متأكد انه قد اغلقها بنفسه قبل ان يدخل العمال واسترق السمع الي غناء العامل الذي يعمل علي تسوية الرمل تحت النافذة ، ازعجه جدا ان صوت غنائه مسموع بوضوح داخل الغرفة
يا نهر الريد
الريد الريد الصافي
نظر الي سحر المتظاهرة بالنوم و صوت غناء العامل يزيد منه الشكوك وخرج من الغرفة مقذوفا بالغضب ولكنه عاد داخل الغرفة ليحكم اغلاق النافذة و خرج ، اغلق باب الغرفة بالمفتاح و ركض نحو العامل المستغرق في العمل و الغناء و هجم عليه بغتة ، جرده من القطعة الخشبية المستطيلة التي كان يمسح بها علي الرمل ، قذف بها بعيدا و صرخ
ــ( بره ، بره من البيت ، اما قلة ادب ، كلكم بره من هنا ، انت قايلني انا تيتل ، انا ملاحظك كويس ، ليك اكتر من ربع ساعة حاقص تحت الشباك ده و عامل فيها بتغني و تصل بيك الوقاحة تشاغل مرتي ، يا نهر الريد ، نهر الريد في عينك ، يلا ، يلا كلكم بره ، وقفو الشغل ده هنا بس ، اطلعو لي بره ، بره البيت عشان احاسبكم بره ، اتخارجو لي بره ، يلا ، يلا) ــ
وخرج العمال الي الخارج و تبعهم نجيب مواصلا هياجه ضد ذلك العامل المغني بينما كانت سحر تبكي بتشنج داخل الغرفة المغلقة .
بعد ان اعطي نجيب العمال اجرهم استغرق في تسوية الرمل امام الباب الخارجي و لم ينس ان يجرب المشي علي الرمل حتي يري آثار اقدامه عليه ، كل ذلك حتي يتسني له معرفة ان هنالك من يرغب في الدخول الي بيته اثناء غيابه من خلال آثار الاقدام علي الرمل و بينما توغل اكثر في العمل محاولا ان يزيد الرقعة الرملية امام الباب حتي يقرأ اثار العابرين امام بيته سمع ضربات سحر العنيفة علي باب الغرفة المسجونة داخلها تطالب بالخروج بعد انتفي شرط حبسها بطرده للعمال فتحرك نجيب و فتح باب الغرفة و نظر الي سحر نظرة مرتابة جدا و دخل معها مباشرة في تفاصيل دقيقة كي يعرف السبب الذي جعلها تفتح نافذة الغرفة بعد ان اغلقها هو و لم يقتنع بالسبب الواقعي و الطبيعي الذي اعطته اياه سحر بل برقت منه العيون و زفر زفرة متهكمة و قال ــ( ايــــــوه ، قلت الحر ، بلاهـــي ، الحر ، قلت لي الحر آآآآآ ، بلاهــي) ــ
و عاد الي تسوية الرمل امام الباب الخارجي بمعيار من الريبة والشكوك .
بعد العام الاول من زواج نجيب وسحر بدأت ظواهر شكوك نجيب تظهر ولم تنزعج منها سحر و اعتبرتها مجرد نوع من الغيرة و لكن هذه الشكوك نمت وتسرطنت و اصبحت تأخذ اشكالا مزعجة ، بل انه تمادي في شكوكه الي درجة ان طرد رحاب صديقة عمرها من بيتها بحجة انها ذات صلة بماضيها ، ذلك الماضي الذي اكتشفه نجيب صدفة حين عثر علي خطابات غرامية ملتهبة من ابن الجيران الذي عادة ما يكون بمثابة الحبيب الاول ، احتفظ نجيب بهذه الخطابات و اصبحت شغله الشاغل و كم تعب حين قرأ في احدي الخطابات وصف لمكان لقاء بينها وبين خالد حبيبها الاول و ابن الجيران، كان خالد قد كتب اليها في هذا الخطاب يصف لها المكان الذي يجب ان يلتقي بها فيه وكان ان رسم خرطة توضح المكان و كان خالد قد حدد زمن اللقاء بحيث يكون القمر في اكتماله امعانا منه في الرومانسية ، اتعب هذا الخطاب بالذات نجيب ال درجة انه فصله عن بقية الخطابات التي وجدها ،بل انه ذهب الي ذلك المكان مستعيينا بتلك الخرطة و وجده مكانا عاديا لا يتميز سوي بصخرة كبيرة علي مقربة من شجرة عرديب عجوز خلفها عراء ، تفقد نجيب ذلك المكان ذات عصر الامر الذي لم يشبع فضوله و تفاصيل غيرته فقرر ان يأتي الي المكان ليلا و القمر مكتمل حتي يستطيع ان يحاصر تفاصيل المكان كمكان عشاق وكان ان فعل ذلك و كم تعذب تلك الليلة حين لاحظ ان الليل يعطي المكان تفاصيل من الخفاء و ان القمر المكتمل حين يوزع ضوءه علي المكان يمنحه تلك الدفقة من الرومانسية و تمادي في ملاحظاته ليكتشف ان ضوء القمر حين يسقط علي تلك الصخرة يكون ظل داكن يتيح للعشاق ان يتحرروا حتي من الملابس الامر الذي جعله ملتهب الجوف وتعبث في دواخله شكوك و شكوك لذلك حين عاد الي البيت بعد تلك الجولة الاستكشافية لماضي سحر ، اخرج تلك الخطابات و كشف امرها لسحر بنوع من ذلك الهياج و مزق الخطابات امامها و حين حاولت سحر اقناعه بان ذلك ماضي يخصها صفعها بعنف ، و من هنا بدأت شكوك نجيب نحوها تتنوع في التصرفات و السلوك ،وحين طرد صديقتها رحاب من البيت كان ذلك استنادا علي جملة في احدي تلك الخطابات كتب فيها خالد ان علي سحر ان تقابل رحاب كي تأخذ منها خاتم به حرفه و حرفها الاول و كانت رحاب تركض باكية و هي تخرج من البيت بينما نجيب يلاحقها بالشتائم و التهكمات مثل ــ( يا مرسيل و يا رسول الغرام)
تمادي نجيب في تجليات شكوكه الامر الذي اتعب سحر جدا و قررت ان تبحث عن خلاص خاصة ان الامر وصل الي الضرب المبرح الي درجة ان اسقطت بسبب ذلك جنينها الاول الذي كان عمره لم يتجاوز الثلاث شهور و لان نجيب كان ابن عمها لم تستطع ان تكسب الاسرة الي جانبها و هي تبحث عن خلاصها بالرغم من ان سلوك نجيب و تصرفاته قد شاعت ووصلت حتي السوق و ذلك حين دخل في مشاجرة مع برشم الجزار حين اشترت منه سحر مرة كيلو من اللحم و حين تفحص نجيب لفة اللحم من ضمن بحثه المسبق عن ادانة وجد ان كيلو اللحم ملفوف بصفحة من مجلة مصورة كانت بها صورة شاب يقبل فتاة فما كان منه الا ان حمل تلك الصفحة المبقعة بالدم و داهم برشم في الجزارة متهما اياه بمغازلة سحر عبر تلك الصورة و كانت مشاجرة كادت ان تفقده حياته حين حاول برشم ان يطعنه بسكين لولا ان امسك به بعض الناس و حالوا بينه وبين سكين برشم .
منع نجيب سحر من التسوق و ذلك حين شك ان دسوقي الخضرجي يغازل سحر مستندا علي قرائن غريبة مثل ان دسوقي اعطاها مرة ما يزيد عن كيلو من البطاطس ممايدل علي عنايته بسحر و كذلك ملاحظته ان الجرجير الذي اشترته مرة من دسوقي يبدو يانع الخضرة و نفاذ الرائحة .
لكم مرة حسن حميدة بائع البهارات في الزنكي حين سأله
ــ وين المدام ؟، انشاالله ما تكون عيانة ؟ ــ
و ذلك حين لاحظ حسن حميدة بتلقائية غياب سحر عن السوق فكانت اجابة نجيب لكمة مباغتة في وجه حسن حميدة الذي كان رده علي ذلك بان ضرب نجيب بالميزان علي رأسه فكان ان استقبلت المحكمة الشعبية قضية شائكة و طريفة و حمل رأس نجيب علامة واضحة و احتاج لاكثر من خمس غرز لخياطة الجرح.
ذات عصر مضجر مر سليمان النجار و كان مخمورا ، مر ببيت نجيب و كان يصفر بفمه موسيقي عذبة لاحدي اغنيات حسن عطية و اظنها ـ( الحجل بالرجل سوقني معاك )ـ ،و كان وقتها نجيب يتكئ علي عنقريب هبابي و يحتسي شاي ما بعد الغداء و سمع صفير سليمان النجار فقذف بكوب الشاي و دخل في معركة مع سليمان تجمع حولها عدد من الفضوليين و كان نجيب يتهم سليمان بمغازلة سحر بذلك الصفير المنغم و سليمان يرد عن نفسه التهمة قائلا ــ( يا زول هوي ، انقرع ، انا مافاضي لي مرتك ، انا عيني مـــلآنه و اهو البلد كلها عارفا انو انا مرافق حوه رنقو ، ما تخلينا من اوهامك ،خلينا بــلاهي يا وهم) ــ
تعذبت سحر كثيرا من سلوك نجيب و لم تستطع ان تتخلص منه لان العلائق الاسرية كانت تمنع و بنوع من تلك الاحكام التي تنحاز الي الرجل و خاصة حين يكون في مقام ابن العم ، تحملت حبسها داخل الغرفة حين يخرج نجيب الي عمله في الدكان الذي ورثه عن ابيه و حين احتجت مرة علي هذا الحبس متعللة بحاجتها لقضاء الحاجة اشتري لها نجيب قصرية و كان عليها دائما ان تجد اجابات مقنعة لتساؤلات نجيب عن آثار الاقدام التي تمر امام الباب رغم انها دائما ما تكون في حبسها الانفرادي.
في ظهيرة مبكرة دخل نجيب البيت بعد ان قرأ اثار الاقدام علي الرقعة الرملية امام الباب الخارجي و حين هم بادخال المفتاح في الثقب بوغت بآثار غريبة و علي مقربة من الباب باصبعين و هذا بعد قياس دقيق ، حين لاحظ ذلك ارتجفت دواخله و بسرعة وضع القفة علي الارض و دحرج بطيخة علي الرمل و انحني يفحص تلك الأثار بعناية الي درجة القياس و فجأة هب من انكبابه علي الارض و ادخل المفتاح في ثقب الباب و فتحه مستعينا بركلة من رجله و هرول الي الداخل مستعدا بمفتاح الغرفة التي عادة ما يحبس داخلها سحر ، فتح باب غرفة سحر بارتباك واضح لاحظته سحر و هي ممددة علي السرير محننة قدميها و تقرأ في مجلة الاذاعة و التلفزيون و المسرح ، وقف نجيب امام السرير المستلقية عليه سحر و بصوت لاهث و عيون تبرق بالوساوس قال ـ( الحاول يشب بالباب ده منو ؟)
نظرت اليه سحر بعيون محايدة اعتادت علي تلك الاسئلة الغريبة
ـ( انا ما تكلم معاك ، منو الحاول يشب بالباب ؟ )
ـ (و انا اعرف كيف ؟ شايفني محننه وانت قافل علي الباب و هسه انت الفتحتو بي نفسك )
ـ ( لا ، يعني قصدي ما حسيتي بي حركة كده و لا كده ؟)
و نظرت اليه سحر و كأنها تريد التأكد من انها تعاشر هذا الكائن المخيف ، ولاحظ نجيب ان سحر كانت تستمع الي برنامج ـ حقيبة الفن ـ تحديدا عند هذا المقطع من الاغنية
ـ ( الضمير قبضه ما بزيد قطره) ـ
وحين هاجم الراديو بجانب سحر تذكر انه نسي القفة و البطيخة امام امام الباب ، اقفل الراديو بتوترغريب وخرج مقذوفا الي الخارج و من بين الدموع الخفية اعادت سحر الحياة للراديو خائفة من شئون محبسها و من صوت المفتاح حين يفتح و حين يغلق ، حين وضع نجيب القفة و البطيخة داخل المطبخ لاحظ ان ـ اولاد شمبات ـ قد انفردوا بسحر فغضب و داهم سحر و قذف بالراديو علي الارض و صرخ في وجهها واضعا يده الغليظة علي عنقها وجذب وجهها الي وجهه بحدة وعنف
ـ( انا مش قفلت الرادي ده ؟)
ـ ( انت ليه داير تقفل اي حاجه ؟ )
ولم تشفع رائحة المحلبية النفاذة لسحر فصفعها نجيب علي خدها مرتين بقوة كل الهواجس و دهس الراديو بقدميه وبعنف غريب و خرج من الغرفة بينما سحر تبدو محايدة تجاه ماحدث و تلوذ بصمت مسترخي.
في تلك الجمعة التي فقدت فيها سحر انيسها الراديو ،خرج نجيب الي صلاة الجمعة و نسي ان يغلق سحر داخل الغرفة لانه فكر في ان يغشي في طريقه الي الجامع بيت العطا ـ قصاص الاثر ـ لان موضوع آثار تلك الاقدام التي حاولت ان تشب علي الباب تحتاج الي متخصص و حين داهمته تلك الفكرة سرعان ما خرج من البيت ناسيا ان يغلق سحر داخل غرفتها.
سحر احست بخروج نجيب و لكنها كانت تعرف انه سرعان ما يعود لسجنها حين يتذكر انه خرج ولم يفعل ذلك و حين لاحظت انه لم يعد ،خرطت الحنه من قدميها و مسحتهما بفوطة و نهضت خارجة من الغرفة ، احست بانتعاش و هي تلقي بنظرها علي الحوش ، فكرت ان تطل علي الشارع من الباب الخارجي وحين همت ان تفعلها تذكرت امرها من الرمل وآثار اقدامها فتركت الفكرة واتجهت الي المطبخ حيث مسموح فقط لاقدامها ان تتجه ، دخلت سحر المطبخ ، وضعت كفتيرة الشاي علي السخان الكهربائي ، تفحصت قفة الملاح و استرعي انتباهها لفة بلاستيكية فيها فسيخ ، اختلطت رائحة المحلبية برائحة الفسيخ ، وهي تحتسي الشاي و قد بدأت تستعد لتوريق الملوخية لاحظت وجود البطيخة المرمية في ركن المطبخ ، برقت منها العيون ، وضعت ما بيدها وخرجت من المطبخ و اتجهت نحو حائط الجيران واستعانت بكرسي و شبت علي الحائط تنادي جارتها ـ مقبوله ـ التي سمعت نداها واستقبلتها بوجهها في الجهة المقابلة من الحائط
ـ ( مقبوله عليك الله دايره لي بطيخة ، كان معاك واحد من الاولاد رسليهو )
ـ ( هي ياسحر ده ما موسم البطيخ ، هسه دي عبدالله جاب تلاته بطيخات و مرق علي الجامع ، انا اجيب ليك واحدة )
ـ (بس ما يمكن عندكم ضيوف )
ـ ( ما مشكلة اتنين بكفو )
و نزلت مقبولة من علي الحائط و عادت الي سحر ببطيخة.
عادت سحر الي المطبخ ووضعت البطيخة بالقرب من البطيخة التي احضرها نجيب ، ارتاحت حين لاحظت حجم البطختين مناسب جدا للذي تفكر فيه ، تذكرت ان عليها ان تخفي آثار رحلتها القصيرة الي حائط الجيران فازاحت الكرسي الي مكانه بالقرب من الراكوبة و عادت لتمسح آثار قدميها في اتجاه حائط الجيران
رجع نجيب من صلاة الجمعة و معه العطا ـ قصاص الاثر ـ الذي قال لنجيب بعد فحص الاثر الذي اوحي الي نجيب بان هنالك شخص حاول ان يشب علي الباب
ـ (يا خوي ده اتر غنم)
ـ (الغنم البجيبها جنب الباب شنو ؟)
نظر العطا مدققا في الاثر
ـ (ده اتر غنم و في الغنم اتر تيس و في التيوس تيسا عجوز واعور ، اها التيس ده حاول ياكل من الجهنمية الفوق الباب دي ، في شان كده شبا)
و تخلص نجيب من تحليلات العطا ومنحه الفيها النصيب.
كان نجيب يفضل ان يقطع البطيخة بنفسه وقد كان ، حمل صينية كبيرة ووضعها علي المنضدة امام الراكوبة وعاد بالبطيخة والسكين ، ادخل السكين من حيث بدت سكين البائع للتأكد من حيث الحلا والحمار و حين انقسمت البطيخة الي نصفين ، قذف بالسكين بعيدا وصرخ
ـ(ده شو يا سحر ؟ تختي لي الفسيخ في البطيخ ؟ )
و كانت سحر امام المطبخ حيث اتجهت السكين المقذوفة و هب نجيب من جلسته و هرول نحوها صارخا
ـ (تختي لي الفسيخ في البطيخ )
و استعدت سحر للهروب و اقترب نجيب منها غاضبا و قد حمل معه في الطريق اليها عكازا ضخما واستطاعت سحر ان تتفادي ضربة و جرت نحو الباب الخارجي و ركض خلفها نجيب و هو يصرخ
ـ (تختي لي الفسيخ في البطيخ )ـ
و احست سحر و هي تركض خارج البيت بنشوة ممتعة و نجيب يركض خلفها بعكازته الغليظة و صرخاته الغريبة
ـ( تختي لي الفسيخ في البطيخ) ـ
و اصبح لهذه المطاردة جمهور من الفضوليين و اطفال الدافوري والمطيباتية ، وحين امسك الجيران القريبين نجيب وهو يلهث و يحاول الصراخ بصوت مبحوح
ـ (تختي لي الفسيخ في البطيخ) ـ
اثناء ذلك رجعت سحر الي البيت و اخفت ادوات معركتها ، حملت تلك البطيخة الملوثة بالفسيخ و قذفتها في بئر المرحاض و جاءت بالبطيخة الاخري وسكين اخري قسمت بها البطيخة الي نصفين و لم تنس ان تستبدل الصينية باخري وان تخفي السكين التي قذفها بها نجيب وحين اكملت ترتيب المشهد جلست امام المدخل علي بمبر و رفعت صوتها بالبكاء حين احست بالرجال يعودون بنجيب و صرخاته.
حين دخل الرجال بنجيب ، تخلص نجيب من قبضتهم و ركض نحو البطيخة قائلا ـ( اهي دي البطيخة ، شوفو بنفسكم ، اهو الفسيخ في البطيخ) ـ
و حين كانت اصبع نجيب تشير الي البطيخة كانت نظرات الرجال تحاول ان تبحث عن ذلك الفسيخ الذي في البطيخ دون جدوي .
اجلس الرجال نجيب ممسوكا علي العنقريب و احاطوا به و تجمع بعضهم حول سحر التي كانت محاطة بنساء الحلة و هي تشرح تفاصيل جنون زوجها الي درجة محاولة قتلها بسبب انها وضعت له الفسيخ في البطيخ و كانت مقبولة جارتها تبتسم بخبث نقئ.
هم الرجال نحو جنون نجيب و حملوه الي خلوة الفكي عبد الرحمن بناء علي رغبة اهله ، حملوه الي هناك دون ان يتخلي عن صرخاته
ـ( يا اخوانا والله كان في فسيخ في البطيخ) ـ
في ليلة تلك الجمعة حيث تم حجز نجيب في الخلوة مقيدا بالسلاسل و يتلقي ضربات السياط ليهرب من عقله ذلك الشيطان الذي صور له ان بامكان الفسيخ ان يكون في البطيخ ،كانت سحر تتجول في الحوش المغطي بالرمال الناعمة بعد ان استمتعت بحضور بشري متنوع في بيتها بدلا ان تكون في سجن غرفتها تلك التي لم تدخلها مذ خرجت منها و تركت والدتها تنام فيها الان كي لاتكون وحيدة ، و حين ملأت حواسها بالانطلاق استلقت علي تلك الرمال الناعمة و ذهبت بها النجوم الي نواصي النوم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.