آخر الأخبار
The news is by your side.

من درجات الإيمان: الحَيَاء

من درجات الإيمان: الحَيَاء

بقلم: عمرو عبده

الحياء أيها المسلمون شعبة من شعب الإيمان يبعث في النفس معاني الخير ، و يضفي على الفؤاد نوراً يمشي به صاحبه في الناس ، فلا يسقط في عثرة و لا يقع في زلة و لا يهوي في شهوة و لا ينحرف عن الطريق السوي ، إيماناً منه بأن الله تعالى يراه و أنه منه قريب ، و تبارك الذي قال {وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰا}
.
قال جل جلاله {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَیۡكُمۡ رَقِیباً} وقال تبارك اسمه { ٱلَّذِی یَرَىٰكَ حِینَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِی ٱلسَّـٰجِدِینَ * إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ}
.
قال النبي محمد بن عبدالله ﷺ “الإيمان بضع وستون شُعبة ، والحياء شُعبة من الإيمان” وقال عليه السلام “إن لكل دين خلقا ، وخلق الإسلام الحياء” وقال من لا ينطق عن الهوى “الحَيَاء خيرٌ كلُّه”
.
في البداية يجب تعريف معنى الحياء…
.
الحياء باللغة: الحشمة ، وضدها الوقاحة… وقد حيي منه حياء واستحيا واستحى فهو حَيِيٌّ ، وهو الإنقباض والإنزواء…
.
والحَيَاء اصطلاحاً هو: إنقباض النَّفس مِن شيءٍ وتركه حذراً عن اللَّوم فيه… وقال ابن حجر: الحَياء خُلُقٌ يبعث صاحبه على إجتناب القبيح ، ويمنع مِن التقصير في حقِّ ذي الحقِّ… وقيل هو تغيُّر وإنكسار يعتري الإنسان مِن خوف ما يُعَاب به ويُذَمُّ ، ومحلُّه الوجه…
.
والحياء نوعان:
.
نفساني: هو الذي خلقه الله في النفوس كلها كالحياء من كشف العورة ، والجماع بين الناس…
.
إيماني: وهو أن يمتنع المؤمن عن فعل المعاصي خوفاً من الله تعالى…
.
وقال بعض الحكماء: إن المرء إذا اشتد حياؤه صان ودفن مساوئه ونشر محاسنه… وقيل: إن الحياء زينة المؤمنين ، حيث يمنع النفس من التفريط في حق صاحب الحق… وقال أحد الحكماء: ينبغي أن يستحى من إتيان القبيح ، فإن المرء بحيائه ولا إيمان لمن لا حياء له…
.
أخرج الترمذي في السنن… عن عبد الله بن مسعود قال… قال رسول الله ﷺ “استحيوا من الله حق الحياء… قال… قلنا: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله ، قال عليه السلام… ليس ذاك ولكن الإستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء”
.
يوجد فرق بين الحياء والخجل…
.
الخجل: معنىً يظهر في الوجه لغمٍّ يلحق القلب ، عند ذهاب حجَّةٍ ، أو ظهور على ريبة ، وما أشبه ذلك ، فهو شيء تتغير به الهيبة…
.
والحَيَاء: هو الإرتداع بقوَّة الحَيَاء ، ولهذا يُقَال: فلانٌ يستحي في هذا الحال أن يفعل كذا ، ولا يقال: يخجل أن يفعله في هذه الحال ؛ لأنَّ هيئته لا تتغيَّر منه قبل أن يفعله ، فالخَجَل ممَّا كان والحَيَاء ممَّا يكون… وقد يُسْتَعمل الحَيَاء موضع الخَجَل توسُّعاً…
.
وقال الأنباري: أصل الخَجَل في اللُّغة: الكَسَل والتَّواني وقلَّة الحركة في طلب الرِّزق، ثمَّ كثر استعمال العرب له حتى أخرجوه على معنى الانقطاع في الكلام…
.
وقال الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه… من قَلَّ حياؤه، قلَّ وَرَعُه، ومن قلَّ وَرَعُه، مَات قلبه…
.
وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه… إنما الفخر لعقل ثابت ، وحياء وعفاف وأدب… وقال أيضاً.. قُرِنَت الهيبة بالخيبة ، والحياء بالحرمان…
.
وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال…الحياء والإيمان مقرونان جميعاً.. فإذا رفع أحدهما إرتفع الآخر…
.
وقال الإمام الصادق… لا إيمان لمن لا حياء له…
.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال… لا خير فيمن لا يستحي من الناس…
.
عُلِم أن الحياء من أشرفِ الخصال ، وأكملِ الأحوال ، إن الحياء هو الحصن الحصين و السياج المنيع الذي يحمي الأمة من الإنهيار ، ويصون بنيانها من التصدع ، ويحفظ أبناءها من الضياع ، و تأثيره في الأفراد و الأمم أقوى من أي تأثير في واقع الحياة ، لأنه خلق يلازم صاحبه في السر والعلن…
.
فإذا تجرد المرء عن هذا الخلق العظيم هوى إلى الرذيلة وسقط في بحر لجي من الشرور و الآثام ، وتعرى عن كل فضيلة و مروءة ، وكان بغيضاً مبغضاً لا يثق به الناس ، ولا يأتمنونه على شيء ، وسيعيش منبوذاً ممقوتاً من المجتمع الذي يوجد فيه…
.
وفاقد الحياء لا كرامة له لأنه باع دينه بعرض زائل حينما سولت له نفسه الأمارة بالسوء إرتكاب المنهيات و فعل الموبقات وإقتراف المنكرات والوقوع في المحظورات والتردي في كل فاحشة والإنغماس في كل رذيلة بلا حياء ولا إستحياء فأنحدر عن قمة الكمال الإنساني إلى مهابط الرذائل ، ولا يزال يهوي من قبيح إلى أقبيح ، ومن رذيلة إلى أرذل حتى يستقر في الدرك الأسفل من المهانة و الضياع ، و لله در من قال: إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً تقلب في الأمور كما يشاء…
.
المؤمن يتصف بالحياء تأسياً بالرسول ﷺ الذي ضرب بأقواله وأفعاله المثل الأعلى في الحياء ، ويكفي قول الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو يصف الرسول الكريم فيقول… كان رسول الله ﷺ أشد حياء من العذراء في خدرها ، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه ، وكان رسول الله ﷺ يقول “خمس من سنن المرسلين: الحياء والحلم والحجامة والتعطر والنكاح”
.
والحياء من الأخلاق التي يحبها الله ، قال الرسول ﷺ “إن الله حيي ستير يحب الستر والحياء” ، “والحياء كله خير” كما جاء في السنة النبوية المشرفة فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ “الحياء لا يأتي إلا بخير” ، وهو من الوسائل التي توصل الإنسان إلى الجنة ، كما أن عدم التحلي به من الأمور المؤدية إلى النار ، وفي الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال: “الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله ، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان” ، وفي الحديث أيضاً “الحياء والإيمان قُرِنا جميعاً ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر”
.
ثم يأتي الحياء من الملائكة ، هؤلاء الذين لا يفارقوننا ، فحقهم أن نستحي منهم وأن نكرمهم وأن نجلهم عن أن يروا منا ما نستحي أن يرانا عليه من هم مثلنا ، لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه ، وإن كان يعمل مثل عمله ، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟…
.
وقد جعل النبي ﷺ الحياء من الناس حُكماً على أفعال المرء وجعله ضابطاً وميزاناً، فقال ﷺ “ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت” وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال… لا خير فيمن لا يستحي من الناس ، وقال مجاهد: لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه…
.
ولا شك في أن من استحيا من الناس ولم يستح من نفسه ، فنفسه أخس عنده من غيره ، فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره ، وإذا رأيت في الناس جرأةً وبذاءةً وفحشاً ، فاعلم أن من أعظم أسبابه فقدان الحياء ، وقد قال ﷺ “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت”
.
قال نبينا ﷺ “ما كان الفحش في شيء إلا شانه ، وما كان الحياء في شيء إلا زانه” والحياء خلق يحبُّه الله تبارك وتعالى… فعن أشج عبد القيس رضي الله عنه قال… قال لي النَّبيُّ ﷺ “إنَّ فيك لخلقين يحبهما الله ، قلت: وما هما يا رسول الله؟ قال: الحلم و الحياء”
.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النَّبيِّ ﷺ قال”ما كان الفحش في شيء إلا شانه ، وما كان الحياء في شيء إلا زانه” إن الحياء من الأخلاق الرَّفيعة التَّي أمر بها الإسلام وأقرَّها ورغَّب فيها… والسِّر في كون الحياء من الإيمان لأنَّ كلَّ منهما داعٍ إلى الخير مُقرب منه صارف عن الشَّرِّ مُبعد عنه ، فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطَّاعات وترك المعاصي والمنكرات… والحياء يمنع صاحبه من التَّفريط في حقِّ الرَّبِّ والتَّقصير في شكره… ويمنع صاحبه كذلك من فعل القبيح أو قوله اتَّقاء الذَّمِّ والملامة…
.
إذا ضعف الحياء عن الفرد ، وهجر هذه الصفة منه فيحل محله في هذا الوقت صفة الوقاحة والسفاهة ، وسوف يسير في طريق مليء بالفواحش والرذائل… فإذا تحلى أي فرد بصفة الحياء فهي منة من الله تعالى على عباده ، لأنه يجعل هناك مانع بين العيد وبين فعل المنكرات…
.
وبهذا يجب علينا أن نتحلى بصفة الحياء ، لأنها من الصفات المحمودة المطلوبة فهي من الصفات التي كان يتحلى بها الأنبياء ، وعلى كل المسلمين أن يتبعوا هذه السنة المذكورة في الكتب والأحاديث النبوية ، لأنها تمنع الناس من القيام بالمنكرات… وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه… مَن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه ، ومَن قلَّ ورعه مات قلبه…
.
على الرغم من أهمية الحياء ، يجب أن لا ننظر إليه على أنه خجل أو ضعف… فهو بالعكس يعبر عن قوة الشخصية عند الإنسان وقدرته على التحكم في تصرفاته… يمكن للحياء أن يسهم في بناء الثقة الذاتية ، حيث يشعر الشخص بالراحة عندما يعيش وفقاً لقيمه ومبادئه…
.
كما يُعَدّ الحياء أيضاً جزءاً من التربية والتعليم ، حيث يتم تنميته وتعزيزه من خلال القيم والأخلاق التي يُعلمها الفرد منذ الصغر… يمكن للمدرسة والأسرة أن تلعبا دوراً هاماً في تعزيز هذه القيمة وتوجيهها بشكل صحيح…
.
والحَيَاء لا يمنع المسلم مِن أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، قال تعالى { وَٱللَّهُ لَا یَسۡتَحۡیِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ} بل الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر سمة مِن سمات هذه الأمَّة، كما قال عزَّ وجلَّ {كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ}
.
للحياء خصال تعكس القيم والصفات التي تنبع من إحترام الحدود الشخصية والإحتشام في التصرفات والتفاعلات اليومية… من بين القيم والخصائص المرتبطة بالحياء…
.
١. إحترام الخصوصية: الحياء يشمل عدم التدخل في حياة الآخرين بشكل غير لائق وعدم تجاوز حدودهم الشخصية…
.
٢. اللباقة في الكلام: الحياء يتضمن استخدام اللغة بشكل لبق ومحترم، وتجنب الكلام الفاحش أو الجنسي…
.
٣. اللباس المحتشم: ارتبط الحياء بارتداء الملابس التي تحترم القيم الثقافية والاجتماعية ، وتتجنب العرض الزائد للجسد…
.
٤. الإحترام المتبادل: الحياء يساعد على بناء الإحترام المتبادل بين الأفراد ، حيث يعبر عن التقدير للآخرين وإحترام حدودهم…
.
٥. التواضع: من خصائص الحياء أيضاً التواضع وعدم الإندفاع للظهور أو التفاخر…
.
٦. الإحترام للقيم والأخلاق: الحياء يعزز إحترام القيم والأخلاق في التصرفات اليومية ، مساهماً في الحفاظ على الأخلاقيات الإنسانية…
.
٧. الإستماع الإحترامي: يعكس الحياء الاستماع بشكل إحترامي للآخرين دون التدخل في خصوصياتهم…
.
٨. الإجتناب من المواقف المحرجة: يساعد الحياء على تجنب وخفض مواقف الإحراج والضحك على حساب الآخرين…
.
٩. التصرف اللائق في الأماكن العامة: الحياء يشجع على التصرف بشكل لائق ومناسب في الأماكن العامة ، حيث يتم إحترام مشاعر الآخرين…
.
١٠. المرونة الإجتماعية: الحياء يعزز المرونة الإجتماعية من خلال التفاعل بشكل محترم مع مختلف الأفراد والثقافات…
.
هذه الخصائص والقيم تعكس مدى أهمية الحياء في خلق بيئة إجتماعية متوازنة ومحترمة ، حيث يتم تعزيز التواصل الإنساني والإحترام المتبادل…
.
والكلام في الحياء يطول ولن يكفيه مقال واحد للكلام لوصف أهمية ومآثر هذه الفضيلة الإيمانية… فالحياء هو جوهرة تضيء طريق العلاقات الإنسانية والتواصل الإجتماعي… إنه يجمع بين الصراحة الحسنة والإحترام المتبادل ، مما يخلق توازناً رائعاً في مجتمعنا…
.
واختم بالحمدلله ربِّ العالمين.. والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراُ…
.
.
حياكم الله.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.