آخر الأخبار
The news is by your side.

متى يطعم العملاق الزراعي ابناءه؟

الاقتصاد السياسي للسودان .. متى يطعم العملاق الزراعي ابناءه؟

بقلم: د. سبنا إمام
زرعنا مشروع الجزيرة لخدمة مصانع لاكنشير ونزرع اليوم لخدمة الانتاج الحيواني بدول الشرق الاوسط والخليج فمتى نزرع لخدمة الاقتصاد السوداني؟
كثيرا ما يشار الى السودان بانه سلة غذاء العالم ولكنه في حقيقة الامر عملاق زراعي بامكانيات جبارة الا ان القطاع الذي يمثل الجزء الاكبر من الناتج المحلي هو القطاع الخدمي. فالقطاع الاضخم في السودان هو القطاع الخدمي وهو يضم العقارات والانشاءات والاتصالات وغيرها من فنادق ومطاعم والمشكلة في القطاع الخدمي انه ينتج ما يعرف بال nontradable goods او السلع غير القابلة للتبادل الدولي فالاراضي والبيوت والعمارات لا يمكن تبادلها دوليا كالذهب والمحاصيل والسلع الصناعية. ونجد ان القطاع الصناعي هو الاضعف على الاطلاق اذ لم يتحاوز نموه مستوى ال3%منذ الاستقلال. والقطاع الصناعي هو الدينمو الحقيقي للنمو والتنمية لانه يتميز عن القطاعيين الاخريين بما يعرف بال technological and managerial spillovers. فبمجرد ان تصبح دولة ما دولة صناعية وتتبادل السلع الصناعية مع العالم تبدأ عمليه نسميها learning by doing .يتطور في اقتصادها في نواحي محددة وهي التعليم ومهارات العمال الادارة والتكنولوجيا وتدخل في المدى البعيد مستوى الابتكار . وعندما يحدث ذلك ينطلق الاقتصاد بمعدلات نمو لا تقل عن ال5%.ويبدأ تراكم رأس المال العيني والبشري.

الان كيف يمكن ان يصل السودان لهذه المرحلة؟
باراضيه الخصبة والتي تقدر ب200مليون فدان يعتبر السودان مهما للغاية للعالم بصفة عامة وللاقليم بصفة خاصة وكلما ارتفعت اسعار الغذاء نتيجة للشح الناجم عن التغير المناخي كلما ازدادت الاهمية الجيوسياسية للسودان.
اليوم ورغم هذه الثروة الزراعية الضخمة ورغم وجود اكثر الاراضي خصوبة في العالم ووفرة المياه في السودان يعاني اكثر من ثلاثين مليون سوداني من سوء التغذية بحسب تقديرات الامم المتحدة.

والمفارقة ان السودان يؤمن الغذاء للانسان والحيوان في دول مجاورة ولنعطي فكره بسيطة عن هذا الامر دعونا نستعرض بعض الاستثمارارات التي قامت بها دول مجاورة في الزراعة في السودان.ففي العام 1999حصل الاردن على مساحة 9000فدان شمال الخرطوم وانبهر الاردنيون بخصبوبة الاراضي وانتاجيتها ووفرة المياه فانتشرت الاخبار وحضر اللبانيون والامارتيون والسعوديون واليمنيون وحصلوا على ما يعدل ال100000فدان وحصلت السعودية على مليون فدان في الشرق. وحصلت البحرين وحدها على امتياز الزراعة في 100000فدان تعادل مساحة البحرين نفسها. لتبلغ مساحة الراضي الزراعيه المملوكة لاجانب حوالي الخمسة ملايين فدان بمعدل زراعة 1/20فدان فقط. ثم هنالك استنزاف آخر لموارد البلاد المائية .

خاصة من الاستثمارات الزراعية في مجال انتاج الاعلاف فشركة الروابي مثلا جففت العديد من الابار الجوفية تماما في كردفان وبدلا من ان تعاقب اتفقت مع النظام البائد على اتفاقية تسمح لها باستغلال مياه النيل. وشركة لبنانية تستثمر في البرسيم شمال الخرطوم تستخدم طلمبات تسحب ما يعادل حوض سباحة اولمبي من مياه النيل كل نصف ساعة لتروية البرسيم. والشركة تملك 226000 فدان وتستهلك 900مليون متر مكعب وهي تعادل نصف المياه المتوفرة في لبنان وتكفي حاجة خمسة ملايين شخص لمدة عام من مياه الشرب.

هذا وتستمتع هذة الشركات بميزات انخفاض قيمة ريع الارض الذي لا يتعدى ال5 $للفدان وتحصل على المياه مجانا. وقد صرح احد المستثمرين المصريين انه يحصل على750مليون متر مكعب من المياه سنويا مجانا وان هذه الكمية كانت لتكلفه مليار دولار سنويا في اي بلد اخر غير السودان. وتعادل هذه الكمية 4%من نصيب السودان من النيل حسب الاتفاقيات السائدة. هذا فضلا عن عدم دفعهم للضرائب وعدم الزامهم بتشغيل السودانيين. فلو غضضنا الطرف عن الخمسة ملايين فدان الممنوحة للمستثمرين وقسمنا المتبقي وهو 195مليون فدان على الاربعين مليون سوداني بواقع ثمانية مليون اسره يكون نصيب الاسرة الواحدة 24 فدان فإذا علمنا ان نهضة فيتنام التي بات اقتصادها اليوم ينافس الصين قد بدأت باعادة النظر في ملكية الاراضي وتمليك كل اسرة سبعة فدادين يمكننا ان نتخيل ما يمكن ان ينتج من قوة اقتصادية اذا ما منحت كل اسرة سودانية 24 وعشرين فدان لزراعتها. الطريق واضح ماكينة النمو هو التصنيع فلا نمو بمعنى زيادة راس المال العيني والبشري بدون التصنيع ولا تصنيع قبل احداث الثورة الزراعية ولا زراعة بدون تملك انسان البلاد الارض ووسائل الانتاج.

وهنا نسأل ما هو دور المواطنيين وما هو دور الحكومة؟
بالنسبة للشعب السوداني علي الجميع ان يعلم اننا بحاجة لزراعة كل هذه الاراضي واننا في الوقت الراهن نحتاج اي يد عاملة للقيام بذلك وانه لا يمككننا جذب مستثمرين كما لا يمكننا استقطاب اي عمالة فعملية الزراعة هي مهمتنا نحن. وبمجرد ان تصل مسهامة هذا القطاع نسبة ال7%من اجمالي نمو الاقتصاد نكون قد وصلنا مرحلة ال steady state ويبدأ التصنيع .
ودور الحكومة هو ان تهيء السياسات المحفزة للتطور الزراعي واولى هذه الخطوات هي وضع السياسات التي تملك كل سوداني ارضه ومعوله للزراعة وهو ما فشلت فيه كل الحكومات منذ الاستقلال ولكنه اليوم اهم من ذي قبل فأسعار الغذاء سترتفع في العقود القادمة وستنحسر الاراضي الصالحة للزراعة ويجب ان تتركز السياسات الزراعية حول الملفات التالية:

اولا: اعادة النظر في ملكية الاراضي وعلاقات الانتاج
ثانيا: وضع السياسات المشجعة للاستثمار الوطني في الزراعة
ثالثا: تأسيس بنك للتنمية فقد اعتمدت الزرانة سابقا على تمويل الصناديق العربية الضعيف بسبب تدخلات المصريين الذين اجهضوا كل خطط الزراعة في السودان.
البنية التحتية للنقل حيث ذكر اسامة داؤود مرة ان الوقت الذي يستغرقه لاحضار الدقيق من استراليا اسرع من نقله عبر السكة حديد من بورتسودان.
رابعا: السودان بمساحة ولاياته يعتبر قارةوعليه لا يحتاج للاندماج الكبير في التجارة الدولية ويمكن التبادل بين ولايات السودان بحيث ان اغلب ما ينتج يستهلك داخل الحدود حتى نصل النقطة التي عندها يتكون فائض يسمح بالتبادل الدولي. كل ما سنحتاجه مضاعفة عدد السكان.

لذلك نقول ان بلد بهذه الإمكانيات لديه القدرات والامكانيات لكي يكون من اقوى الاقتصادات وان طال المسير سيكون هذا هو مصير هذه البلاد .
ملاحظة المعلومات المذكورة في المقال والمتعلقة بالمساحات والدول المستثمرة مأخوذة عن تقرير لرويترز موجود بالانترنت.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.