آخر الأخبار
The news is by your side.

 موقف عمومي…بقلم: د. هاشم غرايبه

 موقف عمومي…بقلم: د. هاشم غرايبه

العيد مناسبة سنوية ابتكرتها المجتمعات المتمدنة منذ القدم، يحتفلون به ويفرحون، وينتظره الناس كبارا وصغارا لأنه يضفي بهجة وتغييرا على النمط اليومي المعاش، فكان هنالك عيد النيروز عند الفرس، وعيد مولد الشمس عند الأوروبيين وعيد فيضان النيل عند المصريين.. الخ.

أهل الكتاب وهم أتباع العقائد السابقة، لم يشرع اللهم لهم أعيادا، إنما اختاروا هم مناسبات دينية اعتبروها أعيادا، فاليهود احتفلوا بعاشوراء كونه وافق تاريخ نجاتهم من فرعون وإغراقه، ثم أضاف احبارهم فيما بعد أعيادا كثيرة، أما أتباع عيسى عليه السلام فقد طلبوا منه ان تنزل عليهم مائدة تكون عيدا لأولهم ولآخرهم، فأنزلها الله عليهم، لكنهم أخلفوا وعدهم فألغوا ذلك العيد، وابتكروا بدلا منه أعيادا أخرى لم ينزل الله بها من سلطان.

عندما استكمل الله هديه بالرسالة الخاتمة الى البشر، شرع هذا الاحتفال بعيدين كل عام، وربطهما بمناسبتين تعظمان مشاعر الله، الأولى عند انتهاء شهر الصيام (رمضان)، فجعل إكمال أداء الطاعة التي فرضها الله على عباده المؤمنين، مناسبة تستحق الفرح والاحتفال بها، كما جعل العيد الثاني مرتبطا بشكر الله على توفيق من أكرمه بأداء فريضة الحج: “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا” [آل عمران:97]، فيفرح بها من أدوه ذلك العام، ويشاركهم فيها بقية المؤمنين، إجلالا وتعظيما لهذه المناسبة.

وسار البشر فيما بعد على سنة مخالفة أوامر الله ذاتها، فأكثروا من ابتكار الأعياد، لكن الهدف من ورائها ليس تعظيم شعائر الله ولا الاحتفال بطاعته، بل استثماري لصالح اصحاب المال من صناع، وتسويقى لصالح التجار.

كثير من تلك الأعياد محدودة بثقافة أمة معينة مثل عيد الاستقلال أو بأحداث تاريخية هامة فيها، لكن هنالك أعياد عابرة لكل الثقافات مثل عيد العمال وعيد الأم.

اذا تناولنا عيد الأم كأكثر مناسبة متبعة في كافة أرجاء أمتنا مع أنها مستوردة من ثقافات الآخرين، فدائما ما يدور الجدل حول كون هذه المناسبة متوافقة مع أحكام الشريعة أو أنها بدعة مستحدثة لم يحتفل بها السلف الصالح، لكن الجدال يكون أقل حدة مما هو عليه في مناسبات احتفالية أخرى، فلكل شخص أمٌّ، ولا يوجد من لا يحب أمه، لذا ينحصر النقاش في مدى تحول هذه المناسبة الى طقوس نفاق اجتماعي بقصد المباهاة والتفاخر بحجم الهدايا وقيمتها المادية.

وهنا يجب أن نناقش مسألتين: الأولى ما مدى صدق نوايا من يحتفل بأمه وهي تعيش أيامها الأخيرة في دار للمسنين، والثانية: فهم الدوافع الحقيقية لتعظيم هذه المناسبة.. هل هي إنسانية أم تجارية؟.

في القضية الأولى التي اكتسبت وجاهتها من استفحال ظاهرة إيداع الأبوين الطاعنين في السن في دور المسنين بسبب تخلي الأبناء عن واجب العناية بهم أو الإختلاف على تقاسم المسئولية عن ذلك.

على الإبن مسؤولية شرعية تجاه أبويهم إذ أن ذلك أمر إلهي: “وَقَضَى رَبُّكَ”، وقضاء الله هو أقوى درجات الأوامر الإلهية، كما أن ذلك ليس مجرد واجب اجتماعي، بل هو عقد ملزم للإبن مثلما التزم به الوالدان تجاهه عندما لم يكن له حول ولاقوة “كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”.

لذلك تميز التشريع الإسلامي ببعده الإنساني الفريد، فلم يفرق بين الأب أو الأم في حقه بأن يعيش حياته الكريمة وبعزة نفس، وحتى عنما يكون عاجزا عن خدمة نفسه، لذلك فإن مبدأ إيواء المرء لأبويه في دور المسنين مرفوض، بأية ذريعة كانت، فلن يكون هنالك أفضل من أن تقدم له الخدمة ممن له فضل عليهم، وهم ملتزمون بأدائها بعاطفة المحبة والوفاء، وليس بدافع الوظيفة ولاالمجاملة أوالنفاق المجتمعي، بل استجابة لأمر خالقهم: “وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ”، وطلبا لرضوانه.

أما في مسألة دوافع المبالغة في الإحتفال بهذه المناسبة، فتكشفها الإعلانات التجارية التي تنهمر بغزارة مستهدفة المستهلك (البقرة الحلوب)، فمن يتحكم في العالم الآن قوى الرأسمالية التي لا يهمها غير الكسب بلا حدود، ولا يوجد أي معنى لقيم الخير والعطاء في قاموسها، بل تستثمر حتى في المشاعر الإنسانية بدافع الجشع الذي لا يكبحه عندهم دين أو ضمير.

هكذا نجد عظمة شرع الله، إذ لم يترك أمرا فيه نفع البشر إلا شرعه، ولا أمرا فيه ضرر إلا حرمه عليهم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.