آخر الأخبار
The news is by your side.

من ذاكرة الفكر … مقدمة ديوان نحن والردى “6”

من ذاكرة الفكر … مقدمة ديوان نحن والردى “6”

اعداد: شهاب الدين عبدالرازق
مقدمة ديوان نحن والردى لـ صلاح احمد ابراهيم، والتي كتبها البروفيسير عبدالله الطيب عليهما الرحمة، نقدمها لكم في حلقات.

ذهب صلاح رحمه الله إلى غانا مدرساً. وأحسب أن من أسباب ذهابه إليها قد كان بعض الإعجاب بيسارية قوامى نكر وما ودعوته الشاملة يرجو بها نهضة أفريقيا السوداء. وأحسب أن صلاحاً وجد في غانا شيئاً ترك فيه أثراً عميقا للغاية، زعزع عنده اليسارية العربية التى كانت أمراً مثاليّاً رائجاً في سنوات الخمسين والستين.

الذى وجده في غانا هو إسلام غرب أفريقية ـ إسلام يختلط بالشخصية فتنصهر فيه وينصهر فيها. إسلام له اعتزاز يقاوم به تعالى العنصرية الافرنجية وغزوة التبشير الصليبى. إسلام فيه صوفية وزهد وبساطة وقوة وتحدٍّ. وراجع في أصوله لا إلى الفتوح وصراع الخلافة والشيعة والسنة والشراة لكن إلى أهل الصفة وأويس القرنى وسعيد بن المسيّب ومعروف الكرخى ورابعة العدوية وعبد الرحمن التكرورى وعبد السلام بن مشيس ومختار الكنتى ومقاومة التجانية والقادرية للغرب المستعمر المسترق.

قال لى الأستاذ محمد المدنى الأمريكى الأفريقى في مدينة لوس أنجلوس 1982م في ديسمبر وكان ذلك في احتفالات المولد النبوى 1412هـ : ( أنا التمس اثبات نفسى ووجودها بالإسلام. لا التمس أى كسب سياسى أو اقتصادى. أريد أن أكون بشراً هو أنا، أحترم نفسى من حيث كينونة البشرية. يمكننى أن أكون بلا إسلام مليونير أسود أو أى شئ طبقى كبير أسود ولكن مع ذلك أكون أنا مسلوب البشرية. بالإسلام تكون بشريتى موجبة ).

هذا الإيجاب لبشرية الشخص محسوس ملموس في إسلام غرب أفريقية. ولما ثار بعض المستعبدين السود في أمريكا الجنوبية في منتصف القرن الماضى ثورة مفاجئة، وكانوا من أطوع العبيد وأصبرهم على العمل، استغرب سادتهم. ثم اكتشفوا كتابات يديرونها بينهم على ألواح واستشاروا فيها الكنيسة فأخبرهم الفاتيكان أنها كتابات تعاليم صلوات اسلامية وان الصوّاب من التصرف هو التخلص منهم حالاً وبسرعة بإرسالهم في سفن إلى شاطئ غرب أفريقية. وكان السلطان محمد بلو وأصحابه يطمعون أن يصل الإسلام إلى شاطئ بلادهم الغربى ولكن كانوا يعلمون أن هناك سفن النصارى بنيرانها وسطوتها ـ فقد أرسل الآن النصارى رقيقهم المسلمين إلى نفس الشاطئ ليتخلصوا منهم ومن دينهم.

لا أشك أن صلاحاً رحمه الله تأثّر بروح هذا الإسلام وقوته غير المتكلفة التى أحسها في غرب أفريقية. الإسلام عندنا في السودان قوى وبسيط وإنسانى المساواة. ولكن جاءنا إسلام حضارى معقد من طريق محمد على باشا ومن طريق مذاهب مختلفة الاهواء في بلاد الشرق العربى وغير العربى التى قال عنها رسولنا صلَّى الله عليه وسلَّم قبيل وفاته  أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ) ووصفها عمر ابن الخطّاب لحذيفة بن اليمان رضى الله عنهم بأنها فتنة تموج كموج البحر.

أذكر لمّا كنت بانجلترا أعد لدرجات شهاداتها أن منزل حركة الطلاّب في شارع غاور كان يعج باليساريين على مذاهب غرب أوربا وشرقها وبين ذلك. وكانوا كلهم ينصرون دعوة الصهيونية على شكاوى العرب بحجة أن العرب اقطاعيون متأخرون. وكان معنا طلبة من غرب أفريقية. فكان الميل إلى جانب بنى قريظة عندهم كما كان عندى أمرا منكرا. (من العجب أنه كما بلغنى من عالم بالأمر أن قد ولد قوامى تكروما صغيرا مسلما فى ناحية “كماسى” من ساحل الذهب واخْتُطِف ونُصِّرَ ومع ذلك يُسّرَ وهذا عند المبشرين لا يناقض الصليبية وصار عدوّاً لإسلام غرب افريقية وتأمر سرّا وجهرا ضد قادته وكان مقتل أحمد بلو وأصحابه هدفاً ـ ولكن هذا باب آخر لا أنصرف إليه الآن.

رحمة الله على علي المك وعلى صلاح كليهما. آخر عهدى بصلاح في مربد بغداد أخر سنة 89م أو 88م ـ أذكر إشراق وجهه وحديثه الكريم المشجع المتفائل المناصر ـ كان ذلك آخر العهد به . وبعد زمان غير بعيد منه كانت وفاة على المك المفاجئة وموقفنا عند صندوق جنازته في مقابر البكرى.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.